دمشق " المسلة " … استمر الفن التشكيلي خلال عصور الفن المختلفة كلغة بصرية تعتمد في الأساس على الطبيعة الخارجية مصدراً ومرجعاً للأفكار الفنية التشكيلية وكتقليد ثابت وموروث تقاس جودة الأعمال الفنية بالاقتراب منه وتوصف بالضحالة كلما ابتعدت عنه حتى أنه وصل إلى تقليد ونقل غاية فى الدقة والإتقان المذهل لتفاصيل الموجودات وهذا ما يظهر بوضوح فى أعمال فناني ما قبل القرن العشرين من إبراز لأدق صغائر الأشياء الحياتية مثال نسيج الأقمشة وتفاصيل الأرض والسقف وتجاعيد الوجه وخصلات الشعر وغيرها.
ووصلت تلك الحقيقة البصرية إلى ذروتها بوصولنا إلى عصر النهضة الأوروبية فتكشفت قواعد المنظور والظل والنور وبدأت اللوحات تظهر ثلاثية الأبعاد لكن عند الوصول إلى مشارف القرن العشرين بدا للفنانين حقيقة جديدة وهي أن ريشة الفنان حينما تسجل الأشياء فإنها حتما تنتهي إلى مجرد عملية تسجيل تتفوق عليها الكاميرا وآلة السينما بلا منافس.
هذا التفوق فرضته التكنولوجيا التي دخلت عالمنا محدثة تغيرات كثيرة مكنت الإنسان من العيش مع ظروف الحياة بسهولة ومرونة أكثر ودخلت أيضا في الفن فهل بالإمكان استغلال هذه الوسائل والإمكانيات التي توفرها البرامج بعد ذلك في تنفيذ اللوحة الفنية.
ترى سارة عاجي خريجة فنون جميلة ان التكنولوجيا ساعدت الفنانين على اخفاء نقاط الضعف في لوحاتهم الفنية حتى لم نعد نستطيع التفريق بين الفنان الحقيقي وبين من يستخدم التكنولوجيا لصنع لوحاته الفنية. اما ياسر ابراهيم طالب الفنون الجميلة سنة رابعة فيعتقد ان التكنولوجيا اختصرت الزمن بالنسبة للفنان فاصبح ينجز اللوحة الفنية ضمن زمن قصير مع اخفاء كل عيوب العمل وتصحيح النقاط السلبية فيه.
حتى مع وجود التكنولوجيا يجب ان يكون للفنان لمساته الخاصة واسلوبه المميز وطريقه الخاصة في استخدام هذه التقنية هذا ما أوضحته ريم صقور التي تضيف انه مهما أتقن الشخص استخدام البرامج فإنه لن يستطيع إنتاج لوحات تشكيلية ممتازة في حال عدم امتلاكه القدرة على الابداع التي تتمثل في اختيار الالوان المناسبة ووضع التاثيرات وانتقائها واختيار البرنامج الحاسوبي الذي يسخره الفنان لخدمة هدف.
فيما تعتبر هنادي حسون ان المشكلة تكمن احيانا في المتلقين وخاصة غير المختصين منهم لانهم يعتقدون ان الأعمال التي ابدعها الفنان هي من صنع الحاسوب فقط دون ان يكون لعقل الفنان او ابداعه اي دور بالموضوع.
ومن أبرز التشكيليين السوريين الذين يلجؤون إلى الفن الرقمي في تطعيم لوحاتهم التشكيلي اسامة جحجاح حيث يستعير مفهوم اللوحة الخاصة به من رموز وعلاقات مركبة بين الفن الرقمي وبين المادