بلدان الخليج تمتلك المقومات الكفيلة بتعميق النشاط السياحي
مع عدم وصول قطاع السياحة في المنطقة إلى إمكاناته الحقيقية حتى الآن -نظرا لعدم كفاية المنتجات السياحية وتفاوت جهود التسويق وتشتت الاستثمارات– تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى العمل على وجه السرعة لتحسين الخدمات السياحية وبناء المؤسسات ذات الصلة ومواجهة التحديات القائمة، وفقا لتقرير صادر عن «بوز آند كو».
في السنوات الأخيرة، استضافت الدول الخليجية مجتمعة ملايين السياح، في ظل تزايد أعداد الوافدين إلى معظم الوجهات السياحية. ومع ذلك، لا تزال ثمة فجوة آخذة في الاتساع بين الفرص التي تملكها تلك الدول في قطاع السياحة وبين ما حققته على أرض الواقع. ويُستثنى من ذلك دولتين فقط وهما قطر والإمارات العربية المتحدة اللتين تحتلان مراتب في الثلث الأول من مؤشر تنافسية السفر والسياحة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي الواقع، لدى الدول الخليجية اليوم الكثير للقيام به إذا كانت ترغب في زيادة حصتها من إيرادات السياحة، وتحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تصاحب تلك الزيادة. وتماشيا مع هذا المنطلق، وضعت شركة الاستشارات الإدارية بوز آند كومباني إطاراً لصياغة وتنفيذ استراتيجية ناجحة لقطاع السياحة. وترتبط التوصيات بشكل خاص بالدول الخليجية التي تمثل فيها السياحة فرصة ثرية.
السياحة – أداة قوية
على مدى السنوات العشرين المقبلة، من المتوقع أن يرتفع عدد السياح العالميين بنسبة %70 ليصل إلى 1.8 مليار سائح سنوياً، وفقاً لتوقعات المجلس العالمي للسياحة والسفر. وإذا كان ثمة سؤال حول الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع، فإن هذه الإحصائية تجيب عن ذلك حيث: تُشكل السياحة بالفعل نسبة %9 من الناتج الاقتصادي العالمي. وببساطة، فإن إيرادات السياحة من الدولارات تجلب العديد من الفوائد لبلدان الوجهات السياحية.
وأفاد جورج عطاالله وهو شريك في بوز آند كومباني «لدى البلد التي يتوافد عليها أعداد ضخمة من السياح والتي تحقق من ذلك إيرادات تبلغ مئات الملايين أو المليارات من الدولارات طريقة طبيعية للحفاظ على مواقعها التاريخية، واستحداث الدعم اللازم للشركات الصغيرة، والترويج لصورتها في العالم. كما يمكن أن تصير السياحة آلية لتحقيق أجزاء من الأجندة الاقتصادية لبلد ما بما في ذلك تنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي».
الأثر الاقتصادي للسياحة :
شكل قطاع السياحة نشاطاً اقتصادياً بلغت قيمته 2.68 تريليون دولار أميركي في عام 2012 كمساهمة مباشرة في الناتج العالمي. ومع ذلك، أظهرت دراسة المقارنة التي أجرتها بوز آند كومباني لما يقرب من 24 بلداً أن السياحة تجلب العديد من الفوائد الإضافية للاقتصادات الوطنية. وأوضح أنطوان نصر وهو مدير أول في «بوز آند كومباني» على سبيل المثال، تُحدث السياحة تأثيراً مضاعفاً، فعندما يرتفع إنفاق السياحة، قد تزيد معه القطاعات الاقتصادية الأخرى على غرار تجارة التجزئة والبناء. علاوةً على ذلك، للسياحة تأثير على عملية التوظيف، حيث يساهم افتتاح متنزه جديد، على سبيل المثال، في توفير مئات أو حتى آلاف من فرص العمل الجديدة للسكان المحليين. وهناك أيضا الآثار غير المباشرة من خلال فرص العمل في الأعمال الداعمة مثل شركات الأغذية والسكن والنقل».
منظومة السياحة :
تُعد أفضل طريقة لفهم كيفية تنافس البلدان في استقطاب السياح هي التفكير في السياحة كمنظومة تتألف من ثلاثة أجزاء: المنتجات والخدمات السياحية، وممكنات قطاع السياحة، وممكنات منظومة السياحة.
