«السياحة المظلمة».. حين تصير الصحافة «رحلة استجمام»
توجه الياباني توشيفومي فوجيموتو (45 عاماً) في كانون الثاني الفائت إلى حلب، مرتدياً اللباس العسكري الياباني، حاملاً آلتي تصوير فوتوغرافي وآلة تصوير فيديو. يعمل فوجيموتو سائق شاحنة، وقد قرَّر كسر روتين عمله، بتمضية عطلة توفر له جرعات عالية من الأدرينالين، كما قال لوكالة الصحافة الفرنسيّة. ولذلك اختار سوريا، البلد الأكثر خطورة على الصحافيين اليوم.
أثناء تجواله في حلب، راح فوجيموتو يدوّن كل ما شاهده على فايسبوك، ونشر صوراً ومقاطع فيديو لمدنيين وثوار ومقاتلين، لجرحى وقتلى. تجوّل في مناطق إطلاق الرصاص والقذائف معرضاً نفسه للخطر المباشر، من دون ارتدائه درعاً مضاداً للرصاص، ومن دون حصوله حتى على إذن من حكومة بلده. الوكالة الفرنسية وصفته بـ«واحد من سائحي الحروب»، معتبرةً أنّ تدويناته «تسمح بإلقاء نظرة نادرة وغير «مفلترة» على ما يجري من أحداث ووقائع للحرب في سوريا».. في حين وصف آخرون ما قام به فوجيموتو «بالعمل الغبي وغير المسؤول».
ليس فوجيموتو أوّل من يدخل سوريا كسائح حرب. سبقه إلى ذلك عدد من المغامرين وهواة الاستكشاف كالأميركيَيْن وليام جاغان (30 عاماً ويعمل في تقديم المشروبات في حانة ليلية) وصديقه جيوفري شيفلي (29 عاماً ويعمل في مجال أمن الحواسيب وشبكة الانترنت). دخل السائحان سوريا العام الماضي، عبر تركيا، مكتفين بإبلاغ السفارة الأميركية هناك، من دون الحصول على أيّ موافقة رسمية، أو مهمّة من مؤسسة إعلاميّة. بقي الشابان في المنطقة السورية المتاخمة للحدود التركية أكثر من 15 ساعة، وعادا بفيديو يظهر كيفية تسللهم داخل سوريا، إضافة إلى مقابلتين من داخل أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية، وفيديو يصوّر مسيرة مؤيدة للرئيس السوري في قرية قيصري مسقط رأس الرئيس التركي عبدالله غول.. كما أنهما سجّلا نداء لعدد من مقاتلي «الجيش السوري الحر»، يطالبون فيه العالم بالتدخل الخارجي ضد النظام ودعمهم بالسلاح. لم تلقَ مبادرة جاغان وشيفلي ترحيباً على مواقع التواصل، وعدّها كثيرون «ساذجة ومتهورة». وفي حديث مع صحيفة الـ«غارديان» البريطانية قال السائحان أنهما «اتخذا احتياطات معقولة جداً». وقال جاغان: «أردت أن أكتشف ما يحصل في سوريا فعلاً، وعما إذا كانت وسائل إعلام الـ«ماين ستريم» بثقافتها المسيطرة، تبث لنا الحقيقة».
أضحت سياحة الحرب ظاهرة عالمية، وهي تسمية تطلقها وسائل الإعلام على أشخاص عاديين، يدفعهم فضولهم للسفر إلى أماكن الخطر. ويعتبر الكندي أيمانويل ليشا، صاحب مشروع «سائح الحرب»، من أبرز سوّاح الحرب في العالم، بعدما قام بإنجاز سلسلة أفلام قصيرة أثناء جولاته في المكسيك، سراييفو، ضواحي باريس وغيرها. ومنذ شيوعها، كانت سياحة الحرب محط جدل، نظراً لطبيعتها الإشكاليّة، وتعارضها مع المفهوم السائد والمألوف للعمل الصحافي. وفي كتابهما «السياحة المظلمة ـ جاذبية الموت والكارثة»، يرى الكاتبان مالكولم فولي وجون لينون إنّ «ظاهرة سياحة الحرب تثير قضايا أخلاقية مرتبطة بداية بطبيعتها وتفسير مفهومها، ومن ثم بردود الفعل السياسية والمهنية على مفاعيلها».
ظهرت سياحة الحرب في العالم العربي خلال حرب العراق العام 2003، وفي لبنان أبان حرب تموز العام 2006.. وانكفأت هذه السياحة لعدة سنوات لتعود وتظهر في بلدان «الربيع العربي» ومنها سوريا. وعلى هامش مؤتمر «تغطية النزاعات ودور وسائل الإعلام الاجتماعي» الذي تمّ تنظيمه قبل أسبوعين في «الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة»، قال مدير مركز «سكايز» للحريات الإعلامية أيمن مهنا لـ «السفير» أنّه «لا يمكن اعتبار سياحة الحرب ظاهرة طاغية في سوريا بعد، إلا أنّه لا يمكننا التغاضي عنها. فسواح الحرب يختلفون عن الصحافيين المستقلين ممن يملكون خبرة واسعة في تغطية الحروب. كما أنه لا يمكن إدراجهم ضمن فئة الصحافيين المبتدئين الذين يعتبرون أن تغطية الحرب في سوريا هي فرصة ذهبية بالنسبة لهم، خصوصاً وأن العديد من وسائل الإعلام الغربية والعالمية تقوم بشراء موادهم، لتضعهم على طريق الشهرة».
من جهته، يرى مدير مكتب «وكالة الصحافة الفرنسية» في بيروت سامي كيتز، إنّ «الفضول وحبّ الاستكشاف هما صفتان أساسيتان كافيتان لتبرير توجّه الصحافيين وكذلك سواح الحرب، نحو أماكن الخطر ومنها سوريا، إذ أن معظم هؤلاء الأشخاص قاموا بتقديم تقارير رائعة خلال تواجدهم في سوريا». برأيه، تكمن «الثغرة الأساسية في عدم نزول الكثير من طلاب الصحافة إلى الميدان لتطبيق ما تعلموه على أرض الواقع». أما في ما يتعلّق بمصداقية المواد التي يؤمّنها سوّاح الحرب، يقول كيتز أن «القضية هي كيف ننظر إلى المعلومات خلال تغطية الحرب في سوريا. إذ يمكن أن يكون هناك الكثير من المعلومات الخاطئة والقليل من المعلومات الصحيحة أو العكس في الوقت عينه».
في ظلّ المخاطر الجدية على الصحافيين في سوريا، قامت عدة مؤسسات إعلامية منها صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية والتلفزيونات الفرنسية الرسميّة وراديو «فرانس إنتر» وصحيفة «لوريان لو جور» اللبنانية، باتخاذ قرار حاسم قضى بعدم شراء أو نشر أي تقرير أو صورة للصحافيين المستقلين في سوريا، بهدف عدم تشجيعهم على تعريض أنفسهم للخطر. ويعلّق أيمن مهنا على ذلك قائلاً «الكثير من المؤسسات الإعلامية العالمية تعجز عن مساعدة مراسليها الخاصين أو الصحافيين المستقلين الذين تتعامل معهم ممن تعرضوا للاختطاف أو الاعتقال، فهل ستتمكن من مساعدة سائحي حرب مثلاً؟ وللأسف هناك بعض المؤسسات الإعلامية العالمية تقوم بدور غير أخلاقي من خلال دعم سواح حرب أو صحافيين مستقلين غير مجهزين بتاتاً لتغطية الحروب».
ربما لا تقع مسؤولية تأمين سلامة هؤلاء الأفراد على عاتق المؤسسات الإعلاميّة، بقدر ما هي مهمّة المنظمات الدوليّة. ومن جهته، يقول مهنا أنّه «من واجب هذه المنظمات أن تحث وسائل الإعلام على إتباع سياسة موحدة تتضمّن معايير مرتبطة بالسلامة والخبرة المهنية، والمصداقية، وطريقة التعاطي مع حالات مماثلة».
المصدر : السفير