Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

بين الوابل والطل ..بقلم د/ محمد راشد الحريرى

بين الوابل والطل

بقلم: د محمد فتحي راشد الحريري
 

بين الوابل والطل تضاد توضحه الآية الكريمة من سورة البقرة: ((ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير)) الآية 265.
فالوابل من الجذر الثلاثي (و ب ل)، والطل من الجذر (ط ل ل):

قال ابن عباس: الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار، لأن قوله تعالى: أصابها وابل إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار، ولم يرد جنس التي تجري فيها الأنهار، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين. والمعروف من كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره، سواء جرى فيها ماء أو لم يجر. وفيها خمس لغات "ربوة" بضم الراء، وبها قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو. و "ربوة" بفتح الراء، وبها قرأ عاصم وابن عامر والحسن. "وربوة" بكسر الراء، وبها قرأ ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي. و "رباوة" بالفتح، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن، وقال الشاعر:
من منزلي في روضة برباوة === بين النخيل إلى بقيع الغرقد
وفي رواية (وجعلت عرصة منزل برباوة) والرباوة لغة في الربوة، والبيت منسوب لتبع الحميري في أبيات يبشر فيها بنبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وقوله تعالى: أصابها) يعني الربوة). وابل أي مطر شديد قال الشاعر، أعشى بن ميمون:
ما روضة من رياض الحزن معشبة === خضراء جاد عليها وابل هطل
  يضاحك الشمس منها كوكب شرق، === مؤزر بعميم النبت مكتهل
  يوما بأطيب منها نشر رائحة، ===، ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
  وقوله تعالى: ((فإن لم يصبها وابل فطل)) تأكيد منه تعالى لمدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابل فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين، وذلك لكرم الأرض وطيبها. قال المبرد وغيره: تقديره فطل يكفيها. وقال الزجاج: فالذي يصيبها طل. والطل: المطر الضعيف المستدق من القطر الخفيف، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وهو مشهور اللغة. وقال قوم منهم مجاهد: الطل: الندى. قال ابن عطية: وهو تجوز وتشبيه. قال النحاس: وحكى أهل اللغة وبلت وأوبلت، وطلت وأطلت. وفي صحاح الجوهري: الطل أضعف المطر، والجمع الطلال، تقول منه: طلت الأرض وأطلها الندى فهي مطلولة. قال الماوردي: وزرع الطل أضعف من زرع المطر وأقل ريعا أي ثمرة، وفيه – وإن قل – تماسك ونف. قال بعضهم: في الآية تقديم وتأخير ومعناه (كمثل جنة بربوة أصابها وابل فإن لم يصبها وابل فطل فآتت أكلها ضعفين.) يعني اخضرت أوراق البستان وخرجت ثمرتها ضعفين، وذلك لخصوبة التربة وكرمها.

 

وفي جميع الحالات الآنفة ل (الطل) وهي: (النفاف والندى والرطوبة وقليل المطر والقطر) نجد أنها جميعها تدور في فلك الغيث القليل أو المطر الخفيف، أما الوابل فهو المطر الغزير، وحقا بضدها تتميز الأشياء.

 

الجذر (ط ل ل) وفيه كما يلاحظ القارئ الفاضل ادغام اللامين معا فيصبح (طل) يقول فيه صاحب اللسان، ابن منظور:.
  الطل: المطر الصغار القطر الدائم، وهو أرسخ المطر ندى.وقال ابن سيده: الطل أخف المطر وأضعفه ثم الرذاذ ثم البغش، وقيل: هو الندى، وقيل: فوق الندى ودون المطر، وجمعه طلال، فأما قوله أنشده ابن الأعرابي:
(مثل النقا لبده ضرب الطلال) فإنه أراد ضرب الطل ففك المدغم ثم حركه، ورواه غيره ضرب الطلل، أراد ضرب الطلال فحذف ألف الجمع. ويوم طل: يراد به يوم ذو طل ..
 

 

وتقول العرب: طلت الأرض طلا: أصابها الطل، وطلت فهي طلة: نديت، وطلها الندى، فهي مطلولة. وقالوا في الدعاء: طلت بلادك وطلت، فطلت الأولى: أمطرت، وطلت الثانية: نديت. وقال أبو إسحق: طلت، بالضم لا غير. يقال: رحبت بلادك وطلت، بالضم، ولا يقال طلت لأن الطل لا يكون منها إنما هي مفعولة، وكل ندى طل. وقال الأصمعي ::
أرض طلة ندية وأرض مطلولة من الطل. وطلت السماء: اشتد وقعها. والمطلل: الضباب، ويقال للندى الذي تخرجه عروق الشجر إلى غصونها طل. وفي حديث أشراط الساعة: ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل، والطل: الذي ينزل من السماء في الصحو، والطل أيضا أضعف المطر. والطل: قلة لبن الناقة، وقيل: هو اللبن قل أو كثر، لكننا نرجح أنه اللبن القليل ..
 