– المنتجات والخدمات السياحية التي تجذب الزوار إلى البلد
– ممكنات قطاع السياحة هي التي تدعم معالم الجذب الطبيعية والأصلية للبلد
– ممكنات منظومة السياحة هي جودة البنية التحتية والأمن والصحة والسلامة وحسن ممارسات الاستدامة البيئية في البلد
السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي: الإيجابيات والسلبيات
شهد سوق السياحة في الدول الخليجية، الذي يضم المسافرين المحليين والإقليميين والدوليين، نمواً كبيراً في الآونة الأخيرة. وسعياً لتطوير القطاع بشكل منهجي، سيحتاج صناع القرار إلى الأخذ بعين الاعتبار ست مزايا تنافسية رئيسية في قطاع السياحة، فضلاً عن ثلاث سلبيات رئيسية.
مزايا قطاع السياحة :
تشمل مزايا قطاع السياحة قدرة الدول الخليجية على الاستثمار في المنتجات السياحية كثيفة رأس المال، وسعات مطاراتها الضخمة وترابطها السلس مع الأسواق السياحية الرئيسية، وجاذبيتها القوية كوجهات لسياحة الأعمال، والمرافق الثقافية الناشئة في المنطقة، و «الطقس الخلاب» للسياح الساعين إلى التمتع بالشمس والشواطئ، وسمعة البلدان من حيث الاستقرار والسلامة.
سلبيات قطاع السياحة :
لم تُكرس معظم الحكومات الخليجية اهتماماً كبيراً بقطاعات السياحة لديها، مما أسفر عن ثلاث سلبيات رئيسية:
1. عدم تميز المنتجات السياحية: تعاني المنتجات السياحية للدول الخليجية من ثلاثة أوجه القصور. أولاً، محدودية تنوع المنتجات السياحية، أي الاتجاه نحو التركيز على منتج واحد. ثانياً، تراجع مستوى جودة المنتجات السياحية، على سبيل المثال، رغم طول الشواطئ التي تحظى بها جميع الدول، لم تحصل سوى شواطئ الإمارات العربية المتحدة فقط على شهادة «الراية الزرقاء». وأخيراً، لم تقم الدول الخليجية بتسويق أو ترويج منتجاتها السياحية الحالية على الوجه المطلوب.
2. عدم تطوير ممكنات قطاع السياحة بشكل كاف: على وجه العموم، لا تركز الدول الخليجية على الأنشطة التي تنفذها بلدان أخرى لدعم قطاعات السياحة، حيث لا تملك معظم الدول الخليجية خطة استراتيجية طويلة الأجل لقطاعاتها السياحية. وعلاوةً على ذلك، فإنها لا تستثمر بكثافة في هذا القطاع.
3. أنظمة غير مشجعة على السياحة: تضع الدول الخليجية شروطاً صارمة نسبياً لإصدار التأشيرات وتواجه تحديات كبيرة في مجال الاستدامة البيئية، مما يؤدي إلى الحصول على تصنيفات منخفضة لجودة الهواء وممارسات إدارة النفايات.
بناء صناعة سياحة مزدهرة :
في البلدان التي تكون فيها السياحة ذات الأثر الاقتصادي الأكبر، يتم دمج القطاع في استراتيجية التنمية الوطنية والرؤية الوطنية طويلة الأجل. وفي الواقع، فإن صياغة استراتيجية وطنية للسياحة عادة ما تتبع ثلاث خطوات أساسية:
1- تعريف منظومة السياحة :
للحصول على صورة دقيقة عن منظومة السياحة، تحتاج البلد إلى معرفة ما تقوم به أو لا فيما يتعلق بكل من الأجزاء الثلاث التي تشكل منظومة السياحة. وينبغي أن تبدأ البلد في بناء هذه الصورة من خلال حصر جميع المنتجات والخدمات السياحية التي لديها مثل الثقافة والشمس والشواطئ والطبيعة والرياضة والسكن/ الغذاء.
وأضاف جورج عطاالله «يمكن تعريف منظومة السياحة بمزيد من التحديد من خلال النظر إلى ممكنات قطاع السياحة في البلدان. ففي معظم البلدان، تقع ممكنات قطاع السياحة ضمن خمس فئات، تشمل التخطيط والترويج والتسويق وتنمية قدرات الموارد البشرية والبحوث والإحصاءات. وبشكل عام، تتولى جهة مركزية لتخطيط السياحة الإشراف على هذه الأنشطة وتكون مُكلفة بتنويع المنتجات السياحية وزيادة الاستثمارات السياحية».
ومن ثم تكتمل هذه الصورة عن طريق ممكنات منظومة السياحة، وهي الصحة والسلامة والأمن والاستدامة البيئية والبنية التحتية، وهي جوانب أساسية لهوية أي بلد في العالم، وقد يكون لها تأثير كبير على مقدار جاذبيتها كوجهة سياحية.
2- المنتجات السياحية
في هذه الخطوة التالية، تقوم البلد بتحديد أبرز الأسواق الجغرافية المستهدفة، وهي العملية التي تنطوي على استبعاد جميع الأسواق السياحية الخارجية التي يقل عدد السياح الوافدين منها عن عدد معين وتبعد مسافة معينة. وبعد ذلك، تقوم بتصنيف الأسواق المتبقية باستخدام خصائص مثل عدد السياح الوافدين من الخارج والنمو المستقبلي المتوقع في عددهم ومتوسط إنفاقهم. وأخيراً، يتم تقسيم كل سوق مستهدف حسب نوع السياح.
وأضاف أنطوان نصر «السؤال الرئيسي الذي تحتاج البلدان إلى الإجابة عنه يتركز حول تحديد أولويات المنتجات، وهذا يعتمد على ثلاثة أبعاد وهي: جاذبية المنتج، أي الإقبال الطبيعي عليه حالياً ومستقبلاً، وجاهزية المنتج، التي يقيس جودة وتنوع المنتجات، والمنافسة، التي تعرض إلى أي مدى تقدم البلدان الخليجية وبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منتجات مماثلة».
وتتيح المعلومات المستخلصة من هذا التحليل للجهات المركزية لتخطيط السياحة اتخاذ قرارات حول المنتجات ذات الأولوية. فبعد أن تقوم البلدان الخليجية بتقسيم شرائح السوق وتصميم منتجاتها السياحية وفقاً لذلك، يتعين عليها اتخاذ قرار حول ماهية المنتجات السياحية الخاصة بها. فهل تروج لنفسها بوصفها وجهة للسياح العرب الوافدين لأغراض الراحة والاستجمام؟ أم تسوق نفسها كوجهة للمغامرات في الهواء الطلق؟ أم تؤكد على ما تملكه من مزايا لاستضافة اجتماعات الأعمال وجاذبيتها للسياح من رجال الأعمال؟
3- وضع الإطار المؤسسي لقطاع السياحة
تتمثل الخطوة التالية في إنشاء إطار مؤسسي والتأكد من تركيز الجهة المركزية على الأمور الصحيحة. وبشكل عام، تتولى الجهة المركزية مسؤولية وضع السياسات وصياغة وتنفيذ الأنظمة واللوائح، وفي بعض الحالات وضعها وتنفيذها.
ومع ذلك، تعمل الجهة الوطنية لتنمية السياحة جنباً إلى جنب مع الجهة المركزية مع التركيز على المشاريع السياحية الرئيسية وإقامة شراكات مع القطاع الخاص.
في الواقع، لا يوجد إطار مؤسسي واحد «مناسب للجميع». وبينما من المفيد فهم كيف تستخدم البلدان ذات قطاعات السياحة المزدهرة الجهات المركزية، لا يعطي هذا المنظور وحده إجابات قاطعة، حيث يحتاج مسؤولو السياحة في الدول الخليجية إلى تطبيق هذه المعلومات على الأطر المؤسسية الخاصة بهم إذا أرادوا تركيز الجهات المركزية على الأولويات الصحيحة لتحقيق أقصى قدر من التأثير.
وتمثل السياحة فرصة اقتصادية هائلة للدول الخليجية، حيث تمتلك العديد من الأصول القائمة التي يمكن استغلالها لاستقطاب السياح العالميين، انطلاقاً من المطارات الحديثة إلى الشواطئ الخلابة والمواقع الثقافية والأثرية. وحتى اللحظة الراهنة، لم تجعل معظم هذه البلدان من السياحة أولوية لها، ولم تعمل على إعادة ترتيب مؤسساتها للاستفادة بشكل كاف من الفرص ذات الصلة. ومما لا شك فيه أن الوقت قد حان للاستفادة من الاستثمارات الوطنية الكبيرة في البنية التحتية والموارد البشرية للشروع في تطوير قطاع السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي.
المصدر : العرب