مسارح القاهرة والوجه البحرى فى عصر أسرة محمد على
كتب د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة "المسلة" …. كانت البدايات الأولى لعمارة المسرح على النسق الأوروبى فى مصر على يد نابليون بونابرت الذى أنشأ مسرحاً لخدمة ترفيه جنود حملته عام 1798 وهو المسرح الذى أطلق عليه التيفولى الذى تهدم أثناء ثورة القاهره الأولى ثم أعاد الجنرال مينو بناؤه عام 1800 وأطلق عليه مسرح الجمهورية والفنون.
وقد اقترنت مرحلة التطوير والتحديث والنهضة فى مصر فى عصر أسرة محمد على بفن المسرح وإنتشاره على أيدى الجاليات الأجنبية وأصبح وجود مناطق وبؤر تهتم بالفنون المسرحية خاصة التى تخدم الجاليات الأجنبية كمسرح زيزينيا بالإسكندرية على سبيل المثال وواكب ذلك أيضا رغبة الأسرة الحاكمة فى الإهتمام بالثقافة الغربية والفنون المواكبه لها وإنشاء مسارح مؤقته ودائمة ملحقة بالقصور ومنها على سبيل المثال " قصرى القبارى وبنها للولاه سعيد وعباس الأول.
ومن هذا المنطلق كانت دراسة الباحث الآثارى أسامة مختار الكسبانى الآثارى بمركز المعلومات بقلعة صلاح الدين بالقاهرة عنوانها "المسارح ودور المشاهدة الآثرية فى مدينة القاهرة والوجه البحرى عصر أسرة محمـد على" والتى ألقت الضوء على أهمية المسارح التاريخية بمصر وكشفت عن مسارح جديدة وطالبت بترميم وتطوير وإعادة توظيف هذه المسارح.
مسارح القرن 19
ويوضح الآثارى أسامة الكسبانى أن الدراسة شملت المسارح فى القرن التاسع عشر مثل دار الأوبرا الخديوية ومسرح حلوان وقاعة المسرح بقصر عابدين ومسرح وسينما ألدورادو ببورسعيد ومبنى مسرح وبلدية المنصوره والمسارح فى بداية القرن العشرين مثل مسرح حديقة الأزبكية وتياترو محمد على (مسرح سيد درويش) ومسرح دمنهور وقاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية ومعهد الموسيقى العربية.
وقد عرضت الدراسة لصور نادرة لهذه المسارح وتصويرها حديثاً بالكامل فى مغامرة علمية حيث أن بعضها تحول لأماكن مشبوهة ومنها مسرح حلوان الذى يعود لفترة حكم الخديوى توفيق 1879- 1892م ويقع حالياً على شارع نوبار باشا عند تقاطعه مع شارع محمد سيد أحمد بمدينة حلوان وقد شيد على مساحة شاسعة يتقدمها حديقة وطرازه العام يتبع نظام النهضة الفرنسية المستحدثة والمسرح كان ملكاً لشركة سكة حديد الدلتا فحين تمت إزالة تياترو إسكندر فرح فى شارع عبد العزيز عام 1912 تم إستئجاره لتقديم العروض الخاصة بالفرقة.
مسرح قصر عابدين
ويشير أسامة الكسبانى إلى قاعة المسرح بقصر عابدين وهى النموذج الوحيد للقاعات التى تؤدى وظيفة المسرح داخل القصور والفيلات التى ترجع لعصر أسرة محمد على والتى احتفظت بعناصرها الوظيفية كما هى من عصر الإنشاء حتى بعد عمليات الترميم والتطوير التى مرت على قصر عابدين وتقع هذه القاعة فى سلاملك القصر فى مواجهة صالون محمد على أكبر صالونات قصر عابدين وقاعة الطعام الملكية ويمكن الوصول من هذه القاعة إلى أكشاك الموسيقى والشاى وذلك من خلال بلكونة تؤدى إلى سلالم تطل على حدائق عابدين.
وبعد الحريق الذى حدث بالقصر عام 1891 دخلت تلك القاعة فى عملية ترميم على يد مهندس القصور الملكيه فى فترة حكم عباس حلمى الثانى " فابرسيسوس " كما تمت أعمال ترميم وتجديد أخرى فى الفترة بين عامى 1924-1926 على يد كبير مهندسى القصور الملكية" أرنستو فيروتشى بك" وكانت القاعة قبل تعديلات عشرينيات القرن العشرين قاعة إحتفالات بينما أضاف فيروتشى اللوج الملكى الخاص بالملك وأمر بعمل مائتى مقعد من طراز ريجينسى من أحد بيوت الآثاث الفرنسية وهو الأمر الذى تكرر بعد مرور عام وأضاف مائة مقعد آخرين.
وقد بلغت تكلفة التجديدات التى حدثت على قاعة المسرح نحو 22620جنيها وهو الرقم الذى يجعلها أكبر القاعت من حيث التكلفه خاصة وأن صالون محمد على الفخم تكلف نحو 19450 جنيها بينما قاعة البليارد تكلفت نحو 18024 جنيها مصرى وأهم التغييرات التى حدثت على القاعة هى إضافة خشبة مسرح كاملة للقاعة وبدروم كامل مكون من حفرة خاصة للأوركسترا كما هو الحال فى دور المسرح والأوبرا وغرف تغيير الملابس وتم تعديل الساتر الخاص بالحريم فى مواجهة خشبة المسرح كى يصبح لوجاً ملكياً.
مسرح وكازينو حلوان
يؤكد الآثارى أسامة الكسبانى أن المسرح يعود لفترة حكم الخديوى توفيق 1878- 1892 ويقع هذا المسرح حالياً على شارع نوبار باشا عند تقاطعه مع شارع محمد سيد أحمد بمدينة حلوان البلد وقد أطلق عليها هذا الإسم تمييزا لها عن مدينة حلوان الحمامات الواقعة فى الصحراء شرقى حلوان على بعد ثلاثة كيلو مترات من حلوان تلك المدينة التى تشغل الشاطئ الغربى للنيل وشيد المسرح على مساحة شاسعة والتى كان يتقدمها حديقة واسعة فى طرفها الجنوبى.
ومبنى المسرح عبارة عن قاعة عرض مسرحى مستطيلة ضخمة يوجد فى طرفها الشرقى خشبة المسرح والتى شيدت بارتفاع جدران المسرح وعلى جانبيها حجرات الملابس والملحقات الخاصة بالتمثيل على طابقين بينما فى الجهه الغربية حجرات الاستقبال والتى تفضى وتطل على قاعة العرض المسرحى ويحيط بالقاعة من الجهتين الشمالية والجنوبية فى مستوى الطابق الثانى ممرات علوية تطل على قاعة العرض .والمسرح طرازه العام يتبع نظام النهضة الفرنسية المستحدثة.
ويشير الكسبانى إلى عدم العثور على تاريخ مدون يثبت الحقبة الزمنية أو الفترة التى شيد بها المسرح ولكنه أرجح أن يكون قد تم تشييد المبنى خلال فترة حكم الخديو توفيق 1879- 1892 وذلك لذكر كثير من المراجع تشييد المبنى مع مجموعة المبانى التى أنشئت فى عهده بحلوان مثل مد خطوط السكك الحديدية وفندق جران أوتيل ,المتنزه ,حلقات سباق الخيل واللعب والرياضة وملاهى التسلية بالإضافة إلى ذكر المراجع أنه تم عرض هذا المشروع على الخديوى إسماعيل من جانب المسيو بلان صاحب كازينو همبرج بألمانيا ولكن الخديو رفض.بالإضافة الى تشابه التصميم المعمارى للمبنى مع المبانى التى تحمل نفس الوظيفة خلال تلك الفتره نهاية القرن 19 وتشييدها على الطراز الأوروبى بعكس التى تم تشييدها فى عصر الملك فؤاد والمسرح كان ملكا لشركة سكة حديد الدلتا وعندما تمت إزالة تياترو إسكندر فرح فى شارع عبد العزيز عام 1912 تم إستئجاره لتقديم العروض الخاصة بالفرقة .
مسارح خارج القاهرة
ويتابع الآثار أسامة الكسبانى بأن الدراسة شملت المسارح خارج القاهرة ومنها مسرح وسينما ألدورادو ببورسعيد التى تطل واجهته الرئيسية على شارع النهضة والواجهة الجنوبية الشرقية على شارع بابل وأنشأ المسرح جريجوارسوليدس اليونانى فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر لخدمة الجاليات الأجنبية القاطنة ببورسعيد ثم ألحق به سينما عام 1908 ليصبح مسرح وسينما الألدورادو وقد انتقلت سينما ومسرح الألدورادو لليونانى مريكوبولوس وبعد إعلان بورسعيد منطقة حرة فى السبعينات تم ضم تياترو وسينما الألدورادو كطابق علوى للمؤسسات التجارية التى افتتحت ومنها عدس ثم عمر أفندى.
ويشير إلى مسرح دمنهور الذى أنشئ عام 1930 والذى يعد من أهم دور المسرح فى عواصم الأقاليم بالوجه البحرى وتشرف واجهته الرئيسية على شارع محمود فهمى النقراشى بجوار الديوان العام لمجلس مدينة دمنهور وقد وضع الملك فؤاد الأول حجر الأساس لمبنى البلدية والسينما والمكتبة 8 نوفمبر 1930 وتم الانتهاء من البناء سنة 1931 وأطلق على مبنى المسرح وهو القسم الغربى من المبنى أولاً سينما وتياترو فاروق ثم تغير الاسم من سينما فاروق إلى سينما البلدية وظل الأمر حتى عام 1977 عندما تغير الإسم إلى سينما النصر الشتوى ونظراً للقيمة الفنية والتاريخية للمبنى فقد تم تسجيله فى عداد الآثار الإسلامية علم 1990 و فى عام 2007 بعد الترميمات الأخيرة التى أجرتها وزارة الثقافة أطلق عليه أوبرا دمنهور.
مسرح وسينما ألدورادو ببورسعيد
وبخصوص هذا المسرح الشهير يوضح أسامة الكسبانى أنه يطل بواجهته الرئيسية الجنوبية على شارع النهضة والواجهة الشرقية على شارع بابل وهو شارع يتفرع من شارع ممفيس ببورسعيد ويرجع إنشاء هذا المبنى لليونانى جريجوارسوليدس فى فترة الربع الأخير من القرن التاسع عشر لخدمة الجاليات الأجنبية القاطنة فى بورسعيد فى تلك الفترة ويذكر جورج سلطناكى فى مرجعه مدن القنال الذى نشر سنة 1922 تاريخ السينما فى بورسعيد ذاكراً أنه فى يونيو 1896 تم تعديل ديكوراته وافتتح موسمه بمسرحيتى ترافياتا وتريفاتور ثم ألحق به سينما عام 1908 ليصبح مسرح وسينما الألدورادو وهى سينما نشيطة إضائتها قوية وصالتها بها لوج ومناظر مرسومة على الحوائط مقاعدها عبارة عن فوتيلات وبها خمسون لوج مقسمة الى قسمين أما الصالة فبها 400 كرسى وأوركسترا جميلة وآلة للعرض السينمائى على أحدث مستوى وقوية جداً ونظرا لشهرتها فقد شهدت أياماً كثيرة كلها رخاء وقد انتقلت سينما ومسرح الألدورادو لليونانى مريكوبولوس وبعد إعلان بورسعيد منطقة حرة فى السبعينات تم ضم تياترو وسينما الأولدرادو كطابق علوى للمؤسسات التجارية التى افتتحت عداس ثم عمر أفندى.
وقد اتسمت عمارة مسرح ألدورادوا بالالتزام بالتقاليد المعمارية لعمارة عصر النهضة باللإضافة للاعتماد على النسق المعمارى لعمارة مدن القناه فى القرن التاسع عشر والاعتماد على العمارة الخشبية بالإضافة لذلك اتسم التخطيط الداخلى بالبساطة وذلك لكونه من المسارح التجارية الخاصة والتى إنتشرت فى الأقاليم المصرية خاصة فى المدن التى اشتهرت بتواجد عدد كبير من الجاليات الأجنبية ومنها مدينة بورسعيد ولعل أهم ما يميز التصميم المعمارى للمبنى كونه مسرح معلق بمعنى أن صالة المسرح لا تشغل الطابق الأرضى للمبنى ولكنها شيدت على مستوى الطابق الثانى وشغل الطابق الأرضى مجموعة من المحلات التجارية.
مسرح دمنهور
يعود لعام 1930 ويعد مسرح مدينة دمنهور من أهم دور المسرح فى عواصم الأقاليم بالوجه البحرى كما يشير الآثارى أسامة الكسبانى وتشرف واجهة المبنى الرئيسية وهى الواجهة الشمالية على شارع محمود فهمى النقراشى بجوار الديوان العام لمجلس مدينة دمنهور وبالقرب من ميدان الساعة بينما تشرف الواجهة الغربية على شارع فرعى يعرف باسم الشهيد عباس الأعسر فى حين تشرف الواجهة الخلفية (الجنوبية) على شارع المركز أما الواجهة الشرقية فمشتركة مع مبنى البلدية أو محافظة البحيرة.
