عاصمة السياحة العربية
بقلم :د. خالد الخاجة
تعتبر السياحة من أهم قطاعات التجارة العالمية نمواً وأوسعها آفاقاً، وآية ذلك أن حجمها يتفوق على إنتاج المركبات، غير أن أهمية السياحة لا تتوقف عند كونها مصدراً نوعياً للدخل الوطني، بل إنها أداة من أهم أدوات القوة الناعمة للدولة والتأثير الثقافي في محيطها العربي والإقليمي والعالمي.
لقد اعتمد نجاح تجربة الإمارات في تطوير القطاع السياحي في العقدين الماضيين على التكامل بين مكونات البنية التحتية المتطورة للسياحة، والتوجهات الرامية إلى الاستثمار في هذا القطاع بجرأة كبيرة. ولا شك أن الإمارات بسعيها الحثيث إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل الوطني، فإن الباب الواسع الذي يجب أن ننطلق منه هو الاستفادة من الميزات النوعية والفريدة التي تتمتع بها الدولة ومنها التنوع السياحي وما تملكه من مقومات تهيئ لها انطلاقة واعدة تجعل منها مقصداً تصعب منافسته.
والشاهد على ذلك ما توجت به إمارة الشارقة كعاصمة للثقافة الإسلامية ثم عاصمة السياحة العربية لعام 2015، لأن الثقافة والسياحة صنوان. وإن شئت الدقة فإن السياحة أحد أهم أدوات الثقافة، وهي تعبير عنها في وقت معاً؛ بمعنى أنها زاد حضاري وقيمة مجتمعية وجسر للتواصل بين الثقافات، ومن خلالها تتعارف الشعوب وتذوب الحواجز النفسية قبل المادية وتنتقل الثقافات والمعارف الإنسانية، كما أنها الزاد الذي يجدد به المثقف نفسه، ويشحذ بها طاقاته، ويعيد عملية التعبئة الفكرية، ليخرج على قرائه برؤى جديدة تمثل رافداً أساسياً لتطور المجتمعات البشرية.
كما أن الخصوصية الثقافية لدولة الإمارات العربية بإماراتها المتحدة تمثل قوة دافعة تجعلها مقصداً للوفود والأفواج السياحية من كل حدب وصوب، ولاشك أن التوازن الشديد الذي انتهجته الإمارات بين الحفاظ على هويتها وثقافتها وتراثها وعاداتها ومنظومتها القيمية، في الوقت الذي انفتحت فيه على العالم من شرقه وغربه، جاعلة من الحكمة ضالتها، ونشر الخير هدفها، وإغاثة الملهوف مقصدها، وتلك إضافة نوعية جعلت من إماراتها محط أنظار العالم، وشعبها موضع محبته وتقديره.
والشارقة عاصمة للسياحة العربية هو العنوان الكبير لإمارة تمثل جزءاً من جسد كبير لديه من مخزون ثقافته وتراثه وحاضره ما يجعلها جديرة بالارتحال إليها، يضاف إلى ذلك حالة من الأمان والاستقرار في عالم أصبح الاضطراب سمة من سماته الرئيسة، ونفوس نشأت على قبول الآخر والترحيب به دون النظر إلى لونه أو جنسه أو عرقه أو دينه أو مذهبه، وثقافة لا تحمل تمييزاً أو كراهية بل توج ذلك بقانون.
وإذا كان الجذب السياحي يعتمد في جانب كبير منه على البيئة المحيطة والأنماط الثقافية لكل مجتمع فضلاً على التنوع في أشكال وأنواع السياحة ما بين البيئية بمحمياتها الطبيعية، والثقافية بما تشمله من فعاليات فنية وفكرية وما يقام على أرضها من مؤتمرات تمثل علامات ومحطات يتوقف عندها الكثير، وعلاجية بما تملكه من بنية تحتية، وإمكانات فنية، وترفيهية، وتسويقية، فضلاً عن بيئة مواتية تلبى كل الأذواق والتوجهات، وبهذه المعايير وغيرها نجد أن الشارقة تمثل نموذجاً متنوعاً قادراً على تلبية حاجات كل من قصده.
فضلاً عن ذلك فإن تتويج إمارة الشارقة «عاصمة السياحة العربية» يمثل فرصة سانحة لكافة الهيئات والمؤسسات الأهلية والدوائر الحكومية للتفاعل مع الحدث وتحمل مسؤوليتها الوطنية لتسليط الضوء على الإمارة كنموذج بارز وناجح في الحفاظ على هويتها وتوظيف موروثها الثقافي كمنصة يمكن من خلالها دفع عجلة قطاع السياحة بصفة خاصة والاقتصاد على وجه العموم.
لذا فقد استوقفني بكثير من التقدير ما يقوم به المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، والذي تترأسه الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، بمختلف إداراته، وبخاصة إدارة التثقيف الصحي وما تقوم به من دور كواحدة من المؤسسات التوعوية في إطار احتفاء الإمارة بحصولها على لقب «عاصمة الثقافة العربية»، برنامج الشارقة مدينة صحية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لهذا العام بحملتها التوعوية «صحة وسياحة في الشارقة»، والتي تهدف إلى زيادة الوعي الصحي حول الممارسات الصحية في الأماكن السياحية المختلفة في إمارة الشارقة، نموذج يحتذى به للدور الذي يجب أن تتبناه كل الهيئات للمساهمة في الاحتفاء بالحدث.
كما ينبغي ألا ترتبط هذه الفعاليات بمدة زمنية وتنتهي، بل يجب أن تتم من خلال برامج ممتدة يتم تنفيذها عبر رؤية شاملة لتظل الإمارات بمناراتها وحدائقها السبعة الأكثر جذباً للكفاءات، والوجهة المفضلة لدى الشباب العربي، والأسعد شعباً، والأكثر شفافية، والأكثر كفاءة، وعاصمة للثقافة الإسلامية والسياحة العربية.