السياحة في اليابان تعود للحياة بعد كارثة فوكوشيما.. ولكن ببطء
آيزو "ادارة التحرير" …. منذ كارثة التسونامي الذي ضرب شرق اليابان في 11 مارس (آذار) الماضي تجاهد السياحة اليابانية للخروج من التدهور المريع والعودة إلى مستوياتها قبل الكارثة. وحتى المناطق البعيدة جدا مثل ولاية أوكناوا التي تقع في أقصى جنوب اليابان تأثرت بكارثة التسونامي وما تلا ذلك من حادث التسرب الإشعاعي في مفاعل داييتشي.
وحسب المعلومات التي نشرت أثناء مؤتمر منظمة السياحة الماضي الذي عقد في اليابان، انخفض عدد السياح الأجانب إلى اليابان بنسبة 28 في المائة خلال عام 2011 عن مستوياته في عام 2010 حيث بلغ عدد السياح في العام الماضي 6.2 مليون سائح مقارنة بـ8.6 مليون زائر في عام 2010. وهو ما دعا منظمة السياحة العالمية لعقد مؤتمرها السنوي في أبريل (نيسان) الماضي في مدينة سينداي عاصمة ولاية مياياغي شرق اليابان لطمأنة العالم أن السياحة آمنة في اليابان ولا يتعرض الزائر إلى مخاطر الإشعاع الذري التي تنحصر في منطقة دائرية نصف قطرها 20 كيلومترا من المفاعل وأجزاء قليلة من إقليم هامادوري يجري العمل على نظافتها من التلوث. ولكن لم تتأثر مناطق اليابان فقط بانخفاض سياحة الأجانب ولكنها تعاني كذلك من انخفاض سياح الداخل وسط تفاعل الإشاعات والتغطيات الإعلامية التي تبحث عن الإثارة أكثر من التغطية العلمية.
وتعد ولاية فوكوشيما أكثر الولايات تضررا من انخفاض السياح تليها الولايات المتاخمة. وتتكون ولاية فوكوشيما من ثلاث مقاطعات رئيسية هي مقاطعة هامادوري على ساحل فوكوشيما وهي من أكثر المناطق المتضررة من الإشعاع الذري، وإقليم ناكدوري في وسط الولاية، ومقاطعة آيزو في الغرب. وإقليم آيزو من المناطق السياحية الغنية بالتاريخ والآثار وهو ذو طبيعة خلابة تعلوه الجبال والهضاب وتتخلله الوديان والأنهار والينابيع الدافئة. وصلت «الشرق الأوسط» إلى هذا الإقليم مساء السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) حيث نزلت البعثة الصحافية التي تتألف من ممثلي الصحافة الصينية والتايلاندية والإندونيسية والهندية والتركية التي كانت قد دعتها وزارة الخارجية اليابانية لزيارة اليابان والتعرف على المناطق المتضررة ما بعد التسونامي وكارثة الإشعاع.
طوال الرحلة من مدينة كوريياما كبرى مدن ولاية فوكوشيما كانت السيدة مايكو يوشيدا المترجمة التي صحبت فريقنا الصحافي تمدنا بالمعلومات التاريخية والأثرية والثقافية عن الإقليم وهي ليست مترجمة فحسب ولكنها سيدة عالية الثقافة رفيعة الذوق كانت تجيب عن تساؤلاتنا في صبر وتمدنا بالمعلومات كلما مررنا بمنطقة ذات أهمية في التاريخ الياباني الحافل بالعطاء والنجاحات والقفز فوق الجراحات. والشعب الياباني شعب عملي وعلمي التفكير، شعب صبور ومتواضع في كبرياء بسيط في حياته المعيشية، دقيق وعلمي في حياته المهنية.
سألتها «الشرق الأوسط» أثناء الرحلة عن سر عدم وجود منازل فارهة ذات مساحات كبيرة في المدن التي مررنا بها في اليابان رغم أن شعب اليابان غني بمقاييس دخل الفرد ومقاييس الناتج المحلي. قالت السيدة يوشيدا بكل بساطة إن الناس هنا لا يهتمون كثيرا بحياة الرفاه والمساكن الكبيرة كما أن الأراضي ضيقة في الجزر اليابانية التي يسكنها نحو 120 نسمة. ولاحظت «الشرق الأوسط» أن الشعب الياباني يؤمن بالروابط الأسرية ويجمع بين العراقة والحداثة في بوتقة واحدة.
وفي مساء تلك الليلة وصلنا إلى مدينة آيزو هاتاكاري عاصمة إقليم آيزو حيث حططنا الرحال في فندق «هاتاكاري» الجميل. وهو فندق من الطراز الياباني التقليدي الذي لا توجد فيه أسرة حديثة وإنما يفترش النزيل أرض الغرفة كما في الطراز العربي القديم تماما. ويقع الفندق على هضبة عالية ويطل بهو الفندق على شلال وينبوع دافئ تصل درجة الحرارة فيه إلى 45 درجة مئوية. وهو من الفنادق التي يؤمها اليابانيون للاستراحة والاستمتاع بالحمام الدافئ في أيام الشتاء.
