يوميات وزارة السياحة والآثار ج1
تتناول المقالات والتي تنشر كل ثلاثاء والمكتوبة في خمسة أجزاء عمل وزارة السياحة والآثار خلال الفترة مابين 2009-2013، بتحليل نحو 550 خبراً، والاطلاع على الاستراتيجية والهيكلية والمواقع الإلكترونية التابعة للوزارة وبعض الدراسات، و38 من مطبوعات وملصقات الوزارة وبعض التقارير الربعية والاحصائية التي وفرتها الوزارة مشكورة.
فلسطين التاريخ ..
هي وردة جوري تفتحت على نبض هذا البلد قبل آلاف آلاف السنين، تجذرت وبقيت بلونها ورائحتها وحسنها، هي صخرة الإسراء والمعراج لسيدنا محمد (ص) كصوان لا يتكسر ولا يهترئ بل يتجدد بروح الإيمان، هي انحناءة سيدتنا "مريم العذراء" حاملة السيد المسيح عليه السلام انحناءة عطاء وحنان لا ينضب، هي "بلوطة" سيدنا ابراهيم عليه السلام المتجذرة في الأرض أقدم أشجار العالم. فلسطين بلد الأنبياء والتاريخ والحقب المتقاتلة عليها، كنعانية المنشأ، عربية الهوى والماضي الحاضر والقادم، هنا قضية عادلة بلا منازع، حكاية صراع موجع على أرض يعرف المؤرخون والكتب السماوية والأديان أنها فلسطين بشعبها وحضارتها بأرضها، بساحلها، بسمائها. نحن أول حضارة حطت في المكان الذي يحاول الاحتلال الاسرائيلي أن يبدأ حكاية وجوده هنا من مملكة الشمال ومملكة الجنوب، لكننا هنا قبل التاريخ.
فماذا فعلت وزارة السياحة بهذا التاريخ؟
فلسطين الوطن… يتعثر بين أرجاء أكثر الوزارات أهمية من حيث دورها في حماية الرواية الفلسطينية، والمشروع الوطني، حماية الأرض والتاريخ وهما جوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي!! كل هذا وأكثر في خمسة أجزاء تنشر كل ثلاثاء.
وزيرات السياحة
تناوب على الوزارة منذ عام 2009 وزيرتان، الأولى د. خلود دعيبس وهي مستقلة اختارتها حركة فتح، لتكون أول امرأة تتقلد حقيبة السياحة بدلاً من الاقتصار على منح المرأة وزارتي المرأة والشؤون الاجتماعية، وبقيت على مدى ثلاث حكومات (11 و12 و13) للفترة: حزيران 2007- تموز 2012، بينها الحكومة التي ترأسها القيادي في حركة حماس اسماعيل هنية، بل وتقلدت إلى جانب السياحة حقيبة المرأة في الحكومة 12، ودعيبس حاصلة على درجة الدكتوراة في الهندسة من ألمانيا وعملت في مجالات حفظ التراث والسياحة وهي ابنة قرية الزبابدة/ جنين وحالياً هي سفيرتنا في ألمانيا.
أما الوزيرة الثانية فهي رولا معايعة، المنتمية لحركة فتح وعملت ضمن صفوفها التنظيمية، كانت تشغل منصب مدير عام في وزارة العدل، من مواليد القدس، وتقلدت الوزارة على مدى أربعة حكومات هي (14 و15 و16 و17) للفترة؛ تموز 2012- وحتى حكومة التوافق الحالية والتي تعثرت كثيراً لكن الوزيرة كانت بين ثلاثة وزراء أثيرت ضجة حول الاصرار على تثبيتهم.
محاولات النهوض السياحي الدولي: 2009- منتصف 2012
خلال عامين ونصف العام أي ضمن فترة تولي د. خلود دعيبس الوزارة، أحصيت 141 خبراً، كان ترتيب المدن فيها تنازلياً (بيت لحم 37، أريحا 27، رام الله 21، طولكرم 18، نابلس 12، الخليل 6، جنين 4، سلفيت والقدس 2، قلقيلية 1)، وتنوعت النشاطات ما بين تنظيم دورات للأدلاء السياحيين ورعاية مهرجانات. وتشير هذه الأرقام البسيطة إلى ضعف الإعلام بدلاً من أن يكون عصباً رئيسياً لعملها تتسلح به وبعدة لغات ليعبر عن السياحة والآثار في فلسطين.
