إطارات وأثرياء ينهبون شوكات وملاعق من فنادق فخمة
الجزائر " المسلة " … عوّدنا اللصوص والمجرمون المتورطون في قضايا السرقة، الاستيلاء على أغراض ثمينة ومجوهرات نفيسة ذات قيمة مادية عالية، غير أنه يحدث أحيانا أن يتورط موظفون سامون وموظفون في مراكز هامة وحساسة وحتى البطالين أيضا في جرائم سرقة بسيطة يكون دافعهم لها في معظم الأحيان ليس الثراء، ولكن تحصيل رغبة طفولة مكبوتة في امتلاك الأشياء أو لفت انتباه المحيطين بهم، لتتحول بذلك السرقة من جريمة يعاقب عليها القانون إلى مرض نفسي وبحاجة للمتابعة العلاجية كي يتمكن "المريض" بها من الخلاص منها.
تحتفظ ذاكرة الموظفين في الأماكن الراقية والبسيطة على حد سواء بقصص كثيرة لإطارات وأصحاب مقامات رفيعة متورطون في حوادث سرقة من العيار الثقيل كفضيحة وزير سابق ينحدر من إحدى ولايات الجنوب، قام بسرقة شوكة طعام مصنوعة من الفضة وسجادة في إحدى الجولات في عام 1999 ليتم اكتشاف الحادثة من خلال الجهاز الأمني المنصب عند مدخل الفندق.
وإذا كان الأمر يعدُّ عاديا بالنسبة لمواطن بسيط، فهو مختلف تماما عندما يكون المتورط فيه وزيرا، وبغض النظر عن نوعية المسروقات وقيمتها إلا أن الحقيقة الوحيدة التي أثبتها الدراسات النفسية أن الأشخاص الذين يقدمون على مثل هذه التصرفات والعادات السيئة يعانون من اضطرابات نفسية وبحاجة للخضوع لجلسات علاج للتخلص منها.
أغرب سرقات الإطارات :
تقول السيدة "ش. نادية" وهي تعمل منظفة في فندق بالعاصمة منذ 7 سنوات ونصف أن الفندق يستقبل يوميا إطارات وأصحاب شركات ومراكز مرموقة وهم مرتاحون ماديا وليسوا بحاجة للسرقة أو هكذا يُهيأ لمن يراهم للوهلة الأولى حتى أن أعوان الحراسة لا يفكرون بتاتا في تفتيشهم. لكنها صادفت خلال مشوارها المهني، حالات لسيدات أقدمن على ارتكاب فعل السرقة فقط إرضاءً لشعور غريب يعتريهن فجأة، وهو ما وقع لسيدة شابة في العقد الثالث من العمر، كانت برفقة وفد عمل، فبعد أن فرغوا من تناول الطعام قامت بأخذ الشوكة والسكين ووضعها داخل حقيبة يدها دون أن يراها زملاؤها، ولما همّوا بالمغادرة بدأ جهاز السكانير بإحداث صوت منبِّه ليتم العثور على الأغراض المسروقة داخل حقيبتها وهو ما أحرجها كثيراً وبررت فعلتها بـ"حملهم عن طريق الخطأ؟"، واستطردت المنظفة أن هناك كثيراً من السرقات التي شهدتها وبالأخص فيما يتعلق بالكريمات والمستحضرات الموجودة داخل الحمامات حتى أن هناك من يسرق شراشف وأغطية السرير وملابس الحمام، مضيفة أن معظم مرتكبي السرقات هم من الجنس اللطيف ويستولين على هذه الأشياء وهن لسن بحاجة إليها.
أما "عبد الله"، 27 سنة، يقيم في القبة، ويعمل نادلاً في قاعة شاي بسيدي يحيى، يرى أن الكثير من الأثرياء المترددين على محله يعانون من مشاكل نفسية معقدة، فمنهم من يمد يده إلى أغراض شتى تأتي في مقدمتها الملاعق وأكياس السكر، ففي كل مرة يضع قهوة لزبون لا يجد الملعقة، مبررا أن هذه الظاهرة ليست حكرا على السيدات، واستطرد "عبد الله" في حديثه قائلا: "هناك بعض الرجال يباغتون العمال ليأخذوا فناجين الشاي معهم، وهو ما يفسر أنه سلوك مرضي وفاعله ليس سويا".
مستحضرات التجميل تتصدر قائمة المسروقات :
وإذا كانت الأحداث السابقة فضَّل أطرافُها حل الخلاف وديا دون استدعاء الشرطة وإحالة المتورطين فيها إلى الأمن، لمكانتهم الحساسة والضرر الذي يمكن أن تعود به على الفنادق والمحلات، نجد في المقابل قاعات المحاكم تعج بقضايا لشخصيات وإطارات تورطوا في سرقة أشياء غير مُجدية ولا تتناسب مع مكانتهم ومركزهم الاجتماعي، فقد قامت أستاذة وشقيقة محامي معروف بالعاصمة، بالدخول إلى متجر لبيع الملابس النسوية في الجزائر الوسطى، لتستولي على 3 أقمصة نسائية من نفس النوع واللون بأحجام مختلفة، وبعد ضبطها متلبسة، لم تجد المتهمة ما تبرر به أفعالها أمام محكمة سيدي أمحمد، خاصة وأن أحجام الأقمصة المسروقة المضبوطة عندها لا تتناسب مع مقياس المتهمة.
كما شهدت محكمة الحراش قضية غريبة تورط فيها ابن طبيب يعمل في إحدى السفارات الأجنبية بالجزائر، رفقة قابض بمركز تجاري في باب الزوار، حيثيات قضية سرقة غريبة جدا فقد تسلل المتهم رفقة شريكه إلى المركز التجاري ليستوليا على مواد غذائية: أجبان، ألبان، حليب وزبادي ويهربانها إلى خارج المحل، غير أن كاميرات المراقبة كانت لهما بالمرصاد، حيث ألقي القبضُ عليهما وتمت إحالتهما على المحاكمة.
وإذا كان المتهم السابق قد اهتدى إلى فكرة سرقة مواد غذائية فإن "ع. نور الدين" وهو ابن مجاهد يبلغ من العمر 35 سنة، مصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي من الصنف "سي"، قد أقدم على سرقة قارورة غسول للشعر من نوع "لوريال" لا يفوق سعره 300 دينار جزائري، وخلال مثوله أمام محكمة حسين داي، اعترف المتهم بأخذه قارورة الغسول دون معرفته للأسباب التي دفعته إلى ذلك.
أما الضحية "ب. س" صاحب محل تجاري، فأفاد بأن المتهم أخذ قارورة الغسول فلما شاهده العمال أخطروه وبلَّغ مصالح الأمن التي أوقفته فورا واسترجعت المسروقات، في حين لم تجد "غ. ز" 40 سنة، صانعة حلويات، متزوجة وأم لأربعة أطفال، تقيم في باش جراح، وصديقتها "ط. م" أم لأربعة أطفال، تسكن في باب الزوار، ما تبرران به ارتكابهما لجنحة سرقة مجموعة من علب القهوة، بعد أن اتهمهما "د. ع" و"ع. خ" وهما صاحبا محلين تجاريين ببئر مراد رايس، بسرقة علبة قهوة، حيث صرح الضحية "ع. خ" أن المتهمة "غ. ز" معتادة منذ حوالي 4 أشهر على التردد على محله التجاري لاقتناء بعض المواد كالسكر والقهوة، وخلال هذه الفترة سجلوا نقصا كبيرا في القهوة، حيث سُرقت منهم كمية كبيرة لكنه لم يشك فيهما أبدا إلى أن اكتشف الأمر مطلع الشهر الجاري، عندما دخلت المتهمتان إلى المحل التجاري واشترت "غ. ز" القهوة والسكر كما جرت العادة، غير أنه لمحها وصديقتها تخبئ علبة تحت الحجاب الذي ترتديه لتغادر رفقة صديقتها المحل فلحق بهما إلى السيارة وضبطهما متلبِستين.
يغامرون بحريتهم ليسرقوا أغراضاً تافهة :
على غير عادة البطالين المعتادين على السرقة لتجميع المال وتوفير مصروفهم اليومي، أقدم "ص. ع" 24 سنة، بطال يقيم بعين النعجة، على ارتكاب جنحة سرقة أثارت تعجب وفضول كل من شهد محاكمته، حيث تسلل إلى شقة جاره الذي سافر رفقة عائلته إلى ولاية بجاية لقضاء عطلة الربيع، فانتهز "ص. ع" الفرصة ليتسلق الشرفة ليلا رفقة شريكه القاصر، وباستعمال "راشكلو" أحدثا إعوجاجا في القضبان ليتمكنا من الدخول إلى البيت والتجول فيه بكل حرية، لكن ما أذهل الجميع أنه لم يسرق المجوهرات ولا الأموال الموجودة في غرفة النوم، بل اكتفى بأخذ غطاء المكيف الهوائي الخارجي ليعود أدراجه، وبعد عودة الضحية اكتشف حادثة السرقة فأخطر مصالح الأمن التي عاينت المكان وبعد مطابقة البصمات تم التوصل للجاني والقبض عليه.
وغير بعيد عنه نجد "ث. م" وشقيقه "ث. ف" اللذين يبلغان من العمر 23 و25 عاما على التوالي، حيث تورطا في سرقة طنجرة، قدر ومجموعة من الصحون من منزل قصديري بباش جراح، كانا قد اقتحماه في وضح النهار ثم غادراه محملين بالمسروقات، التي لم تكن في حقيقة الأمر سوى مجموعة من الأواني وعلى بعد مسافة 5 أمتار من البيت كسّروها وتخلصوا منها جميعا.
دافعُ جلب الاهتمام :
ولدى تفسيرها مثل هذه الحالات الغريبة، أكدت المختصة النفسانية "بوقاسي وردة"، أن السرقة المرضية هي من الأمراض النفسية الشائعة الانتشار، وهناك عدة مشاهير ونجوم يعانون منها لكونها مرتبطة بالحالة النفسية للمصاب، فيقدمون على اختلاس أشياء دون الاستفادة منها، مضيفة أن هناك أشخاصاً يقومون باختلاس هذه الأغراض بدافع نقص الحنان، الفراغ الداخلي، أو قد تكون أحيانا مرتبطة ببعض حوادث وذكريات الطفولة فحرمانهم من أشياء جعلهم يسعون لامتلاكها بشتى السبل عند بلوغهم سن الرشد.
وأشارت الأخصائية النفسانية أن هناك بعض التأثيرات والحالات المستحدثة قد تنعكس سلبا على نفسيتهم كالعنوسة، فيشعرون بنقص داخلي وبرفض المجتمع لهم وهو ما يجبرهم على السرقة لتعويضه رغم أنهم ليسوا بحاجة إلى المال، الدافع الأكبر في مثل هذه الحالات هو جلب الاهتمام. وتستطرد الأخصائية "بوقاسي" أنه في الوقت الراهن لا توجد إحصائيات ولا حتى دراسات مرتبطة بظاهرة السرقة المرضية في الجزائر، إلا أن المصابين بها يسعون إلى تخفيف الضغط الرهيب الذي يعانون منه وهو ما يبرر عدم شعورهم بالذنب أو اللوم. ودعت النفسانية المصابين التوجه إلى المختصين النفسانيين للمساعدة وطلب العلاج، لأنه يستحيل على المريض مساعدة نفسه خاصة في غياب إدراكه ووعيه التام لخطورة ما يعانيه.
سارق الشوكة مثل سارق الملايير أمام القضاء :
أوضح الأستاذ إبراهيم بهلولي، محامي معتمد لدى مجلس قضاء العاصمة، أن سارق الشوكة مثل سارق الملايير أمام القضاء، ومرتكبها مهدد بعقوبة سالبة للحرية تتراوح من سنة إلى 5 سنوات وفقا للمادة 350 من قانون العقوبات، وغرامة مالية تتراوح مابين 10 إلى 50 مليون سنتيم في حالة ثبوت أركان الجريمة المادية والمعنوية، مع إمكانية إضافة بعض العقوبات التكميلية كالحرمان من الحقوق المدنية والمنع من الإقامة، والعقوبات مرشحة للمضاعفة إذا ما كيِّفت جناية.
وذكر الأستاذ بهلولي، أن هناك جملة من العوامل المخفِّفة للأحكام كظروف وملابسات الجريمة وشخصية المجرم وصحيفة السوابق العدلية؛ ففي حالة الإصابة بالأمراض النفسية ليس بإمكان القاضي أن يدرك ذلك، خاصة وأن المرض النفسي يصعب إثباته فيتوجب على دفاعه وعائلته جلب الملف الطبي للجلسة، وهناك مواد قانونية ترفع العقوبة على الجاني، خاصة إذا كان فاقداً للأهلية العقلية أثناء ارتكابه للجريمة، مواصلاً أن هذا النوع من السرقات المرضية نجده منتشراً بكثرة عند المترفين وميسوري الحال.
المصدر : الشروق