Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

هل السياحة السعودية ممنوعة من الصرف؟بقلم : محمد المزيني

هل السياحة السعودية ممنوعة من الصرف؟

 

 

بقلم : محمد المزيني


أكثر من 80 بليون ريال ينفقها السعوديون سنوياً على السياحة الخارجية، هذا ما تناقلته الأخبار، بمعنى أنها تطير من أرصدتهم إلى خزائن دول أجنبية، فلو افترضنا جدلاً أن هؤلاء -وأنا منهم- استشعروا حساً وطنياً خاصاً مسكوناً بالتضحية لسنة واحدة فقط لا غير، وأحالوا هذه الأموال إلى أرصدة مشاريع سياحية وطنية منتجة، فيا ترى! كم سعودي سيفيد منها؟
 


هل تريدون أن نحصي هذه الفوائد الجمة؟ ليكن.. أولها: ذاك الذي يصب في الهدف نفسه ألا وهو السياحة، إذ ستصبح بلدنا سياحية من الدرجة الأولى.
 


ثانياً: ستحفظ أموالنا من (البعزقة) على الشرق والغرب، الذين لا يمكن أن يرونا خارج إطار المنفعة المتحصلة منا.
 


ثالثاً: المواطن العاطل عن العمل سيجد منها وظيفة تدر عليه راتباً جيداً، بما ستوفره هذه المشاريع التي لو -أقول لو- تبنى المسؤولون عن السياحة هذه الفكرة، فسيرغمون كل هذه الشركات من خلال العقود على توظيف المواطن، بمعنى أننا سنخرج من مأزق البطالة الذي ترتفع معدلاته سنوياً بيننا.
 


رابعاً: سنقدم من خلال هذه السياحة مفهوماً جديداً لها ينهض على قيم مختلفة ذات وعي مختلف.
 


خامساً: ستتنوع مصادر الدخل لبلادنا، ولن يصبح البترول بصناعاته التحويلية مصدراً مستبداً بموازناتنا.
 


أعود وأكرر، لو أن هيئة السياحة والتراث الوطني الموقرة استشعرت هذه الأبعاد وتجاذب مع مسؤولياتها الرئيسة المنوطة، وقامت بتبني هذه المشاريع، ولنقلب المعادلة ونقول: لو أن هذه الأخيرة وضعت خططها السياحية بما يعود على المواطن بالنفع وجعلته شريكاً معها في العملية السياحية، من خلال مشاريع سياحية جبارة، تمكن من إيجاد صياغة سياحية مختلفة عن الموجود الذي يهرب منه الناس اليوم، مع تحمل مسؤولياتها كاملة في إدارتها تحت مسمى السياحة النظيفة، فهل سيضطر المواطن المقتدر إلى شد رحاله إلى بعض أقطار دول الخليج التي أصبحت مهوى أفئدة كثير من السياح، على رغم مناخها الرطب والحار والغلاء الفاحش؟ لا أظن، لأن الناس يبحثون في سياحتهم عن أبسط الأشياء، لذلك تراهم موزعين بين الأسواق، والمطاعم، والمقاهي، والمنتجعات ذات الإطلالة البحرية، في حين أن بلادنا ولله الحمد تحتضن أجمل الإطلالات في العالم، منها: الجبال ذات الخمائل الخضر والمناظر الخلابة، والمناخ الممطر المعتدل، فقلما ترى السحاب يتخللك وكأنك فوق بساط علاء الدين كما في مرتفعات الجنوب، وقلما تجد جزر ذات سواحل نظيفة كجزيرة فرسان وسواحل البحر الأحمر والخليج العربي الساحرة المؤهلة لممارسة كل الهوايات، وقلما تجد في العالم كله آثار وشواهد موغلة في التاريخ.
 


بلدنا -ولله الحمد- ثري جداً بكل شيء، ومع ذلك لا يرى المواطن المسكين أي شيء، ليدفع به عنوة لتجشم ركوب الصعب وقطع المسافات الطويلة، بحثاً عن سياحة مصنوعة بواسطة الثروات الهائلة، التي حولت المدن إلى نسخ مكررة لنيويورك أو واشنطن، بينما يكفينا القليل جداً من هذه الصناعة.
 
فمثلا لو أوكلت هذه المناطق إلى شركات سياحية عالمية؛ لبناء المنتجعات على ضفاف البحار، تشتمل على أسواق، ومطاعم، وألعاب تناسب كل الأذواق والأعمار، كما تضمن برامج سياحية متنوعة، من عروض فلكلورية وسينمائية، هذه السينما التي لا تزال محرمة من دون أدنى سبب وجيه، بينما هي المكان الذي يجد الإنسان فيه وقتاً للتأمل ومراجعة كثير من الأفكار من خلال ما يعرض، ومحرضاً له دائماً على التخيل الإبداعي، فكم من فيلم سينمائي أعاد صياغة مفاهيم الإنسان تجاه الحياة والكون، وحتى القيم السلبية.
 


فعلى سواحل بحارنا البكر سنكتشف أننا في أجمل بقاع العالم، كما أن جهاتنا كلها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ستوفر سياحة على مدار السنة -أي في كل الفصول-، عندما نتماس مع وطننا بهذه الحلية سنحبه أكثر، لأنه أصبح جزءاً منا بكل تفاصيله، يتقاطع مع حياتنا اليومية بشكل حميم، وأكاد أجزم أن كثيراً من المواطنين لم يكلفوا أنفسهم عناء زيارة هذه البقاع السياحة؛ لأن الصورة المنقولة لهم عنها في مجملها سيئة من كل النواحي في السكن والخدمات والعناية الخاصة بالسياحة.
 


فعندما تذهب إلى بعض الوجهات السياحية لا تجد سكناً كافياً أو حتى ملائما؛ لأن ملاك هذه الشقق عقاريين لا يهمهم سوى حصد الأموال من زائري هذا المكان، أما الفنادق والمنتجعات فلا تفي بالأعداد الكبيرة التي تزور المنطقة في مواسم معينة، ناهيك عن أسعارها المبالغ فيها من دون تدخل مباشر من هيئة السياحة، التي تقف عاجزة عن فرض قوانينها وأنظمتها الصارمة على ملاكها، بما يشي بأن المفهوم السياحي الأكمل لا يزال متدنياً، في الوقت الذي تشتغل فيه هيئة السياحة والتراث بالاحتفاليات ذات الصبغة الإعلامية، وكل ما تقدمه لنفسها من الأعذار تكاد تكون واهية تحت طائلة التعقيد والحساسية المسكون في كل شيء، كالعادات والتقاليد، وحاجتها إلى الوقت الكافي لتنفيذ خططها، هذا الوقت الذي لم يمنع دولة كقطر ومدينة كدبي من أن تصبح مزاراً سياحياً يؤمه الناس من كل أقطار العالم، وقد لا نعذر لهيئة السياحة تحججها باشتغالها في الشق الآخر من مسؤولياتها المتمثل في التراث، وإن كان الأمر كذلك فالسياحة تحتاج إلى عمل احترافي، لا ينهض على طموحات وآمال من دون رصيد واقعي من الخطط والمشاريع، ونكبر للأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والتراث لاعترافه النابع من شخصية مسؤول حقيقي يدرك لب المشكلة ويشخصها حينما قال: (أنا كمواطن لست راضياً بما تحقق في السياحة الوطنية مقابل ما تملكه المملكة من مقومات وما تتميز به من تنوع وكثافة في المواقع الحضارية والثقافية والطبيعية)، ولكي لا يكون هذا الكلام ممنوعاً من الصرف فمن المهم بمكان العمل بشجاعة كاملة لإحداث التغيير المنتظر من خلال مشروع سياحي سعودي متكامل من أجل الوطن والمواطن.

 

نقلا عن الحياة اللندنية

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله