طريق الحرير القديم معبراً اقتصادياً وثقافياً للصين وطريقاً لدخول الإسلام إليها
القاهرة "المسلة" د. عبد الرحيم ريحان …. ساهم طريق الحرير بدور بارز ومهم فى نشر الإسلام ودخول كثير من الصينين فى الإسلام كما أدى إلى إنشاء العديد من المساجد فى جميع مناطق الصين ولقد دخل الإسلام فى الصين فى عهد أسرة تانغ (618-907ممعام يوان (1206-1368م) وأوائل أسرة مينغ (1368-1644م) وانتشر على نطاق واسع فى الصين فى أواسط وأواخر أسرة مينغ وساهمت القوميات الإسلامية فى مجرى توطين الإسلام فى الصين وهى عشر قوميات ( قومية الويغور، قومية القازاق ، قومية قرغيز، قومية الأوزبك، قومية الطاجيك، قومية التتار، قومية هوي، قومية سالار، قومية دونغشيانغ، وقومية باوآن) ويبلغ عدد المساجد فى الصين حوالى أكثر من ثلاثين ألف مسجد بعضها أثرى يعود تاريخ إنشائه إلى القرن السابع الميلادى والعدد الأكبر منها بنى فى فترات تاريخية مختلفة ومن هذا المنطلق كانت الدراسة الآثارية لعالمى الآثار الإسلامية الدكتور محمد هشام النعسان أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية بمعهد التراث العلمى العربى بجامعة حلب والدكتور محمود رمضان مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية تحت عنوان " طريق الحرير من حلب إلى الصين وأثره فـى نشر الإسلام وبناء المساجد بالصين ".
متحف الحرير
ويوضح الدكتور محمد هشام النعسان أن الحكومة الصينية أولت إهتماماً كبيراً بإنشاء المتحف الوطنى الصينى للحرير بشنغهاى وسجلت اللوحة التأسيسية للمتحف باللغة العربية احتفاءاً بالإضافة إلى عدة لغات أخرى ويضم المتحف الوطنى الصينى للحرير مجموعة مهمة من الأنوال الصغيرة والكبيرة وتاريخ صناعة الحرير ومراحل تطورها ويحكى القصة التاريخية لطريق الحرير ومساره التاريخى وأثره الحضارى والفنى والإقتصادى داخل الصين وخارجها بشكل عام.
واكتشف الصينيون صناعة الحرير فى حدود سنة 3000 قبل الميلاد وعرفوا فى هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صنعته وتطريزه وقد أذهلت هذه الصناعة عقول الناس قديماً فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة وقبل خمسة آلاف سنة بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم ليس الحرير وحده بالطبع وإنما تسربت معه بضائع كثيرة مالبث انتقالها من الصين وأقاصى آسيا إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا واتخذ مسارات محددة عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير.
طريق الحرير
ويشير الدكتور محمود رمضان إلى أن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً وإنما شبكة من الطرق الفرعية التى تصب فى طرق أكبر أو بالأحرى فى طريقين كبيرين أحدهما شمالى (صيفى) والآخر شتوى كانوا يسلكونه فى زمن الشتاء والذى يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب لتمر فى طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجارى الأكثر شهرة فى العالم القديم.وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد وظلت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق فى المناطق التى يمر بها ولم يتوقف على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة وإنما تجاوز الاقتصاد العالمى إلى آفاق إنسانية أخرى فانتقلت عبره (الديانات) فعرف العالم البوذية وعرفت آسيا الإسلام وانتقل عبره الورق فحدثت طفرة كبرى فى تراث الإنسانية مع النشاط التدوينى الواسع وانتقلت عبره أنماط من النظم الاجتماعية التى كانت ستظل مدفونة في حواضر وسط آسيا غير أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العاملُ الأهم، الأظهر أثراً. ويكفى لبيان أثره وأهميته واقتصادياً أدى طريق الحرير إلى تراكم المخزون العالمى للذهب فى الصين حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادى صارت الصين وحدها تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة.
نشأة الطريق
أطلق العالم الجغرافى الألمانى F.Von Richthofen عام 1877 على طريق المواصلات لتجارة الحرير فيما بين الصين فى أسرة هان وبين الجزء الجنوبي والغربى لآسيا الوسطى والهند اسم "طريق الحرير". ويقصد به خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من إفريقيا وأوروبا وبواسطة هذا الطريق كانت تجرى التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات.
معبر للثقافات
يؤكد الدكتور محمد هشام النعسان أن الصين أول دولة زرعت التوت وربت ديدان القز وأنتجت المنسوجات الحريرية فى عالم العصور القديمة وتعتبر المنسوجات الحريرية الصينية من أهم المنتجات التى تقدم لشعوب العالم حتى اليوم وينتشر الحرير الصينى فى كل العالم وقد أطلق على الطريق أيضاً " طريق الأحجار الكريمة" و"طريق الفخاريات والخزفيات".
وقد بدأ الغرب يعرف الصين من انتقال الحرير الصينى عبر طريق الحرير إلى الخارج. في عهد أسرة تانغ حيث بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة وازدادت أساليب نسجه وزخرفته.وقد ورثت المنسوجات الحريرية فى عهد أسرة مينغ تقاليد بأنواع متعددة وجمال زاهى فاجتذبت تجار مختلف بلدان العالم بنوعيتها الممتازة. وقد مدح الشاعر الرومانى "ويجير" الحرير الصينى بأنه أجمل من الزهور وأدق من نسج العنكبوت .
وفى العصور القديمة أصبح الحرير الصيني بضاعة ذائعة الصيت سعرها الأغلى وربحها الأكثر تدريجيا فى التجارة العالمية وإلى جانب الحرير أعجبت بلدان الغرب بخزفيات الصين ومنتجاتها ذات الجاذبية الشرقية ومع تجارة الحرير انتقل منتجات العالم إلى الصين مثل الفلفل والجزر والبصل والبطيخ ومنذ بداية عهد أسرة هان انتقلت بعض النباتات إلى الصين والأوعية الزجاجية من روما والرقص والموسيقى والأكروبات من المناطق الغربية إلى الصين أيضا. ومنذ عهد أسرتى وى وجين حتى عهد أسرتى سوى وتانغ انتقلت الموسيقى والرقص والأطعمة والملابس ذات الميزات الخاصة من آسيا الغربية والوسطى إلى الصين مع دخول أهل "سوته " المنتمى الى سلسلة الثقافة الفارسية الى الصين بأعداد كبيرة فإن شق "طريق الحرير" وبقاءه على مدى زمن طويل قد ساهما مساهمات هامة فى تبادل الثقافة المادية والثقافة الروحية بين الصين والمناطق الغربية.
الأديان والفنون
ويشير الدكتور محمود رمضان إلى أن كثرة تبادل التجارة بين الشرق والغرب ساهم فى انتقال البوذية إلى الصين فى نهاية عهد أسرة هان الغربية (206 ق.م – 8م)، وشهد تطوراً في فترة أسرتي سوي وتانغ (581 –907م) وتغلغل بين صفوف الشعب وليس ذلك فحسب بل أسس كبار الرهبان الصينيين مدارس بوذية صينية و بفضل التأثيرات البوذية المباشرة وغير المباشرة يمكن رؤية المعابد القديمة والكهوف البوذية في مختلف مناطق الصين اليوم. وانتشرت الكهوف البوذية بجوانب "طريق الحرير" مثل كهوف موقاو فى دونهوان وكهوف يويلين فى آنشى وكهوف جبل مايجى فى تيانشيوى وكهوف يونقانغ فى داتونغ وكهوف لونغمن فى لوهيانغ وغيرها من الكهوف المشهورة التى تجسد اندماج الأساليب الفنية الشرقية والغربية وروح البوذية .
ويتابع د. رمضان بأن طريق الحرير البحرى تشكّل منذ عهد أسرة هان وكان مصدر البضائع المنقولة إلى الخارج عبر "طريق الحرير" مثل حرير القز والمنسوجات الحريرية ويقع فى مناطق جنوب نهر اليانغتسى والمناطق الساحلية وكانت هذه المناطق قاعدة لصنع السفن أيضا فاستطاعت تموين البضائع وأدوات النقل إلى ما وراء البحار وقد شق الإمبراطور وو دي (140ق.م –87ق.م) في أسرة هان "طريق الحرير" البحري وبدأت التجارة مع روما عن طريق الهند عبر البحار وتمت إقامة العلاقات التجارية مع الخارج وزيادة الأسواق الخارجية وخطوط المواصلات البحرية وصار طريق الملاحة فى بحر الصين الجنوبي ابتداءاً من مدينة كانتون طريقا سالكا هاما لـ"طريق الحرير" البحري وقد لعب هذا الطريق دورا هاما فى دفع تبادل المواد والثقافات بين مختلف البلدان إلى جانب نقل الحرير إلى ما وراء البحار وكانت بلدان جنوب آسيا الشرقية وآسيا الجنوبية والغربية وأوروبا ترسل رسلا إلى الصين عبر الطريق البحرى لطلب الصداقة وتجارة الحرير معها وهكذا كان الحرير كبضاعة تجارية هامة تنتقل إلى مختلف البلدان بلا انقطاع.
أسطورة الحرير
ويضيف الدكتور محمد هشام النعسان بأن أرباح التجارة البحرية كانت من مصادر الضرائب الهامة للحكومة الصينية وقتذاك وقد أنشأت أسرة تانغ وأسرة سونغ وأسرة يوان هيئات خاصة بإدارة تجارة الصادرات والواردات فى كانتون (قوانغتشو اليوم) ومينغتشو(نينغبوهاليوم) وتشيوانتشو(مدينة الزيتون) باعتبارها مدنا تجارية مشهورة واقعة فى سواحل بحر الصين الشرقى والجنوبى وقدمت للتجار الأجانب القادمين إلى الصين للتجارة معاملات تفضيلية على قدر الإمكان وقد أصبح "طريق الحرير" جسرا لنقل الصداقة والربط بين حضارة الشرق وحضارة الغرب.وقد اكتشف أقدم المنسوجات الحريرية فى أطلال ليانغتشو الثقافية التى يرجع تاريخها إلى ما قبل 4700 عام تقريبا.
ويتابع د. محمد هشام بأنه كان فى الصين قديماً أسطورة عن الحريرتحكى أنه فى قديم الزمان انتصر الإمبراطور الأصفر على تشى يو وقدمت "إلهة ديدان القز" للإمبراطور الأصفر حرير القز تعبيرا عن احترامها له وأمر الإمبراطور الأصفر بنسج الحرير وخياطة الملابس به وبعد لبسها شعر بالراحة. وبدأت تبحث لي تسو زوجة الإمبراطور الأصفر عن ديدان القز وتقطف التوت لتربيتها وفيما بعد سمى الشعب لي تسو "إلهة ديدان القز" والإمبراطور الأصفر "إله نسج الحرير" وقد أصبح اقتطاف التوت وتربية ديدان القز ونسج الحرير عملاً من الأعمال الأساسية التى يزاولها عامة الشعب فى المجتمع الصينى القديم على مدى عدة آلاف سنة .
مساجد الصين
وقد رصدت الدراسة الهامة للعالمان الجليلان الآثار الإسلامية بالصين وتحديد السمات المعمارية لها ومنها مسجد الحنين إلى النبى الذى شيد على يد الصحابى الجليل سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه سنة (618هـ-907م) ومسجد العنقاء بمدينة هانغتشو Hangzhou وروضة ابن أبى وقاص وضريح الحكيم ومسجد هوبان فى زقاق هوبان ومسجد جونغيين فى شارع يو خوا ومسجد الأصحاب فى قلب مدينة تشوانتشو ومسجد هوايشنغ بمدينة قوانغتسو وجامع عيدكاه بمدينة كاشغر ومسجد هوايشنغ فى قوانغتشو قيل أنه بنى فى عهد أسرة تانغ (618-907م) وهو يحمل اسم مسجد "المنارة" أيضا ويعتبر أقدم مسجد في الصين ومسجد تشينغجينغ في تشيوانتشو تم بناؤه بين عامى 1009 و1010م ومسجد العنقاء فى هانغتشو قيل أنه بني في أسرة تانغ (618-907م) ودمر فى عام 1203م وأعيد بناؤه فى عام 1281م. ومسجد الكركى فى يانغتشو قيل أنه تم بناؤه بين عامى 1265 و1274و مسجد نيوجيه ببكين بني فى عام 996م حسب ما ورد فى تاريخ قانغشانغ ومسجد هوايديان فى شنتشيو بمقاطعة خنان بنى فى عام 1273م ومسجد سونغجيانغ بشانغهاى بنى عام 1295م. وجامع جينان الجنوبى بنى فى عام 1295م. ومسجد دينغتشو بمقاطعة خبى بنى فى عام 1343م,. مسجد دونغسي ببكين بني في عام 1356م. وجامع جينينغ الشرقى بمقاطعة شاندونغ بنى ما بين عامى 1368و1398م. وجامع بوتشن بمقاطعة خبى بنى ما بين عامى 1368و1398م. ومسجد جينغجيوه في نانجينغ بني في عام 1388م ومسجد زقاق هواجيوه بمدينة شيآن بنى فى عام 1392م و جامع عيد كاه فى شينجيانغ بنى فى أواسط القرن الخامس عشروجامع كوتشار فى شينجيانغ بنى فى القرن السادس عشر ومسجد أمين في شينجيانغ بني فى عام 1778م و جامع دونغقوان فى مدينة شينينغ بنى بعد انتصار ثورة 1911م ومسجد شياوتاويوان فى شانغهاى بنى فى عام 1917ومسجد تايبيه بنى فى عام 1960م وجامع نانقوان بمدينة ينتشوان بنى فى عام 1981م ومسجد دونققوان الشرقى فى محافظة تساوشيان بمقاطعة شاندونغ بنى فى عام 1985م.