بقلم : محمود كامل … «كان نهار الدنيا م طلعش.. وهنا عز النهار»، كتبها صديقي «عبدالفتاح مصطفى» رحمه الله في أوائل الستينات، لتشدو بها حنجرة أم كلثوم «الماسية» على ألحان السنباطي، وهي الحنجرة التي جمعت حولها أمة عربية فشلت جامعتهم -على طول عمرها- أن تفعل نصف ما فعلت بهم حنجرة أم كلثوم. بهذه الكلمات بسيطة الحروف رائعة المعاني جسدت أم كلثوم في «مصر تتحدث عن نفسها» إحساسا عميقا بالعزة لدى كل المصريين.
وهو الإحساس الذي نبحث عنه في كل أنحاء مصر فلا نجده، حتى ليبدو الأمر وكأن مصر قد تعرضت -فور سقوط حكم مبارك- «لعملية نشل» دولية ضاعت فيها أغلى القيم، كما تاهت كل الأخلاقيات في غضب غير مفهوم من الجميع.. وضد الجميع، وهو الغضب الذي «زاد الطين بله»، وضاعف الحيرة.. حيرة! وفي لحظات كثيرة أتصور -من كثرة ما أرى من حولي- أن كلمات عبدالفتاح مصطفي، وحنجرة أم كلثوم كانتا تقصدان قوما آخرين غير أولئك الذين نراهم الآن في كل مكان دون مبرر، ولا حكمة، ولا هدف من تجمعاتهم الفوضوية تلك .
بل وفي أحيان كثيرة أستغرب وجودي بينهم حيث لا لغة حديث مشتركة، ولا فهم لما يقولون، حتى ليبدو الأمر وكأنهم يتحدثون لغة أخرى مثلما هو حديث «الأروام» مع «الطرش». وفي أحيان أخرى يعتريني «إحساس المهاجر» الذي هبطت طائرته في مطار غير مقصود، فلا الناس هم الناس، ولا الجيران هم الجيران، إلا أن التقدم في العمر له ميزة تبسيط الأشياء -بحكم زمان طويل مع المعاناة- إلا أنها كانت معاناة التقدم في عمل تتولاه في موطنك -بينما المعاناة الآن تتضمن الخشية على وطن عظيم من أن تتدهسه الأحداث المصنوعة، صحيح أن العمر ليس فيه بقية تسمح برؤية أحداث الوطن تستقيم، ويعود الوطن لأهله، إلا أن الخشية مازالت تنغص على المرء الأيام السابقة على الرحيل!