عصر الملكة إليزابيث الأولى يقف شامخاً في قاعات متحف الصور الذاتية
لندن " المسلة " … معرض الملكة إليزابيث الأولى في قاعات متحف الصور الشخصية في لندن، يمنحك فرصة ذهبية للتجوال في جوف هذا العصر، الذي كان فترة ازدهار وتبلور الحياة بكل مظاهرها سواء في عام الصناعة أو تكوين الطبقة الوسطى، أو ظهور المعمار المرتبط بفترة زاهرة تحت ظلال حكم هذه الملكة البريطانية التي تحظى بتاريخ حافل اهتمت به أفلام هوليوود ومسلسلات على شاشات التليفزيون.
وتهتم دراسات وكتب وأبحاث بالتركيز على قراءة سنوات عصر الملكة إليزابيث الأولى، الذي استمر لمدة 40 عاماً من حكمها، حيث ازدهر فيه كل شيء، خصوصاً الأدب وما يمثله العصر الإليزابيثي من مكانة شامخة بشعراء وأدباء ومسرحيين، ويكفي ظهور الشاعر ويليم شكسبير وإنجازاته التي لا تزال تثري خشبة المسرح البريطاني والعالمي حتى الآن.
في فيلم "شكسبير عاشقاً" أعطى كاتب السيناريو عصر الملكة إليزابيث مساحة كبيرة حيث كانت هي نفسها تطل على المشهد الإنساني وطرحها لوجهة نظر في الأدب ومتابعة دقيقة لأعمال الشاعر الإنجليزي الكبير. أدت شخصية الملكة إليزابيث الأولى في فيلم "شكسبير عاشقاً"، الممثلة الرائعة جودي دينش، فطبعت المادة الفنية بأسلوبها السلس ونظراتها المعبرة والإيحاءات القادرة على تجسيد عبقرية الشخصية.
الملكة إليزابيث الأولى استقطبت اهتمام المؤرخين والباحثين ولايزال تصدر عنها حتى الآن الكتب والمراجع تؤرخ لعصرها الذي كان بداية الانتقال إلى حقبة أثرت على المراحل والسنوات التي تدفقت بعد ذلك في تاريخ العرش البريطاني.
وعندما ترى فيلم "شكسبيرعاشقاً" تشاهد الملكة إليزابيث الأولى حاضرة في بلاطها ومحاطة بأدباء ومفكرين ولها وجهات نظر واضحة تطرحها دائماً معبرة عن وجود لها في الحياة العامة وامتلاك الأفكار التي تعرضها ببساطة بشأن موضوعات تطرح عليها. وقد منحها سيناريو الفيلم ملامح شخصية براقة للغاية، إذ كانت قريبة جداً من عالم ويليم شكسبير مهتمة بالقضايا التي يطرحها مع مشاركتها في الحوار مع رجال البلاط بشأن المسرحيات التي تشاهدها في قصرها. كانت هناك ملامح لنهضة تتكون مما جعل الشاعر الإنجليزي يتطلع على حضارات من الشرق والغرب وحكايات يعيد صوغها حيث يستلهم تلك القصص وتعيد تضمينها عشرات الأفكار حول صراع الإنسان مع البيئة وتطلعه إلى تطبيق الأخلاق والحلم ببطولة تستجيب لدوافع الفعل الأخلاقي ولا تتخلى عنه.
مرحلة العصر الإليزابيثي حافلة بالشعراء والأدباء، وكانت هي نفسها محور تلك النهضة حيث تجلس الملكة إليزابيث الأولى على العرش بطموحات حركت كل شيء، مما دفع لازدهار الزراعة والصناعة والتجارة أيضاً وتراكم الثورة العائدة من التوسع التجاري واكتشاف طرق جديدة مع قوة الاسطول الإنجليزي وتجسيد نهضة البلاد التي تحققت في عصر الملكة إليزابيث الأولى.
عندما ترى فيلم "شكسبير عاشقاً" تدرك أن العصر كان بلا منازع لنهضة المسرح بالاهتمام بالتفكير في عروض وحكايات وطرحها على المشاهد في مساحات مفتوحة. وقد ذهبت إلى مسرح "الجلوب" الذي بناه ويليم شكسبير منذ أكثر من 400 عام.
مسرح "الجلوب" يعتمد على فكرة البناء اليوناني القديم حيث تكون الخشبة في البؤرة ومن خلال ساحة مفتوحة والجمهور يلتف حول مشاهد العرض ويستطيع التعليق والتأثر بما يشاهده من انفعالات فنية على الخشبة. على مسرح ويليم شكسبير القديم والحالي شاهد المتفرجون "عطيل" القادم من تراث العرب بسمات الشجاعة والإقدام والانفعال أيضاً بغريزة الغيرة التي تلتهم القلب عندما يسقط في مصيدة الحب وتحيطه الشكوك نتيجة بث أنفاس الغيرة والاضطراب مما يدفع إلى التهام النيران غير العاقلة.
الملكة إليزابيث الأولى صدرت عن حياتها وتاريخ دولتها مئات الكتب كما تعرضت حياتها الخاصة لتناول الأبحاث والأفلام والحكايات التليفزيونية، لقد رفضت الملكة الزواج وتفرغت للعرش الذي كان هو حياتها وكل شيء، وقد انتعشت الفنون تحت حكمها وهذا يظهر في ذلك التراث الحافل في مرافق الحياة التي ازدهرت في هذا العصر نتيجة الصناعة ووجود البلاط المستنير التي تقوده امرأة ثرية بالأفكار والطموحات والتي تعرف قواعد الاتصال بالبشر والتعامل معهم والإنصات إليهم.
ملكة مثقفة أتاحت لبلادها النمو الحضاري الحقيقي، ومعرض متحف الصور الشخصية يدعونا للتجوال في هذا العصر المدهش واللقاء مع ناسه وشعرائه وقواده العسكريين والاطلاع على كتب ومراجع هذه المرحلة والإنصات إلى محاضرات تتحدث عن هذا العصر وأنماطه وذوقه والتداعيات التي تركها على العصر الحالي في بريطانيا، الذي تقوده الملكة إليزابيث الثانية بكل هذا الزخم الحضاري حيث ازدهرت العلوم والإنجازات والفنون والثقافة.
عصر الملكة إليزابيث الأولى يقف شامخاً في قاعات متحف الصور الذاتية. وعندما تذهب إلى المعرض ترى هذا العصر بكل نجومه وشخصياته ومظاهر الحضارة التي انبعثت منه خصوصاً خطوط العمارة وإنجازات الشعر والمسرح والكتابات النقدية، فقد كان عصراً مزدهراً، والدليل هو أمواج المسرح في تلك الفترة وظهور ويليم شكسبير بأعماله التي لاتزال حية على خشبة المسرح العالمي حتى الآن.
هذا العصر الإليزابيثي يملك الثراء الخاص به في كافة وجوه الحياة، وهذا الرصد يجسد أهمية الأرشيف الذي يحتفظ بأوراق مهمة بهذا النحو تمنح الإنسان المعاصر فرصة النظر إلى الماضي بفخر، وهذا ما يشعر به الإنجليز وهم يشاهدون آثار الملكة إليزابيث الأولى الشاهدة على عصر رائع هو المسؤول عن بلورة الحياة بشكلها الحالي على الأرض البريطانية.