التطبيع السياحي نعم. توريد الزبالين نعم. الأكاديمي لا!
بقلم: جمال نزال
هذا المقال لا يدعو لفكرة معينة. ولا يرفض فكرة معينة. هو محاولة للتفكير وإلقاء رؤية نقدية على بعض مفاهيمنا غير المتماسكة. ثمة هشاشة في نظرتنا وطرحنا وطريقة تعريفنا لبعض الأمور.
ما الشعرة الفاصلة بين التطبيع واللاتطبيع؟ ما الفرق بين السياحة و الثقافة وما مفهوم التطبيع في الحالتين؟؟
قد تكون السادسة صباحا على شاطئ من شواطئ تل أبيب او حيفا أو مكان آخر في إسرائيل. وقد ترى بعينك أن فلسطينيا متخرجا لتوه من التوجيهي يجمع بالملقط الحديدي الطويل زبالة يلتقطها من على قارعة الطريق ويضعها في كردل كبير يدفعه أمامه ويطوف بالأنحاء. وقد يقول صوت في نفسك: الحمد لله أنهم أعطوا تصريحا آخر لفلسطيني آخر ليترزق به. جيد أمر تصاريح العمل وخصوصا في مجال أعمال الزراعة والبناء والحراثة والزبالة وتنظيف الحمامات وال.. وسواها. لا يثير هذا الغيرة أو الحمية في نفوس دونكيشوتات التحريم الأوتوماتيكي. وهو أمر صحي بنتيجته شبه النهائية لأننا شعب عملي يحب الترزق. وفي ثقافتنا الشغل ليس عيب. وأنا شخصيا كنست منجرة لمدة أسبوع في عام 1993 عندما كنت في مستهل مسيرتي الطلابية بأوروبا. لقد كنست جميع زواياها وفي نهاية الأسبوع حصلت على 500 مارك هي ثلثا ما كنت أحتاجه للدراسة في شهر.
لا أحد ينظر لقوى النظافة الفلسطينية في إسرائيل كتطبيع. مع أن غياب النظافة عن شوارع إسرائيل قد يضرها أكثر بكثير من غياب الباحثين الفلسطينيين أو العلماء أو الأطباء- غير المرغوب بهم هناك أصلا. لكننا نفضل أن نقطف لهم الزيتون ونزيل الواقيات المستعملة ليلا من على رمال شواطئهم على أن "ننفضهم" محاضرة بفم فنان أو مفكر أو أكاديمي من فلسطين. هذا ما قسمناه لإنفسنا وما قسمه لنا أحد.
والداهي أن يتسابق بعض أبطال تحريم ما يسمونه "التطبيع" للحصول على تصريح سياحة إلى إسرائيل. وقد يدخل بعضهم لا كلهم بنظارة شمسة وطاقية خواجات وعلكة إلى متحف إسرائيلي ويصطنع لكنة فرنسية على عبرية متفحمة من شدة تكسرها. ولسان حاله: أنا هنا في مقام سياحي لا يقافي. وهو توأم زواج المتعة. أو ثقافة المتعة. أو "التسييح" بدل التطبيع. والله أعلم. وقد نشوي ونسبح ونلعب ونلهوا ونبسم حيث طرد فليسطينون من هنا قبل السنين. لا عيب إلا الحرام. لكن العيب في الحرام هو أن يكون صناعة بشرية من وحي الفتاوى بالكيلو. وأرى أن دخول فلسطين العتيقة حقا لكل فلسطيني لا يجب أن يستحي أحد من المطالبة فيه ولا أن نتفلسف بزيادة في تفسير دوافع إسرائيل لإغراق شعبنا بتصاريح الهنا. فشعبكم يريد قليلا من الترفيه وحكومتهم تجاوبت لمدة يوم. ما العيب؟ لماذا اصابنا الحول والدوار. فليذهب من يذهب.
صحيح لقد راعنا المشهد وقد شهدت يافا يوما من ايام النشور. آخر مرة رأى فيها بحر يافا هذه الجموع الناطقة بالفلسطينية كانوا يغادرون على متن قوارب لم تعد. اليوم جاؤوا كزوار. ومعهم طوابير من أعداء التطبيع الرياضي والثقافي والرومانسي وغيره سائحين راضين. لم يتساءل أحد إن كانت السياحة جزءا من الثقافة. صباح الخير! السياحة ثلثا الثقافة! وكيف تتقف عن بلد لم تره؟ بالكتب. جائز هذا ايضا. ولكن أن تزور الأقصى لا كأن تقرأ عنه مقالا! إلا إن كان قولي خطأ فإني قد أخطأت.
السياحة وعاء الثقافة. ومن لا يعجبه ذلك سيذهب إلى يافا. ونحن نناشد العرب أن يزوروا فلسطين. ونرحب بهم. والقرضاوي يتهمهم بالتطبيع!
هذا ثقافيا. وأما سياسيا تقوم فكرة الحل السلمي على (أمل) وجود أغلبية في إسرائيل لتأييد الحل وقواه الداعمة. هذه الأغلبية لا تصنع بالمصانع. الفلسطينيون وضعوا مجلدات في كيفية مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي. و.. "إقناااااعه"! على طريقة: قيام جلوس إقتنع!!
إقناع بغير التقاء؟؟ بالفاكس؟ صعب! بالندوات؟ أيضا لا. فهذا تطبيع. عبر الفيس بوك؟ هذا أيضا تطبيع.
الشيئ الوحيد المسموح به هو أن نورد لإسرائيل عمالا في مجال النظافة يحلون محل الأجانب عندما يذهب زبالو إسرائيل الأجانب للتفسح في بلدانهم. أما أن يزور أكاديمي فلسطيني جامعة إسرائيلية فهذا انتهاك للشرف القومي وعار. أن نستضيف محلل إسرائيلي في فضائية عربية أمر لا عيب فيه! أن يرطن افخاي درعي 170 حجة بالدقيقة لقناة عربية فهذا ليس تطبيع. بالمناسبة "التطبيع" بلغة أهل قباطية هو ترويض الحصان والحمار والبغل على الركوب والحراثة وإدخاله في عداد الحيوانات العاملة.
سادتي
لقد شرب الإحتلال دم شعبنا عقودا وعقود. لا نريد عناق الإحتلال. ولكن لمن يرفضون فكرة اصطياف شعبنا في وطنه العتيق نقول: فكروا قبل أن تتكلموا. نحن شعب إدوارد سعيد ومحمود درويش وفدوى طوقان وغسان كنفاني وخليل الوزير وماجد ابو شرار والمتوكل طه. وفهمي من الخليل. مم نخاف؟؟