وفي الصباح زرنا مدينة آيزو، وقال مسؤول السياحة ياسوهيرو سوزكي «رغم أننا لم نتأثر بالتسونامي والتسرب الإشعاعي لكننا نعاني من هذه الكارثة لأن هنالك إشاعات كثيرة ومعلومات خاطئة عن المنطقة تبعد الزوار عن المجيء للسياحة هنا». وأضاف أنه بسبب هذه الإشاعات انخفضت السياحة بمعدل 70 في المائة في مدينة واكاماتسو بعد كارثة التسونامي. وبالتالي فقد تأثر النشاط الاقتصادي والتجاري بالمنطقة بدرجة كبيرة، فالمطاعم والفنادق والمواصلات التي كانت تكتظ بالسياح فقدت زخمها. وقال إن بعض هذه الإشاعات تتركز حول تلوث المنطقة والأغذية بالإشعاع الذري وهذا غير صحيح ولكنها إشاعات على أي حال ترعب السياح وتبعدهم عن زيارتنا. وأشار إلى أن السلطات السياحية في المدينة تعمل على تصحيح هذه المفاهيم عبر وضع المعلومات الصحيحة والعلمية الموثقة في مواقع الإنترنت على أمل استعادة الثقة السياحية في المدينة. ومدينة آيزو واكاماتسو تبعد نحو 100 كيلومتر عن مفاعل فوكوشيما وتوجد بها قلعة أثرية يعود تاريخها إلى إحدى الأسر الأرستقراطية التي حكمت المنطقة. ومن أعلى القلعة يشاهد الزائر سحر الطبيعة والمناظر الطبيعية الخلابة حيث تحيط بها الجبال الشاهقة التي كان يعلوها الجليد حينما زارتها «الشرق الأوسط» يوم الثلاثاء الماضي وتتخللها الوديان والأنهار الصغيرة.
وقال إن سلطات المدينة اتخذت إجراءات إضافية لاستعادة السياح حيث نظمت رحلات إلى طوكيو ومدن اليابان الصديقة للاتصال الشخصي والاجتماع بالوكالات السياحية، «كذلك دعونا صحافيين لزيارة المنطقة للتعرف والتأكد من السلامة الصحية وخلو المنطقة من التلوث الإشعاعي». وقال إنه كان أسلوب الاتصال المباشر مهما لنشر المعلومات حول منطقة آيزو. وأشار إلى أهمية الدعم الذي وجدته المنطقة من الحكومة اليابانية والمواطنين من داخل اليابان ومن الخارج لتصحيح المفاهيم حول حقيقة الوضع الصحي. وقال «بسبب هذه الجهود ارتفع عدد السياح، ومنذ الخريف الماضي واصل عدد السياح الارتفاع حيث نما عدد السياح بنسبة 70 في المائة خلال العام الحالي مقارنة بمستواه المنخفض في الشهور التي تلت الكارثة». وقال إن هذا يعني أن علينا أن نواصل العمل الدؤوب لجذب النسبة المتبقية (30 في المائة). وحينما تجولت «الشرق الأوسط» في المدينة لاحظت أن المدينة تم ترميمها تماما ولا وجود لأي آثار للتسونامي ولا يشعر الزائر أن هذه المدينة تعرضت لتسونامي أصلا. ومن الأسباب التي أدت إلى انخفاض عدد السياح في منطقة آيزو كذلك انخفاض عدد الرحلات الخارجية إلى مطار فوكوشيما وهي مدينة تبعد 60 كيلومترا عن المفاعل النووي الذي تسربت منه الإشعاعات الضارة. ورغم أن مدينة فوكوشيما لم تتأثر بالتسرب الإشعاعي وأن معظم دمار التسونامي تم إصلاحه لكن الرحلات الجوية لا تزال تتفادى هذه المدينة.
وقال سوزكي إن هنالك نسبة 20 في المائة من السياح الذين يؤمون المدينة يأتون من الخارج ومعظم هؤلاء السياح يأتون لزيارة المدينة من تايوان وكوريا الجنوبية ودول آسيا وهنالك عدد قليل من أميركا وأوروبا. وأضاف أن مدينة واكاماتسو تنفق سنويا نحو 740 مليون ين على الترويج السياحي وقد رفعت ميزانية الترويج السياحي هذا العام بنسبة 20 في المائة. وفي مساء يوم الثلاثاء زارت «الشرق الأوسط» مدينة سنداي عاصمة إقليم مياياقي حيث بات الوفد الليلة في فندق «مونتري» الذي يشكل سلسلة من الفنادق تتخلل معظم المدن اليابانية. وهي من أكبر المدن في إقليم توهوكو ويقدر عدد سكانها بنحو مليون نسمة وتعرف بمدينة الأشجار المضيئة وفي الصيف تشتهر لمهرجاناتها. وأول ما دخل الوفد المدينة فاجأته الأنوار القوية المعلقة على الأشجار المصطفة على جانبي الطرق الرئيسية في مشهد رائع يميزها عن مدن العالم.
