العثور على احفور لاحدى قردة العالم القديم فى ابوظبى
أبوظبي " المسلة " … أعلنت "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" – بالتعاون مع فريق دولي من العلماء من كلية "هنتر كولج" في "جامعة سيتي يونيفرستي" بنيويورك، ومتحف "التاريخ الطبيعي" في برلين، و"جامعة ييل" – عن اكتشاف أحفور مهم يعود لإحدى قردة العالم القديم التي عاشت قبل حوالى 6 ونصف إلى 8 ملايين عاماً في جزيرة الشويهات بالمنطقة الغربية من أبوظبي.
وتم الإعلان عن هذا الاكتشاف المهم في العدد الحالي من مجلة "بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز" الأميركية، وهو يوفر معلومات مهمة حول وقت وكيفية هجرة قردة العالم القديم من أفريقيا إلى أوراسيا. وتشكل قردة العالم القديم مجموعة متنوعة وواسعة الانتشار تضم قردة "المكاك" الأفريقية والآسيوية، و"البابون"، و"المانجابيس"، و"اللانجور"؛ وهي المجموعة الأكثر نجاحاً بين الثدييات الحية غير البشرية، وبالرغم من اكتشاف آثار لها في آسيا وأفريقيا، إلا أنه من غير الواضح حتى اليوم سبب هجرتها من أفريقيا إلى أوراسيا.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور كريز جيلبرت، المعدّ الرئيسي للدراسة: "على نحو مماثل لمسار التطور البشري خارج أفريقيا، نعلم تماماً أن قردة العالم القديم نشأت وهاجرت بدورها من أفريقيا منذ ملايين السنين، ولكن حتى هذا اليوم لم يتضح تماماً متى وكيف حدث ذلك. وقياساً للأحداث اللاحقة في مسار التطور البشري، يعتبر ذلك بمثابة مقدمة لنظرية الانتشار خارج أفريقيا".
وتشير الفرضيات القديمة إلى أن عدداً من القردة – ولاسيما "المكاك" – ربما تكون قد هاجرت إلى أوراسيا عبر حوض البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق منذ حوالي 6 ملايين سنة خلال فترة ما يسمى "أزمة الملوحة" عندما جفت مياه البحر المتوسط، والتي أتاحت للحيوانات آنذاك العبور من شمالي أفريقيا إلى أوروبا.
وأضاف الدكتور جيلبرت: "تشير العينة المكتشفة إلى أن هجرة قردة العالم القديم قد تكون قد تمت عبر شبه الجزيرة العربية حتى قبل حدوث ’أزمة الملوحة‘". وكان قد تم اكتشاف الأحفور المذكور في عام 2009؛ وهو عبارة عن ضرس سفلي صغير قدّر فريق العلماء بأنه قد يعود إلى قردة "الجينو" المعروفة سابقاً، وهي القردة التي تتميز بألوانها الزاهية في غابات أفريقيا المعاصرة.
من جانبه، قال الدكتور فيصل بيبي من متحف "التاريخ الطبيعي" في برلين والمشارك في إعداد الدراسة واكتشاف الأحفور: "وجدنا الضرس الصغير بعد القيام بأعمال غربلة مضنية باحثين عن بقايا قوارض أحفورية. وقد قضينا أياماً طويلة على مدى سنوات متتالية نغربل أطناناً من الرمال ضمن هذا الموقع حتى أثمر عملنا عن نتائج مرضية في نهاية المطاف".
ومن المعروف أن أقدم أحفور تم اكتشافه سابقاً من قردة "الجينو" يعود إلى نحو 4 ملايين سنة. بدوره قال البروفسور آندرو هيل من "جامعة ييل" والمشارك في إعداد الدراسة: "تشير العينة التي عثرنا عليها إلى أول ظهور لمجموعة قردة العالم القديم منذ حوالي 2,5 ملايين سنة على الأقل، وعلى الأرجح أنها تعود إلى فترة أبعد من ذلك".
من جهته، قال الدكتور مارك بيتش، المشارك في إعداد الدراسة من "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة": "يستلزم الأمر عدة سنوات من العمل للوصول إلى اكتشافات كهذه ودراستها. كما أن اكتشاف آثار أحد قردة ’الجينو‘ التي تعيش في الغابات ضمن صحراء أبوظبي يسلط الضوء حقاً على التغيرات البيئية الهائلة التي شهدتها شبه الجزيرة العربية".
وتمتلك إدراة البيئة التاريخية في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" استراتيجيةً للحفاظ على المواقع الأحفورية ذات الأهمية الدولية ودراستها وتعزيزها والتي وجدت في المنطقة الغربية. وقد قام فريق من متخصصي إدارة البيئة التاريخية بالعمل بشكل وثيق منذ عام 2006 مع فريق خبراء من "جامعة ييل" ومؤسسات شهيرة أخرى لتنسيق البحث والدراسة والنشر لهذه الحفريات.
وفي هذا السياق، قال محمد عامر النيادي، مدير إدارة البيئة التاريخية في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة": "من المهم للغاية أن نحافظ على مواقع عهد ’الميوسين‘ في أبوظبي وحمايتها كي تثري معارفنا حول سجل الحفريات القديمة".
ويشدد فريق الدراسة على أهمية العمل مستقبلاً في أبوظبي وشبه الجزيرة العربية باعتبار أن ذلك يسلط مزيداً من الضوء على تاريخ تطور القردة ومجموعات الثدييات الأخرى، ولاسيما بعد النجاح الذي حققه العمل سابقاً في هذه المنطقة والذي أثمر عن اكتشاف جوانب مثيرة للاهتمام في مسار تطور الفيلة.
واختتم الدكتور بيبي قائلاً: "لا تزال معرفتنا محدودة نسبياً حول الحياة القديمة لشبه الجزيرة العربية، لذا فإن اكتشافاً نادراً كهذا يعتبر سابقة في تاريخ المنطقة بأسرها".