مقال تأملات
حكومة غير صديقة للبيئة ..!
بقلم / سعيد جمال الدين
إحترس " .. مصر ترجع إلى الخلف ".." إحترس .. مصر تعود إلى الوراء " هذا هو أقل وصف يمكن أن نصف به القرار الغريب والعجيب الذى خرجت علينا به حكومتنا الرشيدة بإستخدام الفحم فى الطاقة وخاصة فى مصانع الأسمنت .. وكأن الحكومة تطلق على أصابع قدميها النار .. فى الوقت الذى تتجه دول العالم إلى البيئة النظيفة والبعد عن التلوث والملوثات فى الهواء وإستخدام طاقات بديلة للطاقة مثل الهواء والشمس وضخ المياه والغاز والبعد عن الطاقات الأخرى مثل السولار والمازوت وغيرها من مواد الإحتراق التى تتسبب فى حدوث تلوث بيئى يدفع الناس بالهروب من الأماكن التى يستخدم فيها الطاقة غير الصديقة للبيئة .
فلم تفلح الجهود والنداءات التى أطقها الخبراء والمتخصصون فى البيئة من عدم إصدارحكومة محلب هذا القرار الذى يعصف بالبيئة المصرية ويهدد المواطنين بإنتشار الأمراض والأوبئة وفى مقدمتها الصدرية والتنفسية .. فقد ضربت حكومة " الإنقاذ " كافة التوسلات عرض الحائط وكأنها تغنى خارج السرب أو إنها حكومة جاءت خصيصا للتخلص من أكثر من نصف الشعب بإستهدافهم بحكم الإعدام البطىء عبر إستخدام الفحم فى توليد الطاقة خاصة لمصانع الأسمنت .
فنحن رغم كل ما تفعله وزارة شئون البيئة من التخفيف من حدة التلوث البيئى ونقاء الجو المصرى سواء تركيب فلاتر لمصانع الأسمنت أو إستخدام الغاز الطبيعى فى محركات السيارات بدلا من السولار والبنزين ، إلا إن عدد كبير من المصريين مصابون بأمراض الربو والجهاز التنفسى سواء من الغبار الصادر من مصانع الأسمنت أو الابخرة الناجمة عن مصانع الغزل والنسيج أو حتى محطات الكهرباء العاملة بالمازوت والسولار .. يعنى هية ناقصة وتأتى حكومة المهندس إبراهيم محلب لتضيف إلينا عبئا صحيا جديدا .
ويجب أن نعترف بأن الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة شئون البيئة ظلت عبر الشهور الستة الماضية وأثناء حكومة الدكتور حازم الببلاوى وحتى الأن حاربت فكرة إستخدام الفحم للأثار السلبية الناجمة عن إستخدامه وقادت حربا ضروسا أمام لوبى رجال الأعمال الذين هدفهم الوحيد زيادة حجم ثرواتهم حتى لو كانت على جثث مصريين أبرياء لم يختارو حياتهم وكذلك لم يستطيعوا أن يهربوا من مصيرهم المظلم بالوفاة من تأثير الفحم .
لقد هالنى إصرار الحكومة على هذا النهج ون النظر عما تجنيه مصر من إصابات لمواطنيها وكذلك وضع مصر فى القائمة السوداء للدول الأكثر ضررا بالبيئة والإنعكاسات التى تلى ذلك من تراجع السائحين الزائرين لمصر الذين ينشدون الراحة والمتعة والبيئة الصحية النظيفة وبالتالى لن تكون هناك سياحة بالمرة وأظن أن ما حذر منه وتخوف منه مستثمرو السياحة والمسئولون والمستثمرون فى قطاع السياحة ، الذى يساهم ب 13 ٪ من دخل مصر القومى ، من الآثار التى يمكن أن تضر بمشروعاتهم فى حالة استخدام الفحم فى الصناعة ، و هذه المخاوف مشروعة لأن البيئة جزء مهم من الدعاية لاقتصاد البلاد ، ومن قوتها التنافسية .
« الفحم والسياحة لا يتفقان ، فاستخدامه كوقود للمصانع يضر بالبيئة ، وسوف يؤثر على الوضع التنفسى السياحى المصرى والذى يرون أنه يهددهم بخسائر فادحة .
ألم يشفع للمسئولين فى حكومتنا الغير صديقة للبيئة ما حصلت عليه مصر من مرتبة متدنية العام الماضى ، فى تنافسية السياحة ، ضمن تقرير التنافسية العالمى ، حيث احتلت المرتبة 121 من 141 دولة فى ثانى أهم مؤشر فى مؤشر تنافسية السياحة ، وهو مؤشر الحفاظ على البيئة ( استدامة البيئة ) ، ويهدف هذا المؤشر إلى قياس مدى حفاظ المنشآت العاملة فى القطاع على البيئة ، واستخدام ما يعرف بالطاقة الخضراء ، وهى الطاقة التى لا تعتمد على المصادر التقليدية للوقود .
