بقلم : محمود كامل … من سنين طويلة بدأ “عصر المحمول” في مصر، وكان الخط الوحيد يتعدى ثمنه ألفي جنيه مقابل الرقم الذي يحمله، أيامها لم أكن متحمساً لدخول ذلك العصر إلى أن تأخر ابني الوحيد عن موعد عودته من الجامعة الأمريكية -بميدان التحرير- التي يدرس بها قبل أن يصبح أستاذاً فيها، وطال التأخير إلى خمس ساعات كاملة، لأفاجأ بزوجتي تقول: (م ليش دعوة.. أنا عاوزة ابني!)
وقبل أن أجد إجابة مناسبة لهذا السؤال الكبير دقّ جرس الباب ليدخل الغائب حاكياً قصة التعطيل المروري فوق كبري أكتوبر الذي يحمل سيارته وآلافاً آخرى بسبب حادث مروري. في الصباح التالي كنت أول المتوجهين لشركة المحمول مشترياً ثلاثة موبايلات بستة آلاف جنيه لنا نحن الثلاثة لتستريح قلوبنا لمجرد مكالمة يحدد كل منا مكانه على الطريق، وتلك كانت “مكرمة موبايلية” لا ننساها!
وخلال مشوار صحفي طويل في “الأهرام” علمت أن شركات المحمول تلك تكسب المليارات بلا سداد لضرائب الدولة على أرباحها الفلكية بالمليارات بإيحاء من “نظام مبارك الفاسد” الذي كان هو وصبيانه يحصلون من تلك الشركات على نصف الضرائب على هيئة “إكراميات”، باعتبارهم الدولة، وأن “الجيب واحد” بين جيوبهم الشخصية وخزانة الدولة العامة، حيث كان هذا النظام يفضل دائماً على مدى عقود ثلاثة أن يبقى “زيتنا في دقيقنا”.. يعني مفيش حد غريب!
وعندما قررت الدولة شبه المفلسة الآن -بالبحث في الدفاتر القديمة- فرض ضرائب على مليارات أرباح تلك الشركات الهاربة منذ ثلاثين سنة، قررت تلك الشركات تقسيم ضرائب الدولة على المنتفعين بالخدمة بنصف جنيه شهرياً، يحقق لها شهرياً ما لا يقل عن ثلاثين مليون جنيه، مع أن المفهوم الضرائبي هو قصر فرض الضرائب على الأرباح التجارية، وليس مقابل الخدمة التي ندفع أثمان كروتها مقدماً، فهل تعدّ الحكومة والنائب العام هذا المقال بلاغاً رسمياً بالتحقيق في تلك الخديعة الضرائبية، أم أن الحكومة سوف ترد علينا صوتياً بعبارة: ألو.. ألو.. الخط انقطع؟