جمعية سعودية تسعى لتوثيق ودعم الفولكلور في المملكة
في وسط اهتمام متنام بحماية التراث المحلي في السعودية نشطت الكثير من الجهات وعلى رأسها الهيئة العامة للسياحة والآثار لرفع الوعي بأهمية حماية التراث وأرفقت ذلك بخطوات عملية كثيرة توجتها بإقناع اليونيسكو بإدراج ثلاثة مواقع أثرية ضمن قائمة المنظمة العالمية للتراث العالمي. ولكن التراث المحلي يشمل نواحي كثيرة منها التراث المادي وتبقى نواح أخرى تستوجب الاهتمام بها وإنقاذها من الاندثار مثل التراث الشفهي والأدائي والاجتماعي.
مؤخرا أطلقت الجمعية السعودية لحماية التراث وهي جمعية خيرية عددا من النشاطات تهدف لتوثيق التراث غير المادي في السعودية وخاصة الفنون الأدائية وما يتعلق بها. كما أعلنت عن إنشاء مركز لها في بيت الصيرفي، من أشهر البيوت التراثية في جدة القديمة.
«الشرق الأوسط» تحاورت مع د. مها السنان المدير التنفيذي للجمعية ودار حديث مستفيض حول أهداف الجمعية ونشاطاتها. تبدأ السنان الحديث بالعودة للبدايات وتأسيس الجمعية منذ أربعة أعوام كباردة من هيئة السياحة والآثار لتسجل كجمعية خيرية بترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية. تقول: «وقعت 109 شخصيات طلبا لإنشاء الجمعية منهم الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز والأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والأمير فيصل بن عبد الله وزير التعليم السابق وعبد العزيز خوجه وزير الثقافة الحالي ورجل الأعمال محمد جميل وشخصيات كثيرة فاعلة سواء من المجال السياسي أو من الأكاديميين أو من رجال الأعمال الداعمين للمبادرات التراثية».
تولت السنان منصب المدير التنفيذي للجمعية منذ أكثر من عامين وكان من مهام عملها تحديد الأهداف ضمن الاستراتيجية العامة لعمل الجمعية. وتشير إلى أن بدايات نشاط الجمعية كانت تجريبية «لجس النبض» وتقدير حجم الاهتمام. «بعدها أحسسنا باهتمام واضح ورد فعل إيجابي ولكن واجهتنا مشكلة في عدم الوعي بأهمية التراث، خاصة لدى الشباب والناشئة، وينتج ذلك عن عدم الثقة بالذات والهوية. لهذا بدأنا العمل لتوعية الشباب بالتراث وحاولنا الوصول لهم عبر وزارة التربية والتعليم، ولكننا وجدنا أن الوصول لهذه الفئة أسهل عبر طرق أخرى مثل الإنترنت، فاستخدام هذه الفئة العمرية لمواقع التواصل الاجتماعي عال جدا مقارنة بباقي دول العالم (ركزنا على تويتر، يوتيوب وانستغرام) لأنها منخفضة التكاليف وثانيا لأنها تصل بسرعة للشباب».
أتساءل إن كانت الجمعية استفادت من شعبية بعض نجوم الإنترنت من الشباب، تؤكد ذلك وتضيف: «تعاونا مع مالك نجر وهو يعمل في مجال الرسوم الكارتونية وصاحب برنامج (مسامير) الذي يحمل هوية سعودية واضحة، قمنا بالتواصل معه ودعوناه لمقر الجمعية حيث ألقى محاضرة وكان الانطباع جيدا جدا. قمنا بالتعاون أيضا مع فراس بقنة وهو من مشاهير (يوتيوب) و(تويتر) وهو حاليا عضو بلجنة التوعية لدينا وإلى جانب ذلك لدينا مساع للتعامل مع مجموعة (تلفاز 11) الشهيرة على (يوتيوب)».
مجال المحافظة على التراث من أهم المجالات النشطة حاليا في المملكة وتحظى باهتمام كبير من شتى الجهات الرسمية وهو ما يطرح تساؤلا حول الإضافة التي يمكن أن تقدمها الجمعية، تجيب السنان: «الهيئة العامة للسياحة والآثار تعنى بتسجيل مواقع مادية ومن جانبنا نحن كجمعية قمنا بدراسة مسحية حول مختلف جوانب التراث ووجدنا أن الفنون الأدائية (الفولكلور) مهددة بالاندثار وتعد أقل تلك المجالات تلقيا للاهتمام. فعلى سبيل المثال الأغاني والرقصات التراثية تعرضت للتحوير بسبب عناصر دخيلة سواء بتأثير الفنانين أو الفيديو كليب عندما يحاول المنتجون البحث عن مؤدين وراقصين أصليين وعند تعثرهم يلجأون إلى استبدالهم بأشخاص من بلدان أخرى، فعلى سبيل المثال نرى في بعض تلك الأشرطة المصورة رقصات خليجية مؤداة بطرق وتقاليد رقص من بلدان مجاورة». التوثيق يبدو هو المهمة الأولى للجمعية في هذا المجال كما تشير السنان «بالإضافة إلى التوثيق سنقيم مركزا للفنون الأدائية في بيت صيرفي في جدة القديمة وهو من البيوت التراثية المعروفة».
مشروع أرشفة التراث غير المادي مشروع ضخم تتعامل فيه الجمعية مع خبراء من اليونيسكو. وفي سبيل إعداد الكوادر المؤهلة تماما لخدمة الأهداف المطروحة قدمت خمس منح دراسية لخمسة متدربين للدراسة في إيطاليا لمدة سنة للحصول على درجة ماجستير في تطوير البرامج الثقافية معتمدة من اليونيسكو. وحسب البرنامج الطموح الذي تطرحه السنان يبدو أن العمل يحتاج إلى عدد كبير من الكوادر والمتطوعين، تسارع السنان بالتوضيح قائلة: «بحكم أننا جمعية خيرية نحظى بمميزات منها أن الجميع يشاركون تطوعا» وتستطرد: «أيضا نستطيع عقد اتفاقات وشراكات مع الأجهزة الحكومية المختلفة التي يجب من منطلق مسؤوليتها المجتمعية أن تساعدنا على الأقل لوجستيا مثل إمارات المناطق والجامعات وغيرها. وفعلا أقمنا ندوة برئاسة الأميرة عادلة شاركت بها هذه الجهات والكل وقع على وثيقة صون التراث غير المادي. القطاع الخاص من مسؤوليته المجتمعية أن يساعدنا ماديا أو لوجستيا في تنسيق المبادرة وبالفعل انضمت لنا شركة أرامكو وبعض الجامعات وبعض الإمارات ونسعى للعام القادم على إعداد خارطة طريق وتوزيع المهام للبدء في المشروع. غير أننا نجمع ميزانية عن طريق بجمع التبرعات وجمع الدعم لتغطية تكاليف الناس الذين نستعين بهم بشكل مهني أكثر».
أسألها خارج الفنون الأدائية، هل تهتم الجمعية بالتراث المحكي، القصص والأهازيج والألعاب؟ تقول: «لا، يجب أن نحدد رؤيتنا وأن نكون واقعيين في نظرتنا وتوقعاتنا. نحن لدينا أهداف واضحة وهي توثيق فنون الشعر المكتوب، الأداء سواء كان في صورة أهازيج أو أغان أو رقصات. وتنضم تحت هذه التصنيفات عناصر أخرى مثل الملابس التي يرتديها المؤدون، والآلات الموسيقية التي تستخدم وقد تتفرع منها أشياء مرتبطة بها مثل المأكولات التي يتناولوها ولكن من دون التركيز عليها». ولكن بالنسبة للحرف ومظاهر الحياة الاجتماعية تشير إلى أن هناك جهات أخرى تهتم بها مثل «برنامج بارع» للحرف اليدوية الخاص بوزارة السياحة، وبرنامج لدارة الملك عبد العزيز يعنى بالحياة الاجتماعية.
بالنسبة للأنشطة التي أقامتها الجمعية وجذبت اهتماما واضحا هناك حملة «نحن تراثنا» تعاونت فيها الجمعية مع إمارات المناطق وجامعة الأميرة نورة حيث قامت طالبات الجامعة بالمشاركة في تصوير أطفال بملابس تراثية مختلفة، واستخدمت الصور في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع في شهر أبريل (نيسان) الماضي. تشير السنان إلى أن الحملة تركت أثرا واضحا وتؤكد على أهمية التوقيت الذي أطلقت فيه الحملة: «هدفنا هو أن تتعود العين على رؤية الزي التراثي في كل الأشهر وليس في شهر رمضان فقط كما جرت العادة مؤخرا، حيث ارتبط الشهر الكريم بالملابس التراثية ولذلك قمنا بحملتنا في شهر أبريل لتتعود العين على أن التراث موجود على مدار العام وليس في شهر واحد فقط. وأنه جزء من هويتنا».
نموذج آخر من الأنشطة تستكمل السنان: «نقيم فعاليات في مركزنا بالرياض وهو بيت من بيوت الملك عبد العزيز المرممة، وفي أحيان أخرى نسمح لآخرين بإقامة فعالياتهم فيه مثل مهرجان التصوير الفوتوغرافي (قمرة)، الذي يجمع مجموعة مصورين من جميع أنحاء المملكة ومن الخليج. أتحنا لهم استخدام المكان لإقامة ورش عمل وللتصوير. عدا ذلك نقيم ورش عمل ومحاضرات، فمثلا لدينا محاضرات في جدة والرياض قريبا حول المتاحف، حفل تراثي بهدف جمع التبرعات لصالح نشاطات الجمعية».
الشرق الاوسط