Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

وسط التحذيرات الخليجية والمعطيات السياحية والتجارية “المخيفة”… لبنان: الصيف الأسود

 

بيروت "المسلة" …. فوق لبنان "غمامة سوداء"، فالأوضاع الاقتصادية تبدو على حافة الانهيار. هكذا حذّرت الهيئات الاقتصادية في مؤتمرها الأخير. وتوقعات هذه الهيئات مرتكزة على المؤشرات الأخيرة التي كشفت عن حجم تداعيات الأزمة في المنطقة على الاقتصاد اللبناني.

أول هذه المؤشرات وأكثرها جدية وخطورة، تمثّل في القرارات التي اتخذتها 4 دول خليجية هي الامارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر والبحرين وطلبت فيها من رعاياها عدم السفر الى لبنان ومغادرته اذا كانوا موجودين فيه. والمبررات التي أعطيت للمستفسرين في السرّ والعلن كانت واحدة، وتمحورت حول انكشاف الساحة اللبنانية أمام الأزمة السورية التي بدت وكأنها فتيل انفجار كبير قد ينتقل من شمال لبنان الى كل المناطق.

أما الوقائع الاقتصادية فتكشف عن نتائج "مخيفة". فمنذ مطلع يونيو 2012 سجّل الاستهلاك انخفاضاً مريعاً، ذلك ان الحركة التجارية وحدها تقلّصت بنسبة 75 في المئة بعد الأحداث التي اندلعت في طرابلس وشمال لبنان قبل أسابيع، و"الآتي أعظم"، اذ ان الحركة السياحية تبدو شبه معدومة وبلا أفق قبل نهاية اغسطس المقبل.

ويؤكد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير، ان الاستهلاك التجاري تراجع خلال الأشهر الاربعة الأولى في السنة الحالية بنسبة 11 في المئة، لكنه يشير الى تراجع حاد جداً برز خلال منتصف شهر مايو حين اندلعت المواجهات المسلّحة في شمال لبنان اذ بلغت نسبة التراجع في الأيام العشرة الأولى التي تلت هذا الحدث 80 في المئة. وقد تزامن هذا الامر مع انخفاض استهلاك البنزين بنسبة 25 في المئة والغاز المنزلي بنسبة 32 في المئة بسبب امتناع اللبنانيين عن القيام بحركة ترفيهية واسعة قلقاً وخوفاً من الأحداث في الشمال ومن احتمالات تمدُّدها، ولاسيما أن أحداث طرابلس وشمال لبنان تلتها حادثة خطف اللبنانيين الـ 11 في سورية.

لكن أكثر ما يقلق شقير، هو موسم السياحة الذي يجب انقاذه اذ تعتمد عليه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل خلال هذه الفترة. فغالبية هذه المؤسسات السياحية هي مطاعم ومقاهٍ لديها عمال موسميون، واذا تعرّض الموسم لضربة قوية مثل ما حصل، فان هذه المؤسسات وعمالها باتوا معرّضين لخطر الاقفال والبطالة.



ويستند كلام شقير الى تقلّص حركة المطاعم والمقاهي بنسبة تصل الى 80 في المئة، وهذا الأمر كان له أثر واسع على حركة استهلاك الغاز المنزلي المستخدم في المطاعم.

ويعتقد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان أنه لا يزال في الامكان تعويض جزء من هذا الموسم، "واذا تمكنّا من تعويض 20 في المئة، نكون قد حققنا انجازا". واذ يلفت الى الرهان على امكان الاستفادة من اجازات الخليجيين واللبنانيين المغتربين في مرحلة ما بعد عيد الفطر، يشير الى ان هذا الامر وان كان ممكناً الا انه يصطدم بان هؤلاء السياح سواء كانوا مغتربين أو عرب، وبعد ما حصل في الشمال والقرارات التي صدرت عن اربع دول خليجية، "الغوا لبنان عن جدول خططهم الصيفي بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرّة".

في جزء منه يستند هذا الكلام الى الأوضاع المضطربة على الحدود اللبنانية – السورية. فقد تأثّرت حركة انتقال البضائع والأشخاص بصورة كبيرة، فضلاً عن أنها تركت أثراً نفسياً كبيراً من أبرز نتائجه أنه يجمع بين عدم الاستقرار السياسي والمخاوف الأمنية. وهكذا الغى السياح العرب حجوزاتهم الى لبنان، ما يدل على أن توقعات الموسم السياحي للآتين برّاً وجوّاً ستخذل منتظريها. ففي مثل هذه الفترة من السنة كان لبنان يشهد على المعابر البرية، أي الآتين عبر سورية، زحمة زوار من الاردن والعراق وسورية ومن دول الخليج. وحتى الأتراك كانوا يأتون برّاً أيضاً، لكن المعابر تعاني هذه الفترة من ركود قاتل، فيما حركة المطار تراجعت بنسبة 9 في المئة خلال النصف الأول من السنة الجارية.

واذ يقول رئيس نقابة مكاتب السياحة والسفر جان عبود ان "الحجوز الصيفية أُلغيت خلال النصف الثاني من شهر مايو بمعدل 30 في المئة من اجمالي الحجوزات التي كانت قائمة"، فان هذا الامر يجعل ان التوقعات الواعدة عن صيف عارم وواعد باتت حبراً على ورق، ولا سيما اذا أضفنا الى مجمل الأرقام "السيئة" ان التقديرات عن حجوز الفنادق كانت تشير الى امكان بلوغها نسبة 95 في المئة، لكن ما جرى أن أحداث شمال لبنان وما تلاها تُرجمت عملياً بالغاء حجوز تذاكر الطيران والفنادق والتي لا يتوقع أن تبلغ ما نسبته 60 في المئة، من دون اغفال ان شركات الطيران الغت كل خططها المستقبلية لزيادة عدد رحلاتها الى لبنان انسجاماً مع "ضمور" حجم الموسم المتوقع.

وتشير مصادر سياحية الى أن حجم الالغاءات لم يكن مصدرها الخليجيين فقط، فالمغتربون اللبنانيون أيضاً ألغوا حجوزاتهم. لكن قرارات "المنع" الخليجية كانت بمثابة "موقف سياسي موحد يشير الى التخوّف الأمني من الأوضاع القائمة" وفق ما يقول عبّود.

لهذا الأمر تبعاته أيضاً، فهذا الالغاء يعني توقف نحو 800 الف سائح عن المجيء الى لبنان، والغاء كل التحضيرات التي قد تكون على هامش السياحة مهما تكن طبيعتها. وهذا بدوره يعني أن حركة التجارة وتخزين البضائع لن تكون على حالها السابقة. أما العقود التجارية للشركات فستلغى أيضاً، وستتراكم الأعباء على رؤوس الأموال لتضع العمالة الموسمية في موسم بطالة واعد.

وبحسب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي بول عريس، "كان السياح الخليجيون ينفقون ملايين الدولارات في موسم الصيف خلال زياراتهم الى الجبل والبحر، أما المغتربون اللبنانيون فقد تحضروا لاندلاع حرب أهلية في لبنان بعد قرارات الدول الخليجية الاربع، متوقعاً الغاء 80 في المئة منهم زيارته الى لبنان". أما حركة عمل المطاعم في كل المناطق، فقد تقلّصت بعد أحداث طرابلس الى 50 في المئة، ما يؤدي الى نتائج كارثية لأن "المؤسسات التي فتحت حديثاً كانت تنتظر تعويض استثمارها في موسم الصيف لتؤمن استمراريتها، لكن اليوم في ظل الحال الراهنة لن تكون لديها مناعة ولا مؤنة، فيما ستضطر المؤسسات الأكبر قدرة وحجماً على استهلاك مخزونها".

وهناك جزء "حساس" في السياحة اللبنانية كانت تعتمد عليه مناطق الجبل التي كان يفترض أن تعجّ بالرعايا الخليجيين في مثل هذه الايام، الا أنه بحسب رئيس بلدية بحمدون اسطه أبو رجيلي، فهناك فندقان من أصل 11 كانت عاملة في بحمدون، وهناك مطعما فاست فود يعملان حالياً بدل مطاعم السهر، بالاضافة الى حجوز الشقق المفروشة التي الغيت وعزوف أصحاب الشقق والقصور عن المجيء الى لبنان.

هكذا يبدو موسم الصيف "صحراوياً" بامتياز في "عروس المصايف عاليه" و"ضيعة الكويتيين" بحمدون وقرى منطقة الجبل الأخرى حيث ترتسم "مأساة" من نوع آخر. فمن المعروف أن قاطني هذه المنطقة الجبلية أصبحوا في الأعوام العشرة الأخيرة يعتمدون على أمرين أساسيين لتوفير عيش كريم. الأول هو أن هناك فرص عمل موسمية لشباب المنطقة (مقاهي ومطاعم، وخدمات مختلفة للسياح) الذين لا يزالون في طور التعليم تؤمن لهم دخلاً يسدّ كلفة التعليم لديهم ويغطي كلفة شراء مازوت التدفئة في الشتاء، والامر الثاني هو أن البعض يعتمد على تأجير الشقق المفروشة كدخل أساسي للسكان المحليين. وفي الواقع أن نسبة خسارة فرص العمل في هذه المناطق يمكن أن تكون على قاعدة أن النشاط السياحي في تلك المنطقة لا يعتمد بصورة كبيرة على العنصر المحلي، بل على النشاط الخليجي بصورة أساسية، ويليه في درجة الاعتماد المغتربون اللبنانيون أيضاً، وبدرجة قليلة جداً السياحة الداخلية.

كل هذا الوضع استدعى من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقد اجتماع موسّع مع ممثلي الهيئات الاقتصادية للبحث عن الحلول المتاحة لموسم الصيف الذي "دُمّر"، ومحاولة انقاذ ما تبقى منه. وقد اكتشف المجتمعون أن شهر رمضان سيبدأ في 20 يوليو، وبالتالي فانه لا يمكن انقاذ سوى مرحلة ما بعد نهاية شهر رمضان، اي النصف الثاني من شهر اغسطس حتى نهاية العطلة الصيفية. وبحسب المعلومات فان غالبية الاستفسارات ركّزت على ما قامت به الدول الخليجية التي أصدرت قراراتها التحذيرية، لكن ميقاتي أجاب هؤلاء سريعاً بأن هذه الدول لم تصدر بياناتها الا بعدما تأكد لها عدم وجود منافذ اجلاء من لبنان في حال انتشرت الأحداث التي جرت في طرابلس وشمال لبنان خلال الفترة المقبلة، ولاسيما أن التوقعات تشير الى امكان توسّع دائرة العنف في لبنان. ففي السابق كانت سورية هي المنفذ الوحيد وكانت الخطط التي تضعها السفارات هي الاجلاء عبر المعابر البرية، لكن اليوم فان طريق مطار بيروت الدولي تُقطع بسهولة فيما المعابر البرية غير قابلة لتكون منافذ اجلاء في ظل الأوضاع الامنية المتدهورة بسورية.

 

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله