Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

سدة الهندية .. مدينة السحر والجمال طالها النسيان والإهمال

سدة الهندية .. مدينة السحر والجمال طالها النسيان والإهمال

تشكل سدة الهندية اكبر انجاز عراقي وأضخم مشروع إروائي شهده العراق في زمن الدولة العثمانية . وكان ذلك عام 1914. حيث استطاعت المنطقة من الحفاظ على تدفق المياه بصورة منتظمة سواء في فترات الفيضانات او في مواسم الجفاف . وازدهرت المنطقة المجاورة للسد حتى أمست ناحية كبيرة تسمى بأسم السد كما هو عليه الآن . فكانت تلك المنطقة تنعم بميزات لم تتوفر في منطقة اخرى في معظم مناطق العراق . فحباها الله بتنوع الزراعة فيها وكثرة البساتين التي تجاور السد ومياهه . فما كانت الا ان تصبح منطقة سياحية بدرجة امتياز . وكان ذلك قبل عقود من الزمن . الا ان المنطقة حاليا فقدت سحرها الخلاب وجمالها النضر. فلم تكن تلك الصورة الملونة التي رسمناها لسدة الهندية في مخيلتنا حين زرناها فوجدنا اشباح لجمال منطقة كانت تعج بالزائرين من السياح المنبهرين بجمالها . اين صورة الاسماك وهي تتقافز في شباك الصيادين ؟ وأين نساء القيمر اللواتي توزعن على مفاصل المنطقة تجدهن في كل صباح لتنعم بألذ فطور صباحي وهو صحن قيمر من أجود أنواع القيمر ؟ .

 

تاريخ بناء السدة

 

قدم الى العراق في اواخر القرن الثامن عشر الميلادي رجل هندي من طائفة البهره غايته زيارة المراقد المقدسة في العراق اسمه آصف الدولة الهندي وكان ثريا لفت نظر هذا الرجل افتقار مدينة النجف الى المياه فأمر بشق نهر يأخذ مياهه من نهر الفرات جنوب المسيب ولما تم شق الجدول اخذ مجراه بالتوسع وبمرور الزمن تحولت معظم مياه نهر الفرات الى النهر الجديد الى ان جف شط الحله تماما وقامت الحكومة العثمانية بعدة محاولات لارجاع المياه الى شط الحلة ولكن دون جدوى وفي عام 1885 جف شط الحلة تماما وذهبت اهمية الحلة الاقتصادية وهجرها سكانها الى المناطق المجاورة وعندها ارسل السيد محمد القزويني برقية الى الاستانة على شكل شعر .

الى ان يعود الماء في النهر جاريا ويخضر جنباه وتموت ضفادعه  وعندها فكرت الحكومة العثمانية في حل المشكلة فاستدعت المهندس الفرنسي شندوفيرز وطلبت منه ان يقيم سدة على نهر الفرات وباشر المهندس الفرنسي شندوفيرز بعملية بناء السدة ومما يؤسف له حقا ان بناء السدة تم من اثار بابل بعد ان تهدم باستخدام الديناميت واكملت السدة في عام 1890 وافتتحت في نفس السنة ولكن السدة انهارت وعلل البعض انهيارها الى الطابوق الذي استخرج من اثار بابل وعلى اثر ذلك استدعت الحكومة العثمانية المهندس الانكليزي ويليم ويلكوكس واحيل مشروع بناء السدة الى شركة جاكسون البريطانية بمبلغ 900الف ليرة عثمانية اي مايعادل 187199 استرليني وتم بناء السدة وافتتحت وحضر الاحتفال الكثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية وكان ذلك في عام 1914. يبلغ طول السدة 250 مترا وتحتوي على 36 فتحة وممر لمرور السفن وماتزال السدة قائمة الى الوقت الحاضر والجدير بالذكر ان ناحية سدة الهندية في محافظة بابل قضاء المسيب استحدثت بعد بناء السدة وسميت على اسمها .

 

امتياز في النسيان

 

