الحج : هل هو شعيرة دينية أم استنزاف مادي ؟
يجب عند معالجة الخلل الوقوف على السبب ، ومحاولة إيجاد الحلول الجذرية له ، عندها نستطيع أن نقول : إننا بدأنا نتلمس خطوات حل المُشكلة الأولى
بقلم : د. محمد عثمان الثبيتي
تبادر إلى ذهني هذا التساؤل وأنا استمع إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده سموأمير منطقة مكة المكرمة – رئيس لجنة الحج المركزية – الأمير خالد الفيصل ، وبالتحديد عندما أعلن عن العدد الكبير من الحجاج غير النظاميين الذين افترشوا الأرض غير عابئين بتداعيات هذا الفعل السلبية .
ومع تحرك الاستفهام في ذهني عن الممارسة غير الحضارية من قبل هؤلاء الحجاج برز صوت أرجعني إلى رشدي وخاطبني بلغة زاجرة قائلاً : قبل أن تتهم الناس بمثل هذه الاتهامات عليك – أولاً – بالبحث في مُسببات حدوث هذا الأمر ، ومن ثم ارمِ سهامك على الفاعلين .
هذا الصوت الزاجر جعلني أُعيد حساباتي في نظرتي غير الموضوعية لإقدام هذا الكم الهائل من الحجاج على الافتراش ، فلولا وجود مُسبب لَمَا حدث السبب ، وبعد جولة بين بعض الدوافع التي توقعت أنها وراء وقوع هذا الأمر ، وإجراء المُفاضلة بينها وجدتُ أن ارتفاع سعر حملات حجاج الداخل هو السبب في تعاظم هذا العدد المهول ؛ خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن كل المفترشين هم من حجاج الداخل – سعوديين ومقيمين – . فإذا عُرف السبب بطل العجب – كما هو منطوق المثل الشعبي – فالمُتتبع لأسعار الحملات يجد فيها مُبالغة غير منطقية للخدمة المُقدمة ، فليس من المعقول أن تكون تكلفة الحاج الواحد في الحملة لفئة ( أ ) 9500 ريال ، ولفئة ( ب ) 7000 ريال ، ولفئة ( ج ) 5000 ريال ، ولخادمات المنازل 4000 ريال من مدينة لا تبعد عن المشاعر المُقدسة مسافة القصر والجمع في الصلاة وهي مدينة الطائف ، فما بالكم ببقية مناطق المملكة التي يبعد بعضها بآلاف الكيلومترات !!
يجب عند معالجة الخلل الوقوف على السبب ، ومحاولة إيجاد الحلول الجذرية له ، عندها نستطيع أن نقول : إننا بدأنا نتلمس خطوات حل المُشكلة الأولى ، أما إذا كانت الحلول المُقدمة مُؤقتة فلن يتحقق شعار : حج بدون افتراش ، مهما تعددت وسائل المراقبة .
إن المُعالجة – من وجهة نظري – تبدأ من إعادة هيكلة الحملات ، والنظر في الأسعار التي تفرضها على الحجاج لسببين هامين يتعلق الأول بالجهات الرسمية المتمثلة في وزارة الحج وهو : انتفاء فرضها رسوماً على مستثمري الحج عن طريق الحملات ؛ على اعتبار أن مشروع الخيام في منى – تحديداً – قد أعاد تكلفته أضعافاً مُضاعفة ، ولم تعد الحاجة ماسة لفرض هذه الرسوم ، ويتعلق الثاني بمستوى دخل الفرد – مواطناً كان أم مُقيماً – فلو أُجري مسح عشوائي للحجاج المُفترشين لوُجد أن أكثرهم من المُقيمين المُعدَمين أو السعوديين ذوي الدخل المُحدود الذين لا يستطيعون دفع تكلفة الحملة لشخص واحد ناهيكم عن الدفع عن بقية أفراد العائلة المُلزم بهم شرعاً .
من هذا المنطلق يجب تخلي وزارة الحج عن فرض رسوم على مستثمري الحملات كإجراء أولي ، ثم يتبعه تخفيض رسوم الحملات على حُجاج الداخل تحت إشراف الوزارة نفسها ، بحيث تكون في متناول اليد لجميع المستويات المعيشية ، وبعد ذلك يتم تطبيق أقصى العقوبات على الحجاج المفترشين ، أما بدون ذلك فأنا متأكد بأن الوضع سيبقى على ما هو عليه ، وتستمر المُشكلة دون أن تُحل .