( ه ج ر و ذكرى الهجرة المشرفة )
بقلم : د محمد فتحى راشد الحريرى
هجر، يهجر هجرا وهجرانا: نأى وصرم وقطع الصلات الكائنة، فالهجر ضد الوصل، يقال هجره أي صرمه وهما يهتجران ويتهاجران والاسم الهجرة وفي الحديث الشريف: "لا هجرة بعد ثلاث" يريد به الهجر ضد الوصل يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة والزمالة والرحم والجوار، دون ما كان من ذلك في جانب الدين فإن هجر أهل الأهواء والبدع دائم على مر الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق فإنه عليه الصلاة والسلام لما خاف على كعب بن مالك وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما.
، ومنه هجر الفراش في الفقه الإسلامي والأمثلة كثير ة … والهجرة بكسر الهاء (والهجرة بضم الهاء) الخروج من أرض إلى أرض، والمهاجرون الذين ذهبوا مع النبي صلي الله عليه وسلم مشتق منه وتهجر فلان أي تشبه بالمهاجرين وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (هاجروا ولا تهجروا) قال أبو عبيد في تفسير ذلك: يقول عمر أخلصوا الهجرة لله ولا تشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم فهذا هو التهجر، وهو كقولك فلان يتحلم وليس بحليم، ويتكارم وليس بكريم! وورد في الحديث (حديث النيات المشهور):
((فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه)).
قال أبو زيد: وسمعت العرب تقول في نعت كل شيء جاوز حده في التمام مهجر وناقة مهجرة إذا وصفت بنجابة أو حسن الأزهري وناقة هاجرة فائقة قال أبو وجزة تباري بأجياد العقيق غدية على هاجرات حان منها نزولها والمهجر النجيب الحسن الجميل يتناعته الناس ويهجرون بكره أي يتناعتونه وجارية مهجرة إذا وصفت بالفراهة والحسن وإنما قيل ذلك لأن واصفها يخرج من حد المقارب الشكل للموصوف إلى صفة كأنه يهجر فيها أي يهذي الأزهري والهجيرة تصغير الهجرة وهي السمينة التامة وأهجرت الجارية شبت شبابا حسنا والمهجر الجيد الجميل من كل شيء وقيل الفائق الفاضل على غيره قال لما دنا من ذات حسن مهجر والهجير كالمهجر ومنه قول الأعرابية لمعاوية حين قال لها هل من غداء؟ فقالت نعم خبز خمير ولبن هجير وماء نمير أي فائق فاضل وجمل هجر وكبش هجر حسن كريم وهذا المكان أهجر من هذا أي أحسن حكاه ثعلب وأنشد تبدلت دارا من ديارك أهجرا ..
والهجير والهجيرة والهجر والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر وقيل في كل ذلك إنه شدة الحر الجهري هو نصف النهار عند اشتداد الحر قال ذو الرمة وبيداء مقفار يكاد ارتكاضها بآل الضحى والهجر بالطرف يمصح والتهجير والتهجر والإهجار السير في الهاجرة وفي الحديث أنه كان صلي الله عليه وسلم يصلي الهجير حين تدحض الشمس أراد صلاة الهجير يعني الظهر فحذف المضاف وقد هجر النهار وهجر الراكب فهو مهجر وفي حديث زيد بن عمرو وهل مهجر كمن قال أي هل من سار في الهاجرة كمن أقام في القائلة وهجر القوم وأهجروا وتهجروا ساروا في الهاجرة، ومنه اشتقاق الاسم ، فلقد ذكرنا أن الهجرة خروج من أرض إلى أرض، وعند اشتداد الحر كانوا يهجرون أماكن سكناهم!
وهجر اسم بلد مذكر مصروف، وفي المحكم هجر مدينة تصرف ولا تصرف، قال سيبويه: "سمعنا من العرب من يقول كجالب التمر إلى هجر" وفي المثل كمبضع تمر إلى هجر وفي حديث عمر عجبت لتاجر هجر وراكب البحر قال ابن الأثير هجر بلد معروف بالبحرين، وإنما خصها لكثرة وبائها أي تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر فأما هجر التي ينسب إليها القلال الهجرية فهي قرية من قرى المدينة، والنسب إلى هجر هجري على القياس وهاجري على غير قياس، قلنا: وهجر اليوم مدينة في دولة الامارات العربية المتحدة، يسمونها (هير) قرب مدينة العين، على عادتهم بإبدال الجيم ياء، وهي بلد في واحة جميلة تكثر فيها مزارع التمر والخضار الباكورية!
ولنكمل رحلتنا في عائلة (الهاء والجيم والراء):
(ج ر ه): قال ابن الأعرابي: الجره الشر الشديد ..
(ر ج ه) الرجه التثبت بالأسنان والتزعزع.
(ه ر ج): معنى هرج في معجم اللغة العربية المعاصرة هرج / هرج في يهرج، هرجا، فهو هارج، والمفعول مهروج فيه • هرج القوم: وقعوا في فتنة وتقاتل واختلاط. • هرج الصبي في حديثه: أفاض فيه وخلط فيه فلم يفهم …
(ر ه ج): "الرهج" كما جاء في التاج بفتح فسكون "ويحرك: الغبار" وفي الحديث "ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار" وفي آخر "من دخل جوفه الرهج لم يدخله حر النار" قال الشاعر:
وإذا كنت المقدام فلا. =. =. = تجزع في الحرب من الرهج
الرهج محركة ": السحاب" الرقيق "بلا ماء" كأنه غبار "الواحدة بهاء". ومن المجاز: الرهج ": الشغب" عن ابن الأعرابي. "والرهجيج بالكسر: الضعيف" من الفصلان قال الراجز:
وهي تبذ الربع الرهجيجا = = = في المشى حتى يركب الوسيجا
والناعم كالرهجوج "بالضم". وأرهج: أثار الغبار "قال مليح الهذلي:
"ففي كل دار منك للقلب حسرة = = = يكون لها نوء من العين مرهج
أراد شدة وقع دموعها حتى كأنها تثير الغبار. أرهج إذا "كثر بخور بيته" عن ابن الأعرابي. من المجاز: أرهجت "السماء" إرهاجا إذا "همت بالمطر." والرهوجة: ضرب من السير "ومشى رهوج: سهل لين قال العجاج:
"مياحة تميج مشيا رهوجا"، وأصله بالفارسية (رهوه) ومن المجاز:
"نوء مرهج كمحسن: كثير المطر". ومن المجاز أيضا: أرهج بينهم: أثار الفتنة. وله بالشر لهج وله فيه رهج. وأرهجوا في الكلام والصخب كذا في الأساس للزمخشري !!!
والنتيجة أن ستة الجذور ذات معان سالبة على العموم، ولرب قائل: كيف تكون الهجرة ذات معنى سلبي، وقد وعد الله صاحبها بالثواب والأجر الجزيل ؟؟؟ !!!
الجواب: الهجرة فعلا ذات معنى سلبي بذاتها فمن من البشر يحب أن يهجر بلده ووطنه؟
حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر، وهو القدوة، قال عن مكة موطنه:
((والله إنك من أحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك قد أخرجوني منك ما خرجت))
أما الثواب فقد وعد الله به المهاجرين لأنهم فضلوا ما عند الله على أمنياتهم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.