الخليل "المسلة" ….. تحاول عالمة الآثار الفرنسية ساندرين غيت وهي ضمن فريق البحث الفرنسي المكون من أربعة علماء آثار، إجراء دراسة شاملة لبئر حرم الرامة، شمال مدينة الخليل، ليعاد تأريخه بشكل صحيح، والذي يعتبر من أهم المواقع الأثرية في فلسطين، لارتباطه بقدوم النبي إبراهيم عليه السلام وإقامته في المدينة التي نسبت إليه منذ حوالي أربعة آلاف عام قبل الميلاد.
وكما ذكرت صحيفة القدس المقدسية في تقرير اعده مراسلها حول الموضوع فقد بينت غيت، أن فريقا فرنسيا متخصصا بالآثار، يشارك في عملية البحث والاستكشاف لبئر حرم الرامة، مشيرة الى أنه يتكون من مختص بتخطيط الخرائط الأثرية، وبتأريخ العظام، وعالم بالسيراميك وآخر بالقطع النقدية، في مشروع مشترك بين وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وإحدى الجامعات الفرنسية لمدة أربع سنوات، وممول من وزارة الخارجية الفرنسية، بهدف عمل مخطط كامل للموقع وستكون حفريات لكافة الزوايا ليعاد تأريخها بشكل الصحيح.
وأوضحت، لغاية اللحظة لم تكتمل عملية البحث، موضحة أنه تم العثور على جدار للكنيسة البيزنطية، وعلى شبه جدار صغير بجانب الجدار الأساسي، في محاولة لإثبات الحقبة الزمنية التي يعود إليها، مضيفة أنه تم اكتشاف آثار بناء مملوكية خارج السور من الجهة الجنوبية، حيث كان المماليك يستخدمونه لتكوين جدار بيوتهم، ومنذ عهد الصليبيين كان هذا المكان محتلا، واستخدم من الداخل والخارج. وأشارت غيت، الى أن دراسة واستكشاف الحقب الزمنية لبئر حرم الرامة استمر عبر عدة مراحل، موضحة أنه في المرحلة الأولى من الحفريات كانت محاولة الاكتشاف، وفي المرحلة الثانية دراسة الآلات التي تثبت الحفريات والأشياء المستخرجة، والعمل على تنظيفها وترتيبها ومحاولة دراستها لتحديد حقبتها الزمنية، مشيرا أنه بعد ترتيب الأشياء التي عثر عليها سيتم مقارنتها بطبقات مستويات التربة لتحديد فترتها الزمنية، موضحة أن مدة البحث ستستغرق ثلاثة أسابيع في حين يحتاج فريق البحث عدة أشهر للخروج بالنتيجة وتحديد الحقب الزمنية للمكان.
وقال، مدير عام وزارة السياحة والآثار في الخليل الدكتور أحمد الرجوب، أنه تجرى منذ فترة عملية بحث واستكشاف لتأريخ بئر حرم الرامة الأثري التي يمتد عمرها لأكثر من أربعة ألاف عام، اذ يرتبط موقعها بأحداث تاريخية مهمة كونها تعتبر مركزا دينيا لعدة أديان إلى جانب مركزيته التجارية خلال العصر الروماني، موضحا أنه ارتبط بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، حيث أن الرواية التاريخية تتحدث أن سيدنا إبراهيم عندما قدم إلى الخليل، أقام في «ممري»، أو ما يسمى «بئر حرم الرامة»، وهذا الاسم مرتبط بصاحب الأرض الكنعاني «ممري» الذي منح سيدنا إبراهيم هذا المكان ليقيم فيه وينصب خيمته فيها تحت البلوطات وحفر بئر مياه سميت بئر حرم الرامة وهي نبعه ارتوازية، مضيفا أن الملائكة زارت سيدنا إبراهيم في حرم الرامة وبشرته بابنه إسحاق، فكانت المعجزة لأن سارة كانت طاعنة بالسن، كما أخبروه أن الله سوف يعاقب بني لوط في منطقة البحر الميت، وبعد هذا الحدث حاول إبراهيم ثني أو إبعاد العذاب عن بني لوط، إلا أن الإثم كان عظيما وتم تعذيبهم.
أهمية إستراتيجية وأضاف، أن بئر حرم الرامة، اكتسبت البعد والأهمية التاريخية من هذا الحدث واستمر إلى الفترات اللاحقة وخاصة الفترة الرومانية، لأن المكان كان على الطريق التاريخي الذي يصل منطقة فلسطين بجنوبها، عبر البلدة القديمة وزيف ويطا، ولهذا أخذ أهمية إستراتيجية إلى جانب الأهمية التاريخية، لافتا الى أنه في الفترة الرومانية بنى هيرود الكبير الجدار المحيط بالموقع المبني من حجارة ضخمة تشبه حجارة الحرم الإبراهيمي، وقد بني لوجود قصة سيدنا إبراهيم بالمكان، وبنفس الوقت موجود به معبد أدومي عربي، للإله قوس، واستخدم كسوق تجاري، وفي فترة مارتون هادريان في القرن الثاني، كان حرم الرامة من أشهر الأسواق في فلسطين، ويسمى سوق نمرة أو ممري.
رابع كنيسة وأشار الرجوب، يعتقد أن مريم ابنة عمران عندما هاجرت لمصر هربا من هيرود والاضطهاد الموجود في تلك الفترة ضد أبناء القدس، عبرت من حرم الرامة واستراحت والسيد المسيح في هذا المكان، مضيفا أنه في القرن الرابع لما زارت هيلانا أم قسطنطين، وتتبعت خطى المسيح، بنت في حرم الرامة واحدة من أقدم الكنائس في فلسطين، ويعتقد أنها رابع كنيسة، تخليدا لقصة إبراهيم عليه السلام في هذا المكان، وهذه الكنيسة بعض بقاياها موجودة، لكنها جددت في القرن السادس، ولأهميتها ظهرت على خارطة مادبا الفسيفسائية، إلى أن تم هدمها عام 614 ميلادي أثناء الغزو الفارسي لفلسطين كمعظم الكنائس التي هدمت في هذه الفترة، وفيما بعد بالفترة الصليبية تم إعادة بناء الكنيسة أو دير على ما يبدو، وهذه الكنيسة معالمها غير واضحة.
حفريات غير شرعية وأضاف، بعد الفترة الصليبية هجر المكان حتى القرن العشرين، وفي عشرينيات القرن الماضي 1926، تم إعادة البدء باستكشاف هذا المكان بقيادة العالم الألماني مادر، وتم حفره واستكشاف غالبية أجزائه، وفي العام 1984 نفذ الاحتلال حفريات الاسرائيلي غير شرعية بالمكان، وتم استكشاف الجهة الشرقية والجنوبية، وكل هذه الحفريات تتركز على روايات توراتية أكثر منها علمية، موضحا أن الاحتلال عندما يتوجه للحفريات والمسوحات الأثرية توجهه توراتي واستعماري احتلالي، لا يستخدم المبادئ العلمية التي تهدف لاستكشاف التاريخ الإنساني، وإنما يعمل على إسقاط روايته على الأرض، وهذا نوع من التزييف للقصة الحضارية، والهدف الأساسي للإسرائيليين، بناء رواية إسرائيلية استيطانية زائفة لأنهم فاقدون للهوية.
حضارات واثنيات وبين الرجوب، أن بئر حرم الرامة يعبر عن تاريخ إنساني يتضمن جميع الأديان والروايات الشعبية والدينية، مشيرا الى أن هذا المكان تاريخه يتحدث عن الحضارة الكنعانية وعن إثنيات أقامت بالخليل، وعن الأدوميين العرب، والقرية الرومانية الكنعانية « تريبنتس»، والديانات الوثنية، والديانة المسيحية، والإسلامية بشكل أساس لارتباطه بسيدنا إبراهيم، مشيرا الى أنهم كوزارة سياحة وآثار يتشاركون مع الفرنسيين ليتم استكشاف تاريخ هذا المكان وإعطاؤه التقويم العلمي الصحيح، مبينا أن هذه الاتفاقية لمدة أربع سنوات، تتضمن حفريات وإعادة تقييم للموقع الأثري بالإضافة لاستكشاف الجهة الشرقية من هذا المكان لمعرفة تاريخها بشكل علمي أكبر وأدق.
وبمناسبة اليوم المفتوح لاكتشاف حرام رامة الخليل، أقامت جمعية التعاون الثقافي الخليل فرنسا، وبحضور القنصل الفرنسي العام هيرفي ماغرو، أنشطه وفعاليات موسيقية لفرقة أمواج كورال في فلسطين وكورال أطفال الخليل وبيت لحم بصحبة موسيقيين محترفين تم جمع تبرعات للمساهمة في أنشطة وفعاليات جمعية التعاون الثقافي الخليل- فرنسا، في موقع بئر حرم الرامة الأثري.