Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

سياحة خاصة في طرابلس، مدينة الموج والأفق والقلق

 

سياحة خاصة في طرابلس، مدينة الموج والأفق والقلق

 

حين تصل الى مستديرة القدس قادماً من الأوتوستراد، عليك أن تقرر من أين تدخل إلى طرابلس.فإن انعطفت يميناً وصلت الى البولفار ونصب المدينة، وبالطبع ستنعطف يساراًَ بإتجاه ساحة كرامي النور لترى شعار "قلعة المسلمين طرابلس" وتشاهد في الطريق مؤسسات وشركات وأبنية حديثة نسبياً ماراً بحطام مطعم ال KFC شاهداً على عجز مسؤولي المدينة وخيبة أهلها الطيبين (وقد وقعت الحادثة الأخيرة بين موكب الوزير كرامي وموكب أحد السلفيين على مقربة من المستديرة التي كان يقام فيها اعتصاما من أجل الموقوفين الإسلاميين، يرى معظم المحللين على أن التلكؤ في محاكمتهم، كما الإستكبار والإستقواء بالسلاح وسياسة الكيل بمكيالين، يؤدي إلى تقوية التشدد والتطرف والإنغلاق على حساب التنوع والإعتدال والإنفتاح سمة معظم الطرابلسيين).

 

أما إذا استدرت نصف دائرة وأخذت أوتوستراد عشير الداية في نيو تريبولي فستخترق كتل الباطون الحديثة التي استبدل بها المقاولون بساتين الليمون وأشجار النخيل في سياق هجرة جديدة لبعض نخب المدينة ومقاهيها ومطاعمها ومراكز عبادتها، في محاولة للإنفصال عن باقي أطراف المدينة المتعبة، وتتابع وصولاً الى مستديرة النيني وشجرة ميلادها، حيث يقع عن يسارك معرض نيماير وحديقة الملك فهد، وإن تابعت فعليك أن تمر بمدرستي الأرمن وعبرين وصولا الى بركة الحاماتي و"منطقة الحلاب"، حينها ستشهد على أن أعمال البنية التحتية أدت الى تشوهات بيئية وجمالية في شارع رياض الصلح(الكزدورة) الأجمل في لبنان، حتى لتكاد وسطيته وأرصفته تتحول الى كراج سيارات، علماً أن التشوهات طالت معظم الشوارع المعروفة وامتداداتها، كعزمي والمطران ومار مارون والمئتين، حيث أن تعمير بناية أو تنفيذ مشروع يشكل هاجساً حياتيا للقاطنين والمارة على السواء، بسبب إجتياح وجشع وعبث المقاولين وغياب المراقبة والمحاسبة والمعايير.

 

أما إذا تابعت من مستديرة كرامي باتجاه التل ومحيطه في ساحة الكورة والنجمة والزاهرية، فأنت أمام كارثة بيئية وتراثية واقتصادية إذا ما قارناها بحالتها ببعض عقود القرن الماضي، حيث شكلت المنطقة قلب المدينة النابض ووسطها التجاري الجاذب من لبنان ومن الشمال السوري، خصوصاً أنها موصولة مباشرةً بالأسواق المملوكية القديمة والتي والقلعة وغرها وينفذ فيها وحولها مشروع الإرث الثقافي بطريقة سيئة تسودها الفوضى لدرجة الإستباحة،ما يجعلنا نترحم على أيام خلت، كانت المدينة فيها رمزاً للنظافة والترتيب والأمان، والأكثر انسجاماً في نسيجها المتنوع رغم الشعور بالغبن والحرمان، علماً أن هجرة البرجوازية من هذه المناطق رافقها هجرة بعض المدارس والمؤسسات المهمة كالفرير والراهبات والليسيه من طرابلس، والمدينة تشهد حراكا واسعا، وإن مشتتا، من أجل إنقاذ الوسط ومحيطه.

أما إذا أردت أن تستدير دائرة كاملة لتتمتع بكورنيش البحر والمقطوع من جانب الملعب الأولمبي (“المشغول” من قبل الجيش والذي يشغل أيضاً قلعة سان جيل التاريخية)، فعليك أن تتمهل وأنت تمر بنصب سيف صلاح الدين الذي يبعد بضعة أمتار عن مستديرة القدس!، ثم تلتفت يساراً للتمتع بمنظر البحر قبل أن تبتلع الشركة الجديدة مليون متر مربع منه، وهو ما بدأ يحدث جدلاً في كل زاوية من زوايا المدينة، علماً أن الكورنيشن المردوم أصلاً، يكاد يتصومل مع عشوائية البسطات وغزوالقذارات وانتشارالمخالفات والمراكز العسكرية، حتى أن المبنى الجديد والجميل لبلدية الميناء مخالفٌ ويغطي جانبا من تراث وتاريخ الميناء، وربما من محاسن الصدف أن الرئيس ميقاتي اشترى منزلين تراثيين في منطقة الشيخ عفان، فلعله يندفع ويرمم معهما هذه المنطقة خصوصاً اللسان التعيس الذي تركن وترمم فيه بعض مراكب الصيادين.

 

أما إذا أردت الصعود الى القبة، ققد تمر بنهر أبو علي الذي كان يشبه بجسوره القديمة وامتداداته في خان العسكر وشارع الكانئس ومتفرعاته في الزاهرية جانباً من مدينة البندقية قبل عشوائية التحديث بعد الفيضان، علماً أن الإرث الثقافي لن يستطيع إزالة البشاعة كلياً، خصوصاً مع سوء الإدارة والتخطيط والتنفيذ.

 

أما المرور عبر التبانة وبعل محسن وغيرها من مناطق التوتر فيشكل خليطا من المغامرة والسوريالية معا، فالتوتر مرعي منذ إحتلال النظام السوري لطرابلس، خصوصاً حين تصاعد الصراع السوري الفلسطيني وصولا الى اقتحام المدينة سنة 85 وتنفيذ مذبحة التبانة، ما جعل أهلها الطيبين من علويين وسنة وغيرهم رهينة دائمة لهذا الواقع المستمر والذي أدى الى جعل المنطقة واستطراداً المدينة تدفع ثمن الأزمات السياسية والإقتصادية مضاعفا، وازداد الأمر سوءا بعد زلزال الإغتيالات(بدءا بالحريري) وصولا لاجتياح بيروت وبعض الجبل في أيار2008، ومع اندلاع الثورة السورية، في سياق الربيع العربي، وتحولها الى ثورة مسلحة بعد تعرضها للقمع العاري، بدأت هذه المنطقة رحلة معاناة جديدة، إذ تحولت الى ساحة بريد يدفع ثمنها الأبرياء والفقراء من اللحم الحي، كما تدفع المدينة تراجعاً دراماتيكياً في إقتصادها المتهاوي أصلاً، خصوصاً بعد تدمير وتهجير مصانعها ومؤسساتها وبناها الخدماتية آبان الحرب الأهلية، وما استتبعها من هجرة نخبوبة، خصوصا خلال سيطرة حركة التوحيد الإسلامية ولاحقا إحكام القبضة السورية على المدينة والبلد.

 

إلا أنه ورغم الواقع المأزوم والمألوم للفيحاء فإننا لطالما نظرنا نظرة تفاؤلية للمستقبل، خصوصاً على المدى المتوسط بالنظر لما تملكه من طاقات وإمكانيات تاريخية واقتصادية وسياحية وجغرافية، كما أن المدينة القلقة تقاوم هذا الواقع، رغم تردد وتلكؤ بعض نخبها واستنكاف المسؤولين والقوى السياسية المنشغلة بالأزمات العامة، والتي لطالما تعاطى معظمها مع المدينة وأزماتها تعاطياً فوقياً وهامشياً، كما ريعياً وخدماتيا، ما يؤدي إلى تسكين التوتر بدل احتوائه وانهائه عبر ارساء سيادة مؤسسات الدولة أمنياً وخدماتياً، وهذا ما كان يستدعي استكمال قضية الإعمار والمصالحة التي بدأت في 2008، والتي وللأسف تبدو الآن مرتبطة بسرعة سقوط النظام السوري وليس برغبة إنقاذ وحماية المناطق الافقر والأكثر حرماناً في المدينة، ما يحملنا قلقا إضافيا.

 

ولعل مقاربة قضية بلدية طرابلس تلخص الى حد كبير ما نوصفه من تعاطي "دون السياسي" مع الأزمات. فبلدية طرابلس ومجلسها بحالة متدهورة منذ أن انفرط عقد المتحالفين الذين اختزلوا المدينة بشبه تعيين، أدى الى ضمور وتضعضع في الدور الرئيسي لأهم بلدية في لبنان، ذلك أن صلاحية مجلسها أوسع من صلاحية مجلس بلدية بيروت لتداخلها مع صلاحية المحافظ، علماً أن وكالة محافظ الشمال لبيروت تزيد من الإهمال والتراجع في إدارة المدينة، والأفضل أن ينفرط المجلس مع التحالف الذي أنتجه وتنتخب المدينة عبر المنافسة مجلسا جديدا يعبر عن نسيجها الإجتماعي والإقتصادي والمهني والمدني والسياسي أيضا “وليس حصرا”.