ويشير الكسبانى إلى أن الملك فؤاد الأول ملك مصر وضع حجر الأساس لمبنى البلدية والسينما والمكتبة فى الثامن من نوفمبر سنة 1930 وسجل ذلك على لوحة تسجيلية بجوار الباب الشرقى الرئيسى لمبنى البلدية وهى لوحة مستطيلة يحيط بها جفت مزدوج بارز وسجل عليها بالحبر الأسود خمسة أسطر بخط الثلث:- دار البــــلدية هذا الحجر وضعه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فؤاد الأول ملك مصر اطال الله أيام ملكه السعيد دمنهور فى يوم السبت 17 جمادى الثانى سنة 1349هـ الموافق 8 نوفمبر سنة 1930م .
وتم الانتهاء من البناء سنة 1931 حيث سجل بالجزء العلوى من الواجهة الشرقية لمبنى البلدية ما نصه 1350 هـ (دار المجلس البلدى) 1931 وأطلق على مبنى المسرح وهو القسم الغربى من المبنى أولاً سينما وتياترو فاروق ثم تغير الاسم من سينما فاروق إلى سينما البلدية بقرار المجلس البلدى فى 6 / 12 / 1952 وظل الأمر على ذلك حتى سنة 1977 عندما تغير الاسم إلى سينما النصر الشتوى ونظرا للقيمة الفنية والتاريخية للمبنى فقد قام المجلس الأعلى للآثار باعتبار المبنى أثراً وقام بتسجيله فى عداد الآثار الاسلاميه علم 1990 وفى عام 2007 بعد الترميمات الأخيرة التى أجرتها وزارة الثقافة أطلق عليه أوبرا دمنهور .
قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (مبنى الفلكى)
يشير الباحث الآثارى أسامة الكسبانى إلى أن الجامعة الأمريكية أضافت هذه القاعة بالجهة الجنوبية بالقصر سنة 1927 طبقا للنص التأسيسى بأعلى مدخل القاعة بشارع الشيخ ريحان وكان يتم تنظيم الحفلات فى تلك القاعة ويتم تأجيرها لإقامة الحفلات الغنائية وكانت أم كلثوم أشهر من غنى بتلك القاعة وأقامت حفلة بها عام 1937 وقام بوضع التصميم المعمارى له أرستون جون ديامنت ويعد من أهم مميزات تلك القاعة أنها شيدت على الطراز العربى الإسلامى وهو ما يدل على حس فنى ومعمارى راقى لهذا المصمم الذى واكب التصميم الداخلى للمبنى الخارجى للقصر الملحق به قاعة المسرح وهو ما تجلى فى التفاصيل المعمارية والزخرفية المستمدة من العمارة الإسلامية بينما التصميم الداخلى فقد اتبع المعمارى نموذج جديد فى تخطيط المسرح وتخلى عن نموذج حدوة الفرس على الرغم من توفر المساحة للتنفيذ وهو ما كان متبع فى تطور تصميم المقاعد فى بدايات القرن العشرين خاصة المسرح الامريكى وتشتمل على 950 مقعد على طابقين.
مسرح سيد درويش
يقع هذا المسرح بالإسكندرية بشارع البحر (فؤاد سابقا) بوسط الإسكندرية وهو مسجل ضمن عداد الآثار الإسلامية فى عام 1990 وتطل الواجهة الرئيسية للمسرح على شارع فؤاد وهى ناحية الجنوب ومن الشمال شارع صغير جانبى وشرقا شارع رويال وغربا مدرسة النبى دانيال وسينما بلازا .
يوضح أسامة الكسبانى أن منشئ المسرح هو السيد بدر الدين قرداحى أحد أثرياء الإسكندرية وهو لبنانى الجنسية وقام بتصميمه الفرنسى جورج بارك عام 1921 كما دلت اللوحة التأسيسية بأحد بناوير الطابق الثانى وشيد على انقاض مسرح زيزينيا أو بالقرب من موقعها واستغرق بناؤه فى الفتره من 1918 حتى 1921 ويذكر أنه قبل إنشاء المسرح أرسل السيد بدر الدين قرداحى المهندس بارك والذى كان يعمل مهندساً للإنشاءات ببنك الرهونات إلى باريس لإحضار تصميمات للمسرح وقد روعى أن يكون التصميم الداخلى مشابه لأوبرا باريس.
ويعد هذا المبنى من المسارح التى شيدت على نظام العمارة الأوروبية أو على نظام الباروك وذلك من حيث الواجهات أو التخطيط الخارجى بينما التصميم الداخلى فهو يتبع أسلوب المسارح المصممة على هيئة حدوة الفرس وهو النموذج الذى إنتشر فى عمارة المسرح والأوبرا فى عصر النهضة الأوروبية والمبنى تخطيطه على هيئة مستطيل الضلعان الشمالى والجنوبى هما الأقصر.