السلاملك.. حكاية قصر
القاهرة " المسلة " … فرت دمعة من عين المعماري ديمتري فابريسيوس كبير مهندسي الخديو عباس حلمي علي تحفته الأثرية إحدي روائع القرن التاسع عشر قصر السلاملك الذي شيده وسط حدائق المنتزه علي أجمل شواطيء البحر المتوسط عام1892 والذي كان ومازال مطمعا للحكومة المصرية السابقة لضمه الي قصور الرئاسة, ورغم تاريخه وقيمته إلا أنه ظل عرضة للمهانة واهدار قيمة ما أولا لتجاهله كأثر تاريخي تشرف عليه وزارة الآثار خاصة أنه يبلغ من العمر أكثر من120 عاما, ثم التعامل معه بوصفه مبني استثماري,حيث كان يخضع لوزارة السياحة باشراف شركة المنتزة بالاسكندرية و تؤجره منذ سنوات شركة انتهي عقدها في أبريل2012, و قد تم تفريغه من محتوياته لحين الإعلان عن مزايدة علنية, يشاع أنه سيتم تفصيلها لمصلحة أحد رجال الأعمال.
تساؤلات طرحها المعماري ديمتري فابريسيوس بكل سذاجة, لماذا لم تحتضن القصر وزارة الآثار خاصة أن عمره يزيد عن120 عاما, ثم لماذا انتبهت الدولة له الآن, ولم لاتمنح المستأجر فرصة أخري خاصة وإذا كانت وزارة السياحة تنوي الالتزام بالقوانين فلماذا لم تدع الفرش والمحتويات كما هي لتثبت حسن نيتها
واذا كانت شروط المزاد تنص علي ضرورة الحفاظ علي القيمة التاريخية للقصر,وأن يكون المستأجر لاتقل خبرته عن10 سنوات في مجال إدارة الفنادق فهل سيؤول المزاد علي شخصية تمتلك هذه المواصفات أم ستتغاضي عن هذه الشروط مقابل رفع قيمة الإيجار ؟
تبرأ عادل عبد الستار الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار من تهمه إهمال قصر السلاملك باعتبار أنه لم يسجل أثر, بل ما تم تسجيله منه هما كشك الشاي والطاحونة التي تتوسط حديقة القصر, وطبقا للقانون17 فأن أي تغيرات في معالم المبني معماريا من شأنها أن تسقط المبني من التسجيل كأثر, حتي وإن كان شاهدا علي أحداث مهمة وتاريخية أو تعدي عمره المائة عام
وأشار الأمين العام الي أن قرارات تدخل الآثار لن تتأثر بأي ضجة سياسية, لأن الآثار حسب تعبيره- لن تسيس, مؤكدا أن الآثار لن تتخذ قراراتها إلا بهدف الحفاظ علي المباني التاريخية, فهناك الكثير من المباني القديمة التي تقرر اللجنة العلمية للآثار أنها لا ترقي لمستوي أثر, لذلك قرر عادل عبد الستار الرجوع الي ملف القصر ومعرفة السبب الحقيقي وراء عدم تسجيله كله كأثر. أما المستشار القانوني لوزارة السياحة شريف اسماعيل فقد أشار الي نزاهة المزاد العلني الذي سيلتزم بشرطيه الأساسيين ولن يغريه رفع القيمة الايجارية,فالغرض الاساسي هو الحفاظ علي القصر وتاريخيه.
بعد كل هذه الحيرة أراد معماري القصر ديمتري أن يلقي نظرة أعتبرها نظرة الوداع للقصر فلا أحد يدري حتي الآن ماذا سيكون مصيره, فسقطت دموعه لتروي تلك الغابات الصناعية التي ملأها بالحيوانات في حديقة القصر لكي يستمتع الخديو وضيوفه بالصيد, فهذا الفندق الملكي بناه ليكون استراحة صيد للخديو عباس وصديقته النمساوية الكونتيسة ماي- توروك هون زندرو التي سميت بعد زواجها من الخديو جاويدان هانم فهنا دبت خطواتهما معا في ممر طويل يزدان سقفه وحوافه بالزخارف الكلاسيكية المنمقة, والتي تزحف كتحويرات نباتية في الزوايا وبطول كورنيش السقف لتمر علي14 جناحا, و6 غرف فاخرة لكل منها اسم ملكي و طابع خاص وديكورات تتناغم مع سحر الملكية
زحفت دموع هذا المعماري الذي تعلم في فيينا واعتبر العالم هذا القصر من أروع أعماله لتصل الي مطعم الفاروق, ومطعم الفريدة ليتذكر جلسات الملك فاروق الأول مع وزرائه هنا الي جوار البيانو الذي أخذ مكان مكتبه الخاص, فهنا كان يدار الحكم في مصر, وقبل أن يتحول الي مطعم كان قصر السلاملك المكتب الخاص للملك فاروق ومقر استضافه لضيوفه ووزرائه.
ثم تحول الي السكن الصيفي للأسرة المالكة ككل, وتحكي الجدران لصديقها الحنون ديمتري عن لوعة فراق الملك فاروق في أعقاب ثورة يوليو, وبداية رحلة المهانة للقصر, حيث قامت الثورة بتسليم القصر لوزارة الثقافة وحولته الي فندق عن طريق احدي شركات السياحة, التي أهدرت قيمته وإستولت علي ماتبقي به من تحف ولوحات نادره حتي مقابض الأبواب المرصعة بالذهب, كما نالت أيادي التخريب من زخارف جدرانه وزجاج نوافذه الذي يعد جدرايات فنية نادرة القيمة,, هنا علا صوت بكاء ديمتري فقد قصر الطابع الأثري, ولكن وجهه عاد الي شجنه وانفرجت اساريره عندما دخل الي البهو وأخبرته نقوش الجدران والنوافذ الزجاجية المعشقة أن الحال عاد كما كان وأفضل عندما قررت الدولة أن تؤجر القصر عن طريق مزاد علني ليعود للقصر هيبته التاريخية وطابعه المعماري الأصيل واستغرق اصلاحه وفرشه أكثر من7 سنوات, مما جعله مطمعا لقيادات النظام السابق التي حاولت الاستيلاء عليه بحجه ضمه الي قصور الرئاسة ليلحق بقصر التين والجوهرة التي تخضع للترميم والاغلاق منذ سنوات ولا ندري الي الآن ما مصيرها. فالمزاد يقام ليكشف عن الأخطاء في التعامل مع مثل هذه المقتنيات التاريخية.
المصدر : الاهرام