وقد طال الوزارة النقد في 39 نصاً من مناشدات وشكاوي ومطالب، أبرزها تهميش الوزارة لمدينة الخليل دون حلول جذرية إلى اليوم –تابعوا الأجزاء القادمة-، كان للوزارة رد واحد مكتوب على أحد النصوص، ولم ألاحظ أية ردود عملية في تحسين الواقع السياحي من وجهة نظر النصوص.
تميزت هذه الفترة بمحاولات لفتح وتطوير آفاق جديدة للتبادل السياحي والتي تركزت مثلاً في أوكرانيا وروسيا، وإطلاق مشاريع مثل إعادة تأهيل تل بلاطة الأثري والذي يتجاوز عمره 5000 سنة، والاحتفال بإنارة قصر هشام، وإنجاز قائمة بعشرين موقع أثري لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو وبالتالي حمايتها كحق فلسطيني خالص، والحصول على تصويت اليونسكو لصالح بيت لحم وبتير حتى الآن.
وكان للوزيرة تحديداً 85 نشاطاً منها 13 سفرة، واستقبال 28 وفداً أجنبياً، وعدد مشاركاتها الدولية مساوي لعدد سفرات كادر الوزارة، وطبعاً الأخبار الصادرة لا تعبر عن العدد الفعلي للسفرات، كما وقعت الوزارة 13 اتفاقية شراكة، بينها اتفاقية مع جامعة ليدن الهولندية والتي تقوم بمشاريع لحماية المواقع الأثرية منذ 1996 لأكثر من 100 موقع أثري.. ألا تستحق هذه الجامعة التكريم!
وفرت الوزارة تسهيلات استثمارية للعديد من المؤسسات السياحية، دون أن يكون هناك استمرارية لهذا الدعم أو أي تعاون، ورقابة ضعيفة لا تساهم في حماية اسم فلسطين، بل وساهمت هذه الحقبة بدخول أول وفد من الأدلاء السياحيين الاسرائيليين منذ تأسيس السلطة (فشكراً وزارة السياحة، شكراً د. خلود!)، هذا دون التجاوب مع اعتصامات الأدلاء الفلسطينيين مطالبين الوزارة باستصدار تصاريح لهم!
محاولات تنشيط السياحة المحلية والاسلامية: 2012-2013
عام ونصف العام تولت فيها الوزيرة رولا معايعة الوزارة، لفتني فيها التقارير الربعية والتي تسلم لمجلس الوزراء وتتناول أربعة شهور من عمل الوزارة، وهي موقعة باسم دائرة التخطيط، بينما المسؤول عنها أمام المجلس هو الوزير، بل إن التقرير الربعي الأول (16 أيار- 16 آب 2012) والتقرير الثاني (17 آب 17 تشرين الثاني 2012) هما نسخة طبق الأصل عن بعضهما البعض، حتى أن الوزارة رعت السبعة مهرجانات والفعاليات ذاتها مرتين! ويبدو أن الامانة العامة لمجلس الوزراء لم تنتبه أو تطالب بالتعديل، علما أن هذه التقارير هامة لإبراز عمل الحكومة وتحديد نقاط القوة والضعف في استراتيجيتها وسياستها.
