بقلم : محمود كامل
«اجري يا ابن آدم جري الوحوش.. غير رزقك يا ابن آدم لن تحوش»، مقولة قديمة عبقرية الإيمان، إلا أن كثيرين لا يفهمون المغزى العميق وراء الكلمات، فلا تدعو تلك «المقولة الحكمة» الناس إلى «القعود عن طلب الرزق»، وهو ما تكذبه حكمة ربانية أخرى تقول «اسعَ يا عبدي وأنا اسعى معاك»، وأن الإنسان ليس له إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى، أي سوف يخضع للفحص – ثواباً أو عقاباً – يوم الحساب بما يؤكد أن كلاً منا سوف يحاسب عن عمله، كما أنه سوف يحاسب على قعوده عن العمل أملاً في رزق ينهمر عليه من السماء دون عمل يرتبط به الرزق حتى على أصغر المخلوقات وأضعفها التي هي الطير: تروح «خماصاً» -أي جائعة- لتعود «بطاناً» أي مملوءة البطون رزقاً لسعي قامت به طوال النهار منذ الشروق حتى لحظة الغروب، وأعتقد – والله أعلم – أن زقزقة كل تلك الطيور لحظة عودتها إلى الأغصان للمبيت ليست سوى «أهازيج شكر للمولى الرزاق وتسبيح بحمده» في انتظار يوم رزق جديد، ولكننا «لا نفهم تسبيحها»، وتلك نعمة من الله وإلا لأحسسنا «بتقصير مخجل» في الشكر الإنساني لله على النعمة من مختلف الوجوه: صحة، ورزقاً، وذريّة، نرجو أن تكون صالحة لتدعو لنا بعد الانتقال تطبيقاً للقول: عندما يموت ابن آدم ينقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم يُنتفَع به، وولد صالح يدعو له، وهو ما نرجوه ناتجاً لتربية صالحة تلقاها في بيته.
تبقى بعد ذلك المقارنة في الجري خلف الرزق بين «الإنسان.. الإنسان» خلال سعيه المقبول خلف الرزق الحلال، وبين سعي «الإنسان الوحش» خلال سعي وحشي يأكل خلاله أرزاق الآخرين تحصيلاً لمال حرام، غير عابئ، ولا عالم، ولا تلقى في بيته تربية تعلمه الفرق بين الحلال والحرام، بل حتى لم نفهم المقولة الشعبية: «إن الحلال يفرش.. والحرام يكنس» لعل أحداً يفهم أن «القليل الحلال» يصبح – بالبركة – ساتراً، بينما «الكثير الحرام» يصبح – بمصدره – فاضحاً لكل مستور!