إن وصول الإنقسامات السياسية لمستويات إنشطارية في طرابلس جعل واقعها مأساوياً على كل الصعد، خصوصاً على الصعيدين الأمني والإنمائي. وفي هذا السياق تأتي قضية رئيس البلدية(التلويح بالإستقالة) والآثار المترتبة على الدور المأزوم أصلاً، خصوصاً أننا سنكون أمام تراجع في أداء البلدية مهما كانت الحلول لأن الحل الأمثل هو استقالة جماعية لكل أعضاء المجلس البلدي نتيجة انفراط التحالف الذي أتى به، وهذا ما يبدو للأسف بعيد المنال. ولعل الإيجابية الوحيدة من أزمة المجلس البلدي تكمن في ضخ المزيد من القوى والهيئات والمواطنين في طاحونة حراك المجتمع المدني، ذلك أن من نتائج الأزمة تراجع في الخدمات الأساسية في المدينة، وتكاد المنتديات في نادي الجامعيين والرابطة الثقافية وقصر نوفل وبعض المقاهي والغرف والمكاتب والجامعات لا تخلو من اللقاءات والحوارات والمماحكات حول واقع المدينة ومجلسها البلدي، وتتقاطع معظمها حول ضرورة استقالة المجلس برمته وترك المدينة تنتخب مجلسها.

 

وفي التبحر بواقع الحراك المدني المستمر فصولاً منذ فترة في مواجهة البؤس والعنف والتطرف والإستباحة، نستطيع أن نسجل مزيداً من انخراط القوى النقابية والإقتصادية والمدنية في هذا الحراك، مع أنه يعاني من غياب الخطط والنفس الطويل، كما أنه يعاني من الإختزالية والشخصانية والشللية، علماً أن المدينة مرت في السابق بتجربة التجمع الوطني المميزة التي امتدت حتى أواخر الثمانينات، حين كانت الرابطة الثقافية تطلق الشعراء وتحتضن الفنانين العشرة وتكثر من الموسيقى والمسرح، كما تعقد فيها المؤتمرات الفكرية والتربوية وتنطلق منها ومن غيرها حركات التضامن مع الجامعة وحركات الإحتجاج والتظاهر حتى في وجه الوصاية ومخابراتها.

إن التنسيق بين قوى المجتمع المدني واتباع أساليب عمل ديمقراطي كالإعتصام والتظاهر هوما يجب أن نعمل له لتطوير المبادرات بين المجموعات مهما كانت صغيرة حى لا تبقى محدودة الفعالية، أما أوهام البعض،مهما حسنت نياتهم، في تركيب قوالب جاهزة تختزل العمل المدني فهذا يشكل الوجه الآخر للشللية، ما يعني أنه علينا أن نتحرك بين هذين الحدين من أجل استنهاض قوى المدينة ونخبها وجماهيرها للضغط على المسؤولين، خصوصاً المسؤولين الحكوميين و"البلديين"، فالطموحات الشخصية مشروعة بالقدر الذي لا تتحول فيه الى شخصانية معرقلة، علماً أن الهيئات المنتخبة تستطيع أن تلعب أدوارا أساسية في مدينة معرضة لمخاطر جمّة، فم تعد المغادرة حكرا على شبابها بحثا عن الأمان ولقمة العيش، بل وصل الأمر بمغادرة مفتيها المتنور تحت التهديد.

 

ورغم الإشارة إلى تفكك في أواصر المجتمع المدني، إلا أنه ليس هامشيا، فلو التفت القادم إلى المدينة يمينا باتجاه تلة المون ميشال، لرأى إصرار مغامرين من هذا المجتمع على متابعة ثمرة إنجازهم في المدينة الجامعية ذات الوظائف الأكاديمية والإنمائية والتوحيدية بمواجهة الجهل والبؤس والفرز(وقد قيل لهم في البداية "أنكم كمن يحفر الجبل بإبرة")، علما أن حركة هؤلاء المبادرين أطلقت حركات تحديثية متنوعة في المدينة وعموم الشمال، منها حركة الجداريات كجدار بوزار للسلام ونصب التواصل الثقافي والإجتماعي في القبة والذي قالت إحدى الصحف فيه "بوزار تمحو خطوط التماس الطرابلسية". فبمواجهة تمدد هذه الخطوط داخل المدينة القلقة، تحاول مكونات المجتمع المدني التواصل والمواجهة على قاعدة الإنفتاح الطرابلسي التاريخي الذي شكل ظهيرا لثقافة الحياة ولشعار لبنان أولا، لا على قاعدة نظريات القلعة والملجأ، والتي وإن أتت من ضفاف طائفية ومذهبية ومناطفية مختلفة، إلا أنها تتقاطع في الإستئثار والإلغاء والفرز والعنصرية، خصوصا للاجئين. ولنا على كل في منوعات النقاشات في قوانين الإنتخاب وغيرها من القضايا وما يرافقها من فتاوى من البعض ضد الزواج المدني وما يقارب الحرم الكنسي ضد قانون الستين من البعض الآخر خير دليل على ذلك، حتى وصل الأمر بالبعض إلى استبدال قانون 1960 الغير العصري بمشروع الفرز(لي)، الذي يعود ل1860!.
 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله