Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

قناة السبيل انشأها الرومان وخربها البريطانيون

قناة السبيل انشأها الرومان وخربها البريطانيون


مياه العروب تسير 47 كم إلى القدس منذ ألفي عام

حياة وسوق – أسامة العيسة – جهد فادي سند، ورفيقه مهند العبد، عن البحث وسط غابة البلوط الصغيرة، في الجبل المواجه لقرية ابو نجيم، جنوب بيت لحم، عن مقاطع من قناة العروب، التي تصل بين بركة الشط في العروب في جبل الخليل، وبرك سليمان، غرب بيت لحم، التي تجمع فيها المياه، قبل نقلها الى القدس، ضمن نظام انشأه الرومان وظل يعمل نحو الفي عام.

كان الاثنان انطلقا صباحا، من قرية ابو نجيم، لتتبع مسار القناة، التي تتلوى كأفعى كبيرة خيالية بين الجبال والوديان، بطول يصل الى نحو 47 كلم. وتعتبر هذه القناة، من الاجزاء المثيرة في مشروع تزويد القدس بالمياه، ويمكن تخيل الجهد الذي بذل في انشائها، ليس فقط بسبب طولها، ولكن ايضا، للطبيعة التي تحتضنها، فهي تتلوى بين الجبال والوديان، بصورة مدهشة، تدل على الخطط الخلاقة للمهندسين الرومان. تبعد منطقة العروب عن برك سليمان، مسافة لا تتجاوز الـ 10 كلم، فلماذا اذن لم يفكر مهندسو القناة، بطريقة اسهل لإيصال المياه الى البرك؟ الاجابة تتعلق بموقع بركة الشط في العروب التي تتجمع فيها المياه بقنوات من عيون في العروب، وسعير وغيرها، مثل عين الدلبة، وعين كويزبة.

ومن الواضح ان المهندسين الرومان، استغلوا ارتفاع منطقة العروب عن سطح البحر، مقارنة ببرك سليمان، فبنوا هذه القناة، التي سارت فيها المياه بقوة الجاذبية، وخضعت لأعمال ترميم عديدة، وتسمى الان من قبل السكان المحليين بقناة الكُفار.ويمكن وصف قناة السبيل بجميع اجزائها أي من العروب الى القدس، بانها كانت المشروع القومي للفلسطينيين، الذي كان شغل الانظمة المختلفة التي تتابعت على الحكم، وربما المحافظة على تدفق المياه فيها الى القدس، كانت معيارا لسيطرة أي حكومة مركزية على البلاد، وبطولها الذي يقترب من السبعين كلم، تعتبر اطول قناة في فلسطين، ومن المآثر العمرانية الفذة.

ورغم الفضول الذي يحيط بقناة العروب، الا انها ظلت بعيدة عن الاهتمام الرسمي والشعبي، ومحبي الطبيعة، والمهتمين بالبيئة، بسبب صعوبة المنطقة الطويلة التي تقطعها. سار فادي سند وهو من قرية ارطاس، التي تقع فيها برك سليمان، ورفيقه مهند، يرافقهم مراسلنا، يحدوهم الامل، بالكشف على اكبر مسافة من القناة.

وهي مهمة صعبة، كما يقول سند، لأسباب كثيرة، منها ان القناة لا تظهر في عدة اماكن بسبب عوامل الزمن، وعدم وجود اشارت دالة، او خرائط تفصيلية، وعدم توفر معلومات كافية لدى السكان المحليين، بالإضافة الى التدمير الذي تعرضت له، وهو ما يظهر خصوصا بالقرب من التجمعات السكانية، كما هو الحال في قرية ابو نجيم، التي شهدت خلال السنوات الماضية توسعا عمرانيا، مع توقف التمدد العمراني شمال بيت لحم، بسبب الاجراءات الاحتلالية والاستيطانية. وهناك تدمير له علاقة بالتنقيب غير الشرعي عن الآثار.

ويمكن على طول المسافة، ملاحظة الاشكال العمرانية المتعددة للقناة، ففي بعض المقاطع، تم بناء جدران حجرية لتحمل القناة، وبعض هذه الجدران ترتفع الى نحو 2م، وفي اماكن اخرى تم حفر انفاق، وحسب مسح اسرائيلي فانه يتخلل القناة ثلاثة انفاق محفورة في الصخر، يتراوح اطوالها بين 100-150 مترا، وهناك مقاطع من القناة بُنيت، على سطح الارض، واخرى تم فيها استغلال جانب من الصخور، بينما تم بناء الجانب الاخر، بالإضافة الى مقاطع حُفرت في الصخر، وغيرها جمعت بين عدة اشكال مما ذكر.

والمدهش في هذه القناة، هو خط سيرها من أسفل الوديان الى اعلى الجبال، وهو ما يثير الوهلة الاولى العجب، والتساؤل عن اذا كانت المياه، تخالف قوانين الطبيعة، وتندفع الى الاعلى؟ لكن العجب يزول، اذا تم استخدام ادوات لحساب مدى الارتفاع عن سطح البحر.
بعد المسير على سفح جبل محاذ لوادي الغول، تتخذ القناة في الوادي، شكل جسر يصل الى الجانب الآخر، جبل يحوي غابة بلوط صغيرة، وهي من بقايا الغابات التي عُرف بها حوض البحر المتوسط، وهناك كان من الصعب تتبع مسار القناة، لكنها ظهرت من جديد، لتشهد على براعة بناتها، في ذلك المنحدر، باستخدام عدة اشكال عمرانية.يقول سند: «الجزء الأجمل من القناة، هو المحفور في الصخور، والذي يمكن الدخول اليه زحفا، والتقاط صور رائعة، تؤكد اهمية هذه القناة».

مسار القناة في المنطقة، يستمر على حواف الجبال، وفي الوديان، كوادي الغول، ووادي دار خلاوي، ووادي الجسر في خربة ثبرة، وهنا ينقطع مسار القناة، بسبب اعمال تدمير قاسية تعرضت لها، لشق شارع. وفي منطقة وادي الجسر، التي تشمل عَبّارة حجرية على شكل قوس، يقول الرعاة في المنطقة انهم سمعوا من اجدادهم بان الجمال كانت تمر منها، يمكن الوقوف على ملمح معماري مهم للقناة، يتمثل بالجدران المرتفعة التي صمدت ألفي عام.

واذا كانت العشوائية وقلة الاهتمام بالإرث الثقافي تسببت بتحطيم مقاطع من القناة بأيد فلسطينية، فان الخطر الاهم على القناة يتمثل بالنشاط الاستيطاني، وآخر ما أثر عليها، تجريف ارض في موقع خلة القطن، حيث توجد مقاطع من القناة يطلق عليها المحليون (عينين القني) اي عيون القنوات، والمقصود فتحات تهوية لواحدة من اجمل مقاطع قناة العروب، التي حافظت على مسارها حتى الاحتلال البريطاني، حيث وجد مهندسو جيش الاحتلال الجديد، عدم جدوى المسار الطويل والمتعرج، والذي يحتاج الى ترميم وحراسة دائمة للقناة، فمدوا في عام 1918، خطا من المواسير، كما يذكر المؤرخ مصطفى الدباغ، قطره ستة قراريط إنجليزية من وادي العروب وبرك سليمان إلى القدس أي مسافة 26 كيلومترا، مستعينين في عملهم هذا بالقناة الرومانية القديمة، لكن واقع القناة على الأرض يشير أن الاستفادة من مسار القناة الرومانية كان جزئيا، ولأول مرة مد البريطانيون مياه العروب مباشرة، وعبر شارع القدس-الخليل إلى أحياء القدس الجديدة في غرب المدينة، ويمكن الاستعانة بيوميات خليل السكاكيني، الذي لم يخف بهجته مرار بالتمتع بمياه العروب، للوقوف على اهمية المشروع البريطاني الذي، لم يكن يخلو من اهداف سياسية، تتعلق بتزويد التجمعات اليهودية، فيما عرف لاحقا بالقدس الغربية، بالمياه.

وخلال الاحتلال البريطاني بقيت مياه البرك تزود القسم الشرقي من القدس. وتظهر صور تعود لتلك الفترة، ان المشروع البريطاني، ادى الى تدمير اجزاء من القنوات القديمة، المارة ببيت لحم. جدد البريطانيون مسار القناة عام 1923، ووضعت أنابيب أخرى عام 1940، وتتوفر وثائق تشير إلى اهتمام المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الحاج أمين الحسيني بها، وبترميمها.

ومن المهم الإشارة هنا، الى أن هذه القنوات التي كانت ملكية عامة، في العصر الروماني ومن ثم البيزنطي، وتحولت إلى أوقاف بعد الفتح الإسلامي العربي لفلسطين، في القرن السادس الميلادي، وتظهر بعض الوثائق ذلك، منها وثيقة حررت في الحرم القدسي الشريف في 10 صفر سنة 948 هـ (1541م) أي في العهد العثماني، وهناك وثائق أخرى حول حقوق البلدات والقرى التي تمر منها، والخلافات التي كانت تصل إلى المحاكم الشرعية حول ذلك.

يشعر فادي سند، بمرارة، لوضع القناة: «هذا ارث فلسطيني ممتد، ومأثرة عمرانية عالمية، من المهم، اذا لم نستطع حمايتها التعريف بها». وقناة العروب، ليست الا جزءا من ذلك النظام المائي الذي زود القدس بالماء، جزءا من قناة السبيل وهي ملحمة طويلة في تاريخ فلسطين، لم تُكتب بعد.

 

المصدر : الحياة الجديدة

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله