مكتبة الإسكندرية تُصدر كتاب "العائلة المناوية" في إطار سلسلة ذاكرة مصر المعاصرة
الإسكندرية "المسلة" …. صدر عن مكتبة الإسكندرية كتاب "العائلة المناوية"، وهو الإصدار السادس عشر في سلسلة "ذاكرة مصر المعاصرة". الكتاب من تأليف الدكتور محمود فوزي المناوي، ويقدم من خلاله الموروث الذي حصده من ذكريات العائلة المناوية التي يعد من أبرز مشاهيرها العلاَّمة الإمام الشيخ عبد الرؤوف المناوي.
ويتضمن الكتاب التذكاري للأسرة المناوية مجموعة من التراجم لعلماء الأسرة المناوية الذين وردت تراجمهم في كتابات الشيخ عبد الرؤوف المناوي، ومنهم: قطب الدين مخلوف المناوي، وأحمد بن قطب الدين مخلوف، وشرف الدين يحيى بن محمد المناوي، وزين العابدين ابن عبد الرؤوف المناوي. ويلي ذلك ما كتب عن الشيخ عبد الرؤوف نفسه، ثم يتبع ذلك نبذ مختارة من بعض كتبه.
ويقول الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، في مقدمة الكتاب، إن المكتبة بدأت مشروع ذاكرة مصر المعاصرة كمشروع طموح لتوثيق وأرشفة تاريخ مصر على عدة مستويات أبرزها موقع ذاكرة مصر المعاصرة على شبكة الانترنت، موضحًا أن المكتبة تبنت عددًا من البرامج البحثية، منها مشروع العائلات المصرية الذي أنجزت منه توثيق عائلة بطرس غالي، والعائلة السليمية، وعائلة النقراشي.
وأوضح أن فلسفة مكتبة الإسكندرية تقوم على خدمة تاريخ مصر والمصريين، ولذلك رأت المكتبة في العائلة المناوية عائلة واسعة حفلت عبر تاريخها الممتد بتفاعلات الوطن على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية. ويجسد المؤلف هذه كله، فهو طبيب حاذق يُدرِّس الطب في كلية طب القصر العيني، ويؤرخ لطب القصر العيني حتى عده الكثيرون مؤرخه المعاصر، وهو مثقف له العديد من الاهتمامات، وبذل جهودًا عظيمة في الحفاظ على تراث مصر.
ويقول الدكتور محمود فوزي المناوي إنه عندما يجري الحديث عن أعلام عائلة المناوي، فإن المقصود هنا العائلة التي يعد العلاَّمة الإمام الشيخ عبد الرؤوف المناوي أبرز مشاهيرها، ولا يعـني ذلك أنها خـلت مـن الأفـذاذ النابهين، بل إنها حظـيت – على مدى عـدة قـرون – بعدد من المرموقين في مجالات التصوف والفقه والقضاء، وفي مقدمتهم: الفقيه والقاضي: شـرف الدين يحيى المناوي، الذي ولد في أواخر القرن الثامن الهجري، وقضى نحبه في أوائل العقد الثامن من القرن التاسع، حيث عاش في الفترة ما بين سنة 798هـ وسنة 871 هـ، وترقى في مدارج المناصب، وفي طبقات الفقهاء، حتى صار كبير القضاة (قاضي القضاة)، وكبير فقهاء الشافعية في عصره.
ويلاحظ أن الشيخ عبد الرؤوف المناوي؛ قد عني بالترجمة لأعلام أسرته المناوية، في كتابيه عن طبقات الصوفية: الكتاب الأول بعنوان: «الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية»، والمسمى بـ «الطبقات الكبرى». والكتاب الثاني بعنوان: «إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن»، والمسمى بـ «الطبقات الصغرى». وقد حقق هذين الكتابين: الأستاذ محمد أديب الجادر، ومنهما نقلت المادة الخاصة ببعض أعلام العائلة المناوية.
ويؤكد المؤلف أن المكانة العلمية الرفيعة، والشهرة المستفيضة للشيخ عبد الرؤوف المناوي، كانت من أسباب الحظوة التي نالها من الباحثين قديمًا وحديثًا، فصار هو العلم الفرد على سلالة بعينها، من أسرة معينة، ممن تنسب أصولهم إلى بلدة «المنيا» «أو منية بن خصيب»، كما كانت تعرف إبّان القرون الماضية.
وقد استند المؤلف في كتابه على بعض الآثار العلمية التي تعرّف ببعض علماء هذه السلسلة الطيبة، وبعض مخطوطات تنسب إلى أعلامها، وكذلك على بيانات عن مؤلفاتهم، وعلى الأخص قوائم مؤلفات الشيخ عبد الرؤوف، ومنها ثبت مؤلفاته المسجلة بدار الكتب المصرية، وثبت آخر مسجل في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية.
يقع الكتاب في 161 صفحة، وهو يضم ثلاثة فصول؛ وهي: أعلام عائلة المناوي في كتابات الشيخ عبد الرؤوف المناوي، والعلامة الشيخ عبد الرؤوف المناوي بأقلام عارفيه من القدماء والمحدثين، ونبذ مستخلصة من مؤلفات الشيخ عبد الرؤوف المناوي.
وفي الفصل الأول الذي يتناول أعلام عائلة المناوي في كتابات الشيخ عبد الرؤوف المناوي، يقول المناوي عن قطب الدين مخلوف المناوي: ابن شيخ الباطن والظاهر عبد السلام الحدادي ثم المناوي الشافعي، جد جدنا قاضي القضاة وشيخ الإسلام يحيى المناوي. كان من كبار العارفين والأولياء المتقين. أخذ الطريق عن آبائه، وغيرهم، وجد واجتهد حتى عكف الناس عليه، وقُصِد من الآفاق، وشهد له الخاصة والعامة بكمال الاستحقاق. ولد بالمغرب، ونشأ به بقرية تسمى «حدادة» من أعمال تونس، ثم تحول في آخر عمره إلى «منية بني خصيم» بصعيد مصر، بصحبة والده فقطنها، وتصدى للتسليك، وانتفع الناس به، وهرعوا إليه من كل جانب حتى صارت جماعته نحو سبعة عشر ألفًا. مات في أواخر القرن الثامن، ودفن بناحية «هُوّ» بالصعيد الأقصى.
أما عن أحمد بن قطب الدين مخلوف، فيقول المناوي: "جد جدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام يحيى المناوي، من الصوفية الأخيار، العارفين الكبار. ولد بحدّادة، قرية من أعمال تونس، ونشأ بها، فتصدى للتسليك، وقُصد لذلك من الأقطار الشاسعة والبلاد النائية، ثم تحول منها إلى «مُنيَة بني خصيم» بصعيد مصر. وسبب خروجه منها أنه لما كثرت أتباعه، وبلغت نحو أربعين ألفًا تخوف سلطـان تونس منه، فاحتال على إخراجه من بلاده، ثم لما قدم المُنْيَة استوطنها، وحصل لأهلها به ارتفاق ونفع، وأقام عند جامعها القبلي في زاوية أنشأها، فضاقت عنه، فتحول إلى الجامع".
ويتحدث المناوي عن شرف الدين يحيى بن محمد المناوي، شَيــخُ مشايخ الإسلام، قُطبُ فَلَك الأئمَّة الأعلام، الناسك، الخاشع، الورع، الزاهد، الصوفي، العارف، فقيه المذهب على الإطلاق، حبر المحققين بلا شقاق، قاضي القضاة، شرف الدين أبو زكريا ابن القاضي سعد الدين بن الشيخ العارف. كان من قضاة العدل، وأئمة الهدى، وحكام الحق الذين تساوى عندهم في القضاء الأحبة والعدا.
أما زين العابدين بن عبد الرؤوف بن المناوي الشافعي، جامع هذه «الطبقات»، كان عالمًا عاملاً، صوفيًّا فاضلاً. اشتغل بالطريقتين حتى صار معدودًا من الفريقين، ونشأ نشأة حسنة مباركة، وحفظ القرآن وهو ابنُ سبع، وحفظ عدَّة مُتون وهو ابنُ عشر، منها «الزبد» لابن رسْلان، و«التحفة الوردية النحوية»، و«الإرشاد» للسعد التفتازاني، وغير ذلك، وعرضها على مشايخ عصره. ثم اشتغل بالفقه على شيخنا شيخ مشايخ الإسلام، فقيه عصره، وعالم قُطره، خاتمة الفقهاء الشافعية بالدِّيار المصرية، شمس الملَّة والدين محمد الرَّملي الأنصاري الشافعي -رحمه الله تعالى، ثم انتقل بعد وفاته إلى الشيخ العالم العامل شهاب الدِّين أحمد الخطيب الشِّربيني، فلازمه مدَّة طويلة وانتفع به.
ويتناول الفصل الثاني من الكتاب العلامة الشيخ عبد الرؤوف المناوي بأقلام عارفيه من القدماء والمحدثين، ومنهم: ابنه تاج الدين، وسيد ولد خطاري ولد اعبيد، والأستاذ محمد إبراهيم العفيفي، ورستم محمد (كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، المملكة المغربية)، والدكتور محمد رضوان الداية، والدكتور أحمد محمد سالم، وحافظ غلام أنور الباكستاني الباحث بمرحلة الدكتوراه بقسم الحديث كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف – القاهرة، والدكتور الطاهر أحمد مكي، والدكتور عبد الهادي التازي، والأستاذ فتحي عطية بدوي.
وتحت عنوان " إعلام الحاضر والبادي بمقام والدي الشيخ عبد الرؤوف المناوي الحدادي"، يقول تاج الدين:
"ونشأ في حجر والده تاج العارفين، وأخذ عنه علوم العربية، ثم تحول إلى المرحوم شيخ الإسلام شمس الدين محمد الرملي الأنصاري، ولازمه مُلازمة تامة، وأخذ عنه علوم الشريعة من: تفسير، وحديث، وفقه. وعن المرحوم الشيخ نور الدين علي المقدسي، والشيخ شمس الدين محمد البكري الصدّيقي، والشيخ نجم الدين الغيطي، والشيخ حمدان، والشيخ أبي النصر الطبلاوي، لكن جل اشتغاله كان على الشيخ محمد الرَّملي، فإنه كان عنده كولده؛ لأن الشيخ الرملي كان زوجًا لجدته المرحومة سيِّدة القضاة بنت المرحومة جانم بنت شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي شريف.
ثم أخذ التصوف عن جمع، ولقَّنه الولي العارف الشيخ عبد الوهاب الشعراني الذِّكْرَ، ثم أخذ طريقة الخلوتية عن الشيخ محمد التركي الخلـوتي أخي الشيخ عبد الله المدفونين تجاه مدرسة ابن حجر، وأخلاه مرارًا، وأجازه بالتسليك، ثم عن الشيخ محرم الرومي. وأخذ طريق البيرمية عن الشيخ حسين المنتشوي، وطريق الشاذلية عن الشيخ منصور الغيطي، وطريق النقشبندية عن السيد مسعود الطاشكندي، وغيرهم من مشايخ عصره.
وتقلد النيابة الشافعية ببعض المجالس، فسلك فيها الطريقة الحميدية، وكـان لا يتناولُ منها شيئًا، ثم رفع نفسه عنها، وانقطع عن مُخالطة الناس، وانعـزل في منزله، وأقبل على التأليف، فصنَّفَ في غالب العلوم، ثم ولي تدريس المدرسة الصالحية، فحسده أهلُ عصره، وكانوا لا يعرفون مزيّة علمه؛ لانزوائه عنهم، ولمَّا حضر الدَّرس فيها، ورد عليه من كل مذهب فضلاؤه مُنتقدين عليه، وشرعَ في إقراء مُختصر «المزني»، ونصب الجدل في المذاهب، وأتى في تقريره بما لم يُسمع من غيره، فأذعنوا لفضله وصار أجلاءُ العلماء يُبادرون لحضوره."
ويضم الفصل الثالث والأخير نبذ مستخلصة من مؤلفات الشيخ عبد الرؤوف المناوي؛ ومنها: نبذة من كتاب "إرغام أولياء الشيطان بذكر مناقب أولياء الرحمن"، تحقيق محمد أديب الجادر، ونبذة من كتاب "التوقيف على مهمات التعاريف"، تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية، ونبذة من كتاب "الجواهر المضيّة في بيان الآداب السلطانية"، تحقيق الدكتور أحمد محمد سالم، ونبذة من كتاب "الدرر الجوهرية في شرح الحكم العطائية"، تحقيق الأستاذ فتحي عطية بدوي.
ويقول المناوي في كتاب "الجواهر المضيّة في بيان الآداب السلطانية":
"الحمد لله الذي من تعرف إليه في الرخاء عرفه في الشدة، ومن التجأ إليه حماه ووفّقه وهداه وألهمه رشده. والصلاة والسلام على المبعوث بمكارم الأخلاق، وآله وصحبه، المحفوظ كمال لباسهم عن الإِخلاق.وبعد؛
فقد وقفت على كتاب لبعض المتقدمين ملقب بـ «الذريعة إلى معرفة ما أُصِّلتْ عليه الشريعة»، المحتاج إليها في العلوم الشرعية الثلاثة، ولا يستغني مفسر ولا محدث ولا فقيه عن معرفتها، ورأيت المولى العديم المثال، الإمام شمس الدين بن الكمال، قد انتقى من ذلك الكتاب تعريفات واصطلاحات، ولم يستوعبه لكن زاد من غيره قليلاً، وألفيت الإمام الراغـب ألف كتابًا في تحقيق مفردات ألفاظ القرآن، أتى فيه بما يدهش الناظر، ويذهل الماهر، وذكر أن ذلك نافع في كل علم من علوم الشرع.
فجمعت زبد هذه الكتب الثلاثة، ووشحتها بفوائد استخرجتها من بطون الدفاتر المعتبرة، وطرزتها بفرائد اقتنصتها من قاموس كتب غير مشتهرة؛ لا يطلع عليها كل وافد، ولا يسرح في روض رياضها إلا الواحد بعد الواحد؛ جلت شرعة الله أن تكون منهلاً لكل وارد. والقرائح مراتب، والفضائل مواهب، والعلم عُباب زاخر، وكم ترك الأول للآخر، ولم أتعرّض إلا لما تَمَسُّ الحاجة إليه، ويتوقف فهم أسرار الشريعـة عليه، وتركت ما لا يُحتاج إليه فيها إلا نـادرًا، وإن كان بديعًا فاخرًا، وسميته: التوقيف على مُهمات التعاريف".