نائب رئيس المجلس البلدي لناحية السدة عباس كاظم عطية قال : ناحية السدة تعد ثاني اكبر ناحية في العراق . يبلغ عدد سكانها 132 الف نسمة . وهي مشروع قضاء لكبر مساحتها وعدد سكانها . توجد فيها عدد من الصناعات مثل شركة الفرات للصناعات البتروكيميائية ومعمل سمنت السدة الذي تحولت تسميته الى معمل سمنت بابل وسط احتجاجات الاهالي . تضم السدة أراض زراعية كبيرة تغطي 70% من مساحة الناحية ، تشتهر بزراعة الحمضيات والتمور ذات الاصناف الجيدة والرقي المشهور برقي المهناوية . كما تشتهر الناحية بتربية الجاموس وصناعة القيمر المعروف بقيمر السدة . وقد اشتهر قيمر السدة قبل عقود طويلة من الزمن حيث كان المسافرون من بغداد عبر قطار سكة الحديد الذي يصل عادة في وقت الفجر للناحية ينزلون بالمحطة ليتناولوا القيمر والصمون الحار والشاي حيث يجدون نساءُ يُطلق عليهن (امهات الكيمر) . وقيمر السدة يضرب به المثل وتغنى الشعراء والمغنون به وشبهوا خد الحبيب بقيمر السدة لشدة بياضه وطراوته ..الخ . كما كانت السدة تشتهر بالاسماك العراقية فكانت مهنة معظم اهالي السدة صيد السمك ويسمون بالسماجة . وظلت ناحية السدة الى وقت قريب منطقة سياحية جميلة يزورها الطلبة بسفرات مدرسية وجامعية . فضلا عن زيارات العوائل العراقية لتمضية وقت ممتع لما تمتاز به من مناطق زراعية جميلة محاذية للنهر والسدة التراثية . وكان في السدة مصايف يؤمها الناس لقضاء امسية الخميس ونهار الجمعة فيها . وكان يوجد فيها بستان يطلق عليه بستان الحمام وسمي ذلك لكثرة طيور الحمام فيه وكثرة الفواكه من كل الاصناف ، فكان محط إعجاب الزائرين به .

 

الوجه الآخر للقمر

 

هذه الامتيازات والصورة الشاعرية تراجعت بشكل كبير بعد انشاء قصر صدام عام 1985. – والحديث لنائب رئيس المجلس – حيث تم تحويل مجرى نهر الفرات عن السدة ، ليحاذي القصر من الجهة اليسرى من النهر . ففقدت السدة وظيفتها خاصة بعد انشاء سدة اخرى حديثة في منتصف الثمانينات . وجراء ذلك وغيرها انقرضت الاسماك العراقية المعروفة مثل البني والشبوط وغيرها من النهر بعد نقل امهات الاسماك ببيوضها بعد اصطيادها ونقلها الى بحيرات صدام . فقلت نسبة الاسماك في النهر لتصل بحدود الـ 5% لتنقرض معها مهنة الصيد ويختفي ما يعرف بالسماجة من أسواق الناحية . وتوسع تأثير القصر ( المشؤوم ) على اهالي المنطقة بعد تحويل مجرى النهر وحرمان مربي الجاموس منه . فقل عدد الجاموس مهددا صناعة القيمر . كما ان المجرى القديم اصبح بؤرة لرمي نفايات المدينة لتختفي مظاهر الجمال منه . وبين نائب رئيس المجلس البلدي ان المنطقة حاليا مخدومة بنسبة 25% وتعاني من الاهمال .

 

حيث ظلت الطرق دون تطوير . وان 75 % من طرق المدينة لم تحظ بالتبليط او الاكساء ويعود ذلك الى ان بلدية الناحية اوقفت عمليات تبليط الشوارع بحجة ان المنطقة ستشهد مشاريع لمد شبكة المجاري . مما أوقفت حال الشوارع في المدينة فلا يوجد من المجاري حاليا سوى خط بطول 900م . اما في المجال الصحي للمدينة فقد اشار عطية الى ان المدينة بحاجة الى مستشفى على الرغم من تخصيص خمسة دوانم من الارض لانشاء مستشفى للمدينة . الا ان الموافقات عليها لم تحسم بعد . لذا فأن معظم المرضى من المنطقة راقدون في مستشفيات الاقضية والنواحي المجاورة . ويؤكد انه على الرغم من الكثافة السكانية للمنطقة فأنها تضم مستوصف واحد ومركز صحي واحد وبيوت صحية غير فاعلة ويضم البيت الصحي الواحد مضمد غير متواجد .

 

فضلا عن عدم وجود صلاحية بصرف الادوية والعلاج منها. وكشف عطية ان المنطقة لايوجد فيها طمر صحي، وترمى نفايات المدينة في مجاري الانهار والاراضي الزراعية على الرغم من تهيئة ارض لها اعطيت لرجل اعمال ولم يعرف سبب ذلك. وعن حال المدارس في المنطقة اكد ان المنطقة توجد فيها 67 مدرسة . وهذا العدد لا يسع سوى لـ50% من تلاميذ وطلبة المنطقة . مما افرزت هذه الحالة مشكلة ازدواج الدوام في البناية الواحدة ليصل الى تقسم دوام المدارس الى ثلاث مراحل في اليوم ووصل عدد التلاميذ في الصف الواحد الى 70 تلميذا . كما ان 90% من هذه المدارس بحاجة الى اعادة تأهيل وترميم .

 

إعادة البنى التحتية للسياحة

 

رئيس لجنة المشاريع في المجلس البلدي في ناحية سدة الهندية فتحي حسن حمزه اكد على ضرورة تقديم مشاريع خاصة بالبنى التحتية للمدينة . واعادة الحياة للسياحة في المنطقة حيث كانت المنطقة تضم مرافق سياحية كبيرة فهي المدينة التي جمعت بين جمال الطبيعة ومياهها وآثارها وغناها الاقتصادي . داعيا الى اعادة كازينو المدينة التي بنيت في عهد عبد الكريم قاسم وهدمت في عهد صدام حسين واعادة مجرى النهر لتحيا السدة من جديد وتعود فيها الحياة واستثمار قصر صدام كمرفق سياحي .

اما رئيس المجلس البلدي المهندس حيدر محسن علي فقد دعا الى تحويل ناحية سدة الهندية الى قضاء سيما وانها تتمتع بمؤهلات قضاء . والمجلس يدرس امكانية تحويل بعض القرى الى نواحي بعد تقديم الخدمات فيها من طرق وانشاء مركز شرطة . حيث ان بعض القرى وصل عدد سكانها الى 30 الف نسمة كما في منطقة المهناوية . ودعا رئيس المجلس الى انشاء مستشفى سيما وان قضاء المسيب الذي يضم 55 الف نسمة فيه ثلاثة مستشفيات .

اما المواطنين في الناحية فلهم آراؤهم الخاصة .. المواطن علي حسين انتقد الوضع في بعض مناطق الناحية التي تحولت الى مناطق للطمر الصحي مثل منطقة ( المسناية ) التي كانت عبارة عن مدرج لنهر الفرات مبني من الطابوق وكان الناس يجلسون على مدرجاته للتمتع بجريان النهر وجماله . تحول هذا المدرج الى مكب للنفايات . وليس هذا فحسب وانما مجاري الصرف الصحي ترمي مخلفاتها في المجرى القديم لنهر الفرات فتحول الى مجرى ملوث . مشيرا الى ان آثار المنطقة تعاني الاهمال مثل منارة السدة وجسرها الاثري داعيا الى ضرورة تأهيلها وارجاع حركة السياحة فيها .
اما المواطن صالح الشمري فقد دعا الى استثمار القصر الرئاسي الى منتجع سياحي او متحف ثقافي للمدينة . كما دعا الى تفعيل مشروع المهناوية السياحي والذي هو عبارة عن جزيرة سياحية كبيرة . وقد طرح هذا المشروع من قبل هيئة استثمار بابل لكن بعض الاهالي من مربي الجاموس في المنطقة عارضوا فكرة انشاء المشروع . واكد الشمري ان الاحياء السكنية الحديثة في الناحية تعاني من عدم وجود بنى تحتية . وان المشاريع التي خصصت لها لم تر النور .

الثقافة محاصرة

 

وقبل ان نترك تلك الناحية لفت نظرنا موقع مكتبة الناحية العامة التي يقابل موقعها مبنى الناحية مسور بكتل الكونكريت الكبيرة . دخلنا الى المكتبة وهي عبارة عن مبنى صغير لايتعدى مساحته 150 مترا مربعا . وفي غرفة عرض الكتب استقبلنا موظفو المكتبة يتقدمهم معاون المدير قاسم درويش سلطان . وبعد التحية والسلام سألناه عن واقع المكتبة فقال : ان المكتبة تعرضت للنهب والحرق في زمن الحرب بعدما كانت تضم ثلاثة الآف كتاب . اليوم تضم 1872 كتاب لمختلف العلوم والآداب والثقافة . وهذا العدد جاء عن طريق التبرعات والهبات والهدايا ومن المكتبة المركزية في المحافظة . وحول واقع المطالعة اكد قاسم ان رواد المكتبة من القراء في قلة مستمرة . حيث تترواح الاستعارة الداخلية والخارجية بين 30 – 60 كتابا شهريا ، واغلب المستفيدين هم الباحثون ، وابرز الكتب المتداولة هي كتب القانون . وتفتقر المكتبة الى كتب في الاختصاصات العلمية الحديثة. مؤكدا ان موقع المكتبة غير مؤهل لاستقطاب القراء بسبب وضعها في منطقة محصنة يصعب على البعض دخولها ، داعيا الى فتح باب خلفي للمكتبة يمنح حرية الدخول اليها .

المصدر : صوت العراق

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله