تونس…. في غياب السياح الفرنسيين والألمان يبرز السائح الروسي كبديل منقذ للسياحة التونسية المتعثرة هذا العام بعد موسم كارثي يأمل التونسيون أن يذهب دون رجعة. DW عربية تجولت في أزقة تونس القديمة باحثة عن آثار ظهور الروس فيها.
يجلس ماهر أمام متجره للصناعات الحرفية محاولا تسويق سلعه المكدسة في المحل، بإطلاق كلمات روسية من حين لآخر الى العدد القليل من السياح المارين، عبر الأزقة الضيقة في المدينة العتيقة.
ماهر بن غربال البالغ من العمر 22 عاما حرفي وتاجر منذ تسع سنوات. تملك عائلته ستة متاجر في المدينة العتيقة، وهم مستمرون في المهنة التي توارثوها أب عن جد رغم الصعوبات التي يمر بها القطاع السياحي في تونس منذ سنوات.
لكن ميزة ماهر الأساسية من بين مئات التجار الحرفيين المنتشرين في المدينة، أنه يتقن التحدث باللغة الروسية بطلاقة، وهو أمر غير مألوف، كون الغالبية تميل الى استخدام الفرنسية والألمانية على نطاق واسع.
يشير ماهر في حديثه مع DW عربية أنه تعلم اللغة الروسية مع شقيقه الأكبر منذ خمس سنوات، أي منذ أحداث الثورة والانفلات الأمني الذي شهدته تونس ولا تزال تعاني من تبعاته الاقتصادية حتى اليوم.
اختفاء الألمان والفرنسيين
ويبدو أن الواقع اليوم يتفق تماما مع ما كان يتنبأ به ماهر قبل سنوات. فعلى عكس الأيام الخوالي للسياحة التونسية، فإنه يندر اليوم مرور مجموعات من السياح الألمان أو الفرنسيين عبر المدينة التي تشكل أحد أبرز المسالك السياحية في العاصمة.
وبعد عام كارثي للسياحة التونسية في 2015 تميز بالإرهاب والدم وبسقوط العشرات من الأرواح أغلبهم من السياح، فإنه ليس هناك من خيار آخر أمام الفضاءات السياحية والمؤسسات الرسمية سوى أن تتعايش مع هذا الواقع الجديد وتتجه إلى حلول بديلة.
ومنذ مطلع العام الجاري باتت السوق الروسية الصاعدة بمثابة قبلة الحياة للسياحة التونسية المتهاوية. فمع احجام اتحاد وكالات السفر الألمانية عن توجيه رحلات الى تونس والتراجع الحاد في عدد الوافدين من السوق الفرنسية الأولى في تونس، فإن الأسوأ كان على مرمى حجر.
ويقول ماهر مزهوا بصحة تنبؤاته :"كنت أدرك قبل سنوات أن السوق الروسية ستكون لا محالة السوق المنقذة للقطاع السياحي في تونس. السائح الروسي هو السائح الوحيد الذي لا يخاف. حتى في ذروة الانفلات الأمني تجد السياح الروس يتجولون دون أي خوف أو قلق".
تتوقع وزارة السياحة قدوم ما بين 400 ألف و500 الف سائح روسي هذا العام الى تونس، وهو رقم غير مسبوق من هذه السوق ما يضعها في المقدمة أمام كل من السوق الألمانية التي كانت تعد قرابة 500 ألف سائح سنويا، قبل أحداث الثورة عام 2011 والسوق الفرنسية بمليون ونصف المليون، والمصنفان من الأسواق التقليدية والرئيسية لتونس.
خلال استقبالها لوفد من الصحفيين الروس، كانوا قد قدموا إلى تونس للإطلاع على المرافق السياحية والوضع الأمني أوضحت وزيرة السياحة سلمى اللومي في مؤتمر صحفي "أن الوزارة اتخذت عدة إجراءات لأجل المحافظة على السوق الروسية من بينها دعم النقل الجوي وإقرار أسعار مناسبة للإقامة وتعزيز الأمن وتخصيص 2 مليون يورو للترويج للوجهة التونسية في روسيا".
انتعاش نسبي للسياحة
منح التوافد المهم للسياح الروس نحو المدن التونسية في رحلات منظمة على مدار الأسبوع بشكل سريع دفعة للقطاع السياحي. إذ توضح الوزيرة مثلا أن 38 نزلا أعاد فتح أبوابه بعد أن أغلقت بسبب الأزمة، كما تستعد تسع نزل أخرى لاستعاد ة نشاطها.
وربما ساهت الأزمة السياسية بين موسكو وأنقرة من جهة وسقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية من جهة ثانية في توجيه حصة من السوق الروسية نحو تونس، غير أن رئيس الاتحاد التونسي لوكالات الأسفار محمد علي التومي يوضح لـDW عربية، أن التحدي الأكبر الآن هو الحفاظ على هذا الزخم للسوق الصاعدة على مدى أطول.
ويضيف التومي "مع أن هذا الزخم لن يبعد تماما شبح الأزمة لكن في كل الأحوال يبدو الموسم الحالي أفضل من الموسم الماضي. يجب أن نحافظ على الاستقرار الأمني خلال ذروة الموسم السياحي حتى لا تحصل مشاكل جديدة".
وتعتقد وزير السياحة كذلك أنه من المهم إلى جانب السوق الروسية أن تستمر الجهود في استقطاب أكثر ما يمكن السياح في المنطقة المغاربية وخاصة من الجزائر، إذ يوفر البلد الجار ما لا يقل عن مليون سائح سنويا، لتفادي الركود في القطاع.
لكن الصورة ليست كلها وردية فالطفرة الواضحة في عدد السياح الروس قد لا تعكس حقيقة انتعاشا فعليا في المداخيل.
المردود المالي ليس كافيا
مراد الرزقي وهو حرفي وبائع قطع نحاسية يشتكي من حالة الكساد التي تعم السوق، برأيه فإنه حتى مع تدفق السياح الروس بأعداد غير مسبوقة فإن ذلك لم يكن كافيا لانعاش المبيعات.
ويوضح الرزقي لـDW عربية قائلا "الروس ليسوا زبائن جيدين يفضل أغلبهم البحر والشمس ولا يضيعون الوقت كثيرا في التجوال. لكن المهم هنا أن تشاهد سياح في المسالك السياحية. يمنح ذلك دون شك شحنة معنوية للقطاع".
ويعتقد مراد وأغلب الباعة في المدينة العتيقة إلى جانب الأدلاء السياحيين، أن تعليق الرحلات السياحية البحرية باتجاه تونس فوت على القطاع السياحي والدولة جزءا هاما من المداخيل بالعملة الصعبة.
ولا تزال الرحلات البحرية من كبرى الشركات العالمية معلقة باتجاه تونس منذ الهجوم الارهابي على متحف باردو في آذار/ مارس من العام الماضي، والذي خلف 21 قتيلا من السياح الأجانب. ويتوقع أن يكون استئناف هذه الرحلات مرتبطا بمدى نجاح الموسم السياحي الحالي.
ويعلق ماهر غربال على ذلك قائلا "لا نعرف ما قد يحدث في المستقبل لكن حتى الآن توفر السوق الروسية الحد الأدنى لضمان استمرار القطاع السياحي في العيش. يجب أن نتعامل مع هذا الواقع. ليس هناك خيار".