الأقصر / أنيته رويتر … يوجد هناك تمثال في ساحة مبني المتحف المصري بالقاهرة الذي لا يبعد كثيرا عن مبنى الحزب الوطني الحاكم السابق الذي أتت عليه النيران ، ويصور هذا التمثال الحجري أحد الفراعنة وهو جالس – إلي الآبد علي مايبدو – وكأن شيئا لم يحدث وتتدلي يداه المنحوتتان لتستقران على فخذيه .
ولم تؤثر الاحتجاجات التي شهدتها مصر على هذا التمثال الذي يزين الحديقة الأمامية للمتحف المصري في القاهرة، على الرغم من لهيب الحريق القريب الذي دمر مقر الحزب الوطني الحاكم سابقا في ظل حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والذي كاد أن يلتهم كنوز المتحف.
ويوجد المتحف المصري في ميدان التحرير الذي شهد اشتعال شرارة الثورة المصرية في 25 كانون ثان/يناير 2011 أي قبل عام تقريبا . وقد هبت رياح التغيير على البلاد لتثير خوف السائحين الذين فضل معظمهم الابتعاد عن مصر حتى يومنا هذا.
ومنذ ذلك الحين اتسم المتحف المصري بشيء واحد وهو الفراغ، والخواء . وبينما كانت كتيبات أرشاد السائحين تحذر في السابق من أنهم سيضطرون للوقوف في طوابير طويلة لمشاهدة الآثار وتوصيهم بالتوجه إلى المتحف المصري في الصباح الباكر، كان هناك زوجان فقط ينتظران مشاهدة الآثار اليوم.
ويمكن ملاحظة مشاهد مماثلة في أهرامات الجيزة، وهي عادة واحدة من أكثر المعالم السياحية ازدحاما في العالم، ولكن الآن لا يوجد سياح حول الأهرامات سوى القليل منهم كما أن العمل محدود للغاية بالنسبة لسائقي الجمال والعربات التي تجرها الخيول وباعة الهدايا من مجسمات الأهرامات البلاستيكية الصغيرة الرخيصة، وغيرها حيث يعرضون سلعهم للأعداد القليلة من السائحين بأسلوب غير معتاد.
لقد ترك الربيع العربي أثرا لا يمحى على السياحة في العام الماضي حيث تراجعت الليالي السياحية بنسبة الثلث مقارنة بالعام السابق علي ذلك . ويمثل العمل على جذب السائحين ركيزة من ركائز الرخاء في مصر وعلى الرغم من اقتناع منظمي الرحلات السياحية بأن القطاع سيتعافى، لا توجد بوادر كثيرة على هذا في الوقت الراهن. ويمثل هذا الوضع كارثة بالنسبة للكثير من المصريين.
ولا يغيب السائحون بأموالهم علي نحو واضح عن القاهرة التي تشهد احتجاجات متكررة فحسب ولكنهم يغيبون أيضا عن أماكن سياحية كثيرة أخري في مصر من بينها واحة الفرافرة.
ويجلس طلعت عبد المولي في مخيمه الواقع علي حافة الصحراء البيضاء الواقعة علي مسافة 45 كيلومترا إلي الشمال من واحة الفرافرة التي تبعد بدورها نحو 600 كيلومتر عن ميدان التحرير، وعلى الرغم من المسافة الكبيرة بينهما إلا أن طلعت يشعر كما لو أن المتظاهرين يقفون مباشرة بالقرب منه، لكنه أكد قبل أن يستنشق دفعة من الدخان المعطر من نرجيلته بقوله " السياح توقفوا عن الذهاب إلى الواحة لأنهم يعتقدون أن الوضع خطير في كل مصر ولكن في الحقيقة لا يوجد متظاهر واحد /في الواحة/ ".
وعن رأيه في الثورة، أشار طلعت إلى عدد من البيوت الصغيرة ذات الطابق الواحد غير مكتملة البناء التي كان يعتزم الانتهاء منها في العام الماضي إلا أنه لم يعد لديه المال معتبرا أن كل شخص يقتل في ميدان التحرير أو أي لقطات تلفزيونية للعنف هناك تمثل تهديدا لوجوده.
وعلى الرغم من هذا الرأي، كان لدى شقيقه محمد نظرة أكثر تفاؤلا حيث قال إن الوضع حاليا صعب ولكنه سيكون أفضل لأطفالهما. وعادة ما كان الموسم السياحي يصل إلى ذروته في الوقت الحالي قبل الاضطرابات التي شهدتها مصر حيث كانت الحافلات السياحية تكتظ بالسياح في مثل هذا الوقت من العام. وقالت روزاليا سافيدرا من إسبانيا "نشعر بالحزن للناس هنا ولكننا لا نعيش في جنة نحن أيضا". وقد زارت سافيدرا مصر في مناسبات عديدة، وتحرص بشكل خاص على زيارة مدينة الأقصر حيث تمكنت هذه المرة من التجول في وادي الملوك بمفردها.
وفي المعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت، كانت هناك مجموعة قليلة من السياح اليابانيين الذين تحدوا الحرارة وتسلقوا السلالم وصولا إلي المبني الضخم . وفي غضون ذلك، جلس محمد في متجر الهدايا التذكارية الخاص به في السوق حيث وضع لافته كتب عليها ثورة الأسعار بينما دعا جاره في السوق المتسوقين للشراء منه بأسعار خاصة في فترة الركود.
وتعتمد عودة السياح لمصر على المسار السياسي الذي ستختاره خاصة في ظل المخاوف التي تسود صناعة السياحة من صعود التيار الإسلامي وسيطرته على مجلس الشعب المصري )البرلمان( وكذلك في ظل ما تردد من تقارير إخبارية مختلفة غير رسمية وغير مؤكدة عن إعتزام مصر حظر إرتداء النساء للباس البحر من ذلك النوع الذي يعرف بالبكيني وهو الأمر الذي من المرجح علي نحو أكبر أن يبعد السائحين المحتملين عن مصر ولن تفلح وقتها الأسعار الثورية المخفضة في إعادتهم ثانية.