ألم يرى هؤلاء المنتفعون البيان الذى أصدره الاتحاد المصرى للغرف السياحية ، و أعلن فيه رفضه لاستيراد واستخدام الفحم فى توليد الطاقة ، مؤكدا أن هذا الإجراء خطر داهم على صناعة السياحة بجانب الخسائر الفادحة التى سيتسبب فيها ، مطالبا بالاعتماد على الطاقة البديلة والمتجددة والتى تتمتع فيها مصر بإمكانات هائلة .
وكذلك التحذيرات التى أطلقتها جمعية مستثمرى العين السخنة ورفعت لوزير السياحة مذكرة للاعتراض على استخدام الفحم كوقود فى المنطقة الصناعية بالعين السخنة ، مؤكدين أن الانبعاثات الخارجة من المصانع ستسبب تلوثا للمنشآت السياحية المحيطة بالمنطقة .
فكل الدراسات التى أصدرتها وزارت البيئة والصحة أكدت على أن استخدام الفحم سيكون له تأثيرات سلبية على المناطق السياحية والسكنية المحيطة بالموانئ ، كما سيؤثر استيراد الفحم على إدارة المناطق السياحية القريبة من الموانئ ، مما سيؤدى إلى ضعف قدرة مصر التنافسية فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة ، وأن استخدام الفحم كوقود بديل سيؤثر سلبا على فرص الحصول على دعم من مؤسسات التمويل الدولية ، وسيحد من اجتذاب الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يتجه حسب الدراسة إلى الاقتصاد الأخضر ( وهو الاقتصاد الذى يعتمد على مصادر طاقة جديدة غير ملوثة للبيئة (
كما أن استخدام الفحم ، وما ينتج عنه من تلوث يساهم فى زيادة ظاهرة الاحتباس الحرارى سيحد من قدرة مصر على الالتزام بخفض غازات الاحتباس الحرارى بحلول عام 2015، وفقا للاتفاقيات الموقعة بشأن الحفاظ على المناخ .
إضف إلى هذا المخاطر التى تواجه مصر من تجاهل مطالبها بالحصول على تعويضات لمواجهة مخاطر التغيرات المناخية ، والتى تتراوح بين 100 و 500 مليار جنيه سنويا ، لإعادة بناء المناطق المتضررة من ارتفاع مستوى سطح البحر .
الغريب أن مصر قررت الإعتماد على الفحم فى الوقود والإتجاه لإستخدام وسيلة من وسائل الطاقة التقليدية ، والتى تعد الأشد تلوثا للبيئة ، والعجيب ان مصانع الأسمنت فى مصر وعددها 15 مصنعا هى التى تشجع استخدام الفحم لأنه اقل فى التكلفة وهو متاح فى كل اسواق العالم بأسعار زهيدة لأن الدول المتقدمة لم تعد تستخدم الفحم على الإطلاق كمصدر للطاقة .
لقد اوقفت امريكا والصين استخدام الفحم بل ان فرنسا تخلت تماما عن صناعة الأسمنت حفاظا على البيئة وقامت بشراء مصانع كثيرة تنتج الأسمنت خارج حدودها كما حدث فى مصر والجزائر فهل نأتى نحن الآن ونقرر استخدام الفحم مرة اخرى
إن خطورة هذا القرار انه يدمر صحة المواطن المصرى امام اعلى نسبة للتلوث فى العالم توجد فى مصر وكلنا يعلم كارثة السحابة السوداء التى تقتحم المدن المصرية كل عام وتدفع بالملايين الى المستشفيات ما بين الربو والنزلات الشعبية والأمراض الصدرية . ان الدولة المصرية تنفق آلاف الملايين على صحة المواطنين امام السحابة السوداء ولنا ان نتصور حجم الكارثة بعد استخدام الفحم فى المصانع الكبرى . ان ذلك يعنى ايضا كارثة اخرى وهى تدمير المواقع السياحية فى العين السخنة والغردقة والشواطئ المصرية لقد انتهى منذ زمن بعيد عصر الفحم ودخلت الحضارة الإنسانية الى مناطق اخرى لإنتاج الطاقة منها البترول والغاز والطاقة البديلة والغاز الحجرى ولكن المأساة اننا مازلنا نفكر بأساليب العصور الوسطى ولا تعنينا صحة المواطنين وتلوث البيئة وتدمير السياحة وكلها خسائر اكبر بكثير من محاولة توفير ثمن انتاج الطاقة ولا يعقل ان يكون الفحم هو الحل . صحة المواطنين اهم كثيرا من انتاج الأسمنت واستيراد الفحم .
إننا كنا نريد أن يتم التروى فى هذا القرار ومعرفة الأثار السلبية له على كل القطاعات قبل أن ندخل حربا بيننا وبين بعض .. إن مصلحة مصر تفوق مصلحة الأشخاص .. لكى الله يا مصر وحماكى من أبنائك غير المخلصين
إن أريد الا الإصلاح ما أستطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .. وعلى الله قصد السبيل .