وتوجهت «الشرق الأوسط» في الصباح الباكر إلى خليج ماتسوشيما السياحية حيث أخذها كويجر إركاوا صاحب أحد اليخوت السياحية في رحلة عبر الخليج اطلعت فيها «الشرق الأوسط» على المعالم السياحية في الخليج وكيف كانت المنطقة تعج بالسياح قبل كارثة التسونامي وما تلاها من حادث التسرب الإشعاعي من مفاعل داييتشي. ويتكون خليج ماتسوشيما من 260 جزيرة صغيرة تنتشر على طول وعرض الخليج، وقال إنها كانت بمثابة درع واقية ساهمت بشكل كبير في تخفيف ارتفاع الأمواج من 15 مترا إلى نحو 3.5 متر، مما قلل خسائر التسونامي.
ووصف إركاوا لحظات الزلزال بقوله «حينما حدث الزلزال في 11 مارس كنت في قاربي السياحي كالعادة شعرت بالصدمة العنيفة ولم أكن أعرف مقداره وخطره ولكنني بعد برهة عرفت أنه زلزال هائل لأنه اقتلع القارب من تحت، وبعدها سمعت من الراديو أن زلزالا بمقدار 9 درجات ريختر ضرب المنطقة وأن تسونامي هائلا يتجه نحو المنطقة». وأضاف أنه «قبل 50 عاما ضرب المنطقة زلزال ولكنه لم يتسبب في تسونامي وظننت أن زلزال الحادي عشر من مارس لن يتسبب في تسونامي ولكن سرعان ما رأيت الأمواج العالية تكتسح الخليج وتعلو الجزر المنتشرة في المنطقة وتغمر السهول حتى مدينة سنداي».
ولحسن الحظ لم يمت أحد من طوفان المياه التي اكتسحت المنطقة بأكملها، وقال إن «السكان هرعوا إلى معبد بوذي قريب من الخليج وخسرنا نحن في اتحاد القوارب قاربين متوسطي الحجم وقاربين صغيرين من عدد القوارب السياحية التي يملكها اتحاد أصحاب القوارب السياحية التي يبلغ عددها 70 قاربا». ولكنه قال إن المنطقة تمكنت بعد 40 يوما فقط من إصلاح الأعطاب وعودة الحياة للسياحة بفضل مساعدة الجميع. وقال «في أعقاب التسونامي كانت هنالك أكوام من الأشجار والمنازل والمخلفات عائمة في المياه». وأضاف أنه «في 20 أبريل عدنا إلى ممارسة العمليات السياحية ولكن 40 في المائة فقط من الزوار عادوا للسياحة في منطقة الخليج خلال عام 2011».
وأضاف أنه «بدأ العدد يرتفع وفي عام 2012 تمكنت منطقة خليج ماتسوشيما من استعادة 80 في المائة من السياح». ولاحظت «الشرق الأوسط» على اليمين واليخت يبحر في الخليج مجموعة من البالونات العائمة، ولدى السؤال عنها تبين أن هذه البالونات ترسم خريطة لطوفان التسونامي حينما اكتسح المنطقة وعلى الشمال كانت هنالك بعض الجزر التي ساهمت في خفض أثر التسونامي ولكن هنالك جزيرتان تدمرت فيهما الحياة من أصل 260 جزيرة. ولاحظت «الشرق الأوسط» يختا محطما يرسو على طرف الخليج في الجانب الشرقي يقف شاهدا على بشاعة كارثة التسونامي التي أرعبت المنطقة.
وحينما سألت «الشرق الأوسط» إركاوا عن شعوره حينما ضرب التسونامي الخليج قال إنه صدم وظن أن هذه نهاية العالم، «ولكن حينما تدفق المتطوعون من كل أنحاء المنطقة مباشرة بعد الزلزال تشجعت وشعرت أن العالم بخير». وقال إن التسونامي ضرب محطة توهوكو للكهرباء التي بنيت حديثا وحطمها تماما، «وبالتالي فقدنا التيار الكهربائي». ويملك المشغلون الأفراد في خليج ماتسوشيما 70 يختا من النوع الصغير و5 يخوت متوسطة ويختين كبيرين تتراوح سعتهما بين 200 و300 شخص، وهنالك شركة كذلك مشغلة لليخوت السياحية، وقال إن هنالك شركات أخرى كانت تعمل في السياحة لكنها توقفت الآن بسبب الخسائر التي تعرضت لها جراء قلة الزوار خلال الفترة الماضية.