تابعت الوزارة المشاركة في المؤتمرات السياحية ذاتها، مع التركيز أكثر على الشأن المحلي والكثير من زيارات الوزيرة الميدانية، فكان لها السبق في الاهتمام بمحافظة الخليل وافتتاح مقر للوزارة فيها ومركز استعلامات للسياح، أخيراً وبعد مرور كل هذه السنوات من تأسيس السلطة! وإذا كانت الخليل بقيمتها والاستهداف الاسرائيلي من تهويد واستيطان وهجمات مستوطنات استحقت كل هذه السنين ليلتفت إليها المسؤولين فماذا عن القدس؟ متى يتوقع افتتاح حجر للوزارة فيها؟
نجحت الوزارة بإطلاق نظام تصنيف الفنادق للقيام بالحجز الإلكتروني مما يساعد السياح على القيام بحجوزاتهم وبالتالي الاستغناء عن الوكيل الاسرائيلي، والذي نأمل أن يكون مطبق فعلياً، لكن هل هناك سياح يزورون فلسطين بجهد فلسطيني وعبر شركاتنا؟
تكررت زيارات الوزيرة معايعة لمحافظة أريحا، آملين أن يكون للزيارات تحسن في المشهد السياحي والآثار فيها، كما أبدت معايعة مراراً اهتمامها بتشجيع السياحة الاسلامية –أي الأقصى والحرم الابراهيمي وغيرها- وننتظر منها أيضاً اتفاقيات للتبادل السياحي مع الدول الاسلامية، ودول الجوار لاسيما الأردن والتي أعلنت الوزيرة قرب توقيع اتفاقية معها، آملين أن تشمل بنودها حلولاً جذرية لاشكاليات تعامل شركات السياحة الأردنية مع وفودها إلى فلسطين فتكون أكثر تعاوناً مع شركاتتنا.
إطلالة عامة
خلال المرحلتين-إن جاز التعبير- يوجد تشابه في المشاركات الدولية للوزارة فهناك تكرار منذ عام 2004 وربما قبل ذلك في معارض إيطاليا واسبانيا وبولندا وألمانيا، والتي يخصص لها موازنات خيالية تصل لمئات آلاف الشواكل عدا عن صرف ما يقارب 100 ألف شيكل على المواد الدعائية كل 4 شهور بل تطالب الوزارة حالياً برفع الميزانية إلى مليون يورو سنوياً فهل تضمن الوزيرة معايعة مقابل هذا المبلغ توافد السياح؟ إذا كان من سبقها لم يحقق أي تزايد في السياحة، فالوفد الوحيد الذي أعلنت قدومه د. دعيبس هو وفد أوكراني، عدا عن ذلك لم يعلن عن وفود أخرى بجهد الوزارة، وبالتالي أين العائد السياحي من هذه المصروفات؟ بل إن الأرقام ارتفعت بشكل مضاعف عام 2010 و2009 تزامناً مع ارتفاع مؤشرات السياحة في اسرائيل والمنطقة إجمالاً والتي كانت دون زيادة في دخل السياحة في فلسطين.
الوزارة غائبة إعلامياً في الرد على الممارسات والتصريحات الاسرائيلية فيما يتعلق بتزوير التاريخ والتراث وسرقة الآثار، فهي الوزارة المخولة بالاثبات للعالم كذب الادعاءات الاسرائيلية بالحجة التاريخية، فغابت هذه المعلومات الهامة محلياً ودولياً في شحذ رواية فلسطينية قوية لا تحتمل التأويل، واكتفت الوزارة/ الوزيرتان بالتركيز اعلامياً على إعلان احصاءات مضللة للرأي العام عن ازدهار السياحة في فلسطين! (تابعوا ج3).
يبدو أن معظم هذه الخطوات والمحاولات والمبادرات لتطوير السياحة داخلياً وخارجياً غير كافية فالمضمون يحتمل الكثير من "الأخطاء التاريخية" عدا عن أن نشاطات الوزارة كانت بعيدة عن أهدافها الاستراتيجية وهي: منتج سياحي بجودة عالية؟ فلسطين مروجة سياحياً؟ مواقع تراث محمية؟
في الحلقة القادمة: هل تروج "السياحة" لمطار بن غورين كأحد طرق وصول السياح إلى فلسطين؟ هل تستند نصوص مطبوعات الوزارة إلى مراجع يهودية؟ وهل تغيب عنها الروح الفلسطينية وحقيقة الاحتلال؟
*توضيح: نشرت سلسلة مقالات يوميات وزارة عن: وزارة الإعلام، الثقافة، المرأة، الأوقاف، في العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية، وابتداءً من اليوم تنشر أولاً في جريدة الحياة الجديدة.
نقلا عن معا