 

والمطلول: اللبن المحض فوقه رغوة مصبوب عليه ماء فتحسبه طيبا وهو لا خير فيه، قال الراعي (وهو النميري – 90 ه / – 708 م عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل،، أبو جندل فحل من وجهاء قومه؟):
وبحسب قومك، إن شتوا، مطلولة، === شرع النهار، ومذقة أحيانا

 

وقيل: المطلولة هنا جلدة مودونة بلبن محض يأكلونها. وقالوا: ما بها طل ولا ناطل، فالطل اللبن، والناطل الخمر. وما بها طل أي طرق. ويقال: ما بالناقة طل أي ما بها لبن. والطلى: الشربة من الماء. :

 

والطل: هدر الدم وقيل: هو أن لا يثأر به أو تقبل ديته، أي دية المقتول، وفي الحديث الشريف: أن رجلا عض يد رجل فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه فطلها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي أهدرها وأبطلها، قال ابن الأثير : هكذا يروى طلها، بالفتح، وإنما يقال طل دمه وأطل وأطله الله، وأجاز الأول الكسائي (أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الكسائي (119 ه / 737 م -189 ه / 805 م)، قال: ومنه الحديث من لا أكل ولا شرب ولا استهل ومثل ذلك يطل أي يهدر ولا دية له أصلا (من حديث الأعراب الذين احتجوا أمام رسول الله على دفع دية جنين، الغرة أي عشر دية الرجل البالغ). وقد طل الدم نفسه طلا وطللته أنا، قال أبو حية النميري الشاعر متغزلا:

 

ولكن، وبيت الله، ما طل مسلما === كغر الثنايا واضحات الملاغم (!)
وإن دما لو تعلمين جنيته === على الحي جاني مثله غير نائم
وقد طل طلا وطلولا، فهو مطلول وطليل، وأطل وأطله الله، أي هدر دمه وقبلت ديته ولم يثأر لقتله. وسبب المشاكلة بين قلة اللبن وقلة الماء وعدم الثأر للقتيل، أن عدم الثأر له يقلل من قيمته ومن شأنه!

 

أما الجذر (و ب ل) فنقرأ فيه: الوبل والوابل المطر الشديد الضخم القطر الغزير (أي تكون حبات المطر كبيرة عند الهطل) قال جرير:
(يضربن بالأكباد وبلا وابلا) وقد وبلت السماء تبل وبلا ووبلت السماء الأرض وبلا فأما قوله:
  وأصبحت المذاهب قد أذاعت === بها الإعصار بعد الوابلينا
فإن شئت جعلت الوابلين الرجال الممدوحين يصفهم بالوبل لسعة عطاياهم وغزارة منحهم، وإن شئت جعلته وبلا بعد وبل فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة. وقول العرب: أرض موبولة من الوابل، قاله الليث، وقال: سحاب وابل والمطر هو الوبل كما يقال ودق وادق. وفي حديث الاستسقاء فألف الله بين السحاب فأبلنا أي مطرنا وبلا وهو المطر الكثير القطر الغزير المنهمر كأفواه القرب كما يعبر الإنشائيون، والهمزة فيه بدل من الواو مثل أكد ووكد، أخر ووخر. وقال الجوهري في الصحاح: الوبلة بالتحريك: الثقل والوخامة. وقد وبل المرتع بالضم وبلا ووبالا، فهو وبيل، أي وخيم. ويقال أيضا: بالشاة وبلة شديدة، أي شهوة للفحل. وقد استوبلت الغنم. واستوبلت البلد، أي استوخمته، وذلك إذا لم يوافقك في بدنك وإن كنت تحبه. والوبيل: العصا الضخمة. وقال:
لو أصبح في يمنى يدي زمامها === وفي كفي الأخرى وبيل تحاذره 

  وكذلك الموبل. وقال:
  زعمت جؤية أنني عبد لها === أسعى بموبلها وأكسبها الخنا
والموبل أيضا: الحزمة من الحطب، وكذلك الوبيل .والوابل: المطر الشديد. وقد وبلت السماء تبل. والأرض موبولة. قال الأخفش (2): ومنه قوله تعالى: "أخذا وبيلا"، أي شديدا. وضرب وبيل وعذاب وبيل، أي شديد. والوابلة: طرف الكتف، وهو رأس العضد، ونلاحظ أن وجه المشاكلة بين المعاني جميعها قائم جلي، والله أعلم 


حاشية:


(1) وقرأت في (سمط اللآلي): ولكن لعمر الله ما طل مسلما.
هكذا رواه أحمد بن يحيى ووصله. وقوله: ما طل مسلما: يريد ما طل دمه، يقال دم مطلول إذا مضى هدرا، وقال أبو عبيد: طل دمه وأطله الله، ولا يقال طل دمه، وحكى الكسائي وأبو عبيدة: طل الدم نفسه، وطل وأطل.


ويروى البيت أيضا:
  أما إنه لو كان غيرك أرقلت = صعاد القنا بالراعفات اللهاذم،
  وفي كتاب الزهرة لابن داود الاصبهاني يجعل هذا بيتا مستقلا ويعقبه بالبيت الشاهد ثم يسوق بعده:
وإن دما لو تعلمين جنيته === على الحي جاني مثله غير نائم.


أما أبو حية فهو أبو حية النميري الهيثم بن الربيع بن زرارة، من بني نمير بن عامر، أبو حية. شاعر مجيد، فصيح راجز، من أهل البصرة، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ويضرب به المثل بالبخل والجبن.


(2) الأخفش هو لقب اشتهر به أحد عشر عالما من النحويين سماهم السيوطي في «المزهر»، والمراد هنا على الارجح الأخفش الأوسط (000-215 ه = 000-830 م) وهو:
سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط: نحوي، عالم باللغة والأدب، من أهل بلخ. سكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبوية. .


وصنف كتبا، منها (تفسير معاني القرآن – خ) و (شرح أبيات المعاني – خ) و (الاشتقاق) و (معاني الشعر) و (كتاب الملوك) و (القوافي – خ) في دار الكتب مصورا عن حسين شلبي (330 أدبيات) وزاد في العروض بحر (الخبب) وكان الخليل قد جعل البحور خمسة عشر فأصبحت ستة عشر.


[نقلا عن: الأعلام للزركلي ومقدمة التحقيق لكتاب الأخفش القوافي، حققه أستاذ الأساتذة أحمدراتب النفاخ الحريري رحمه الله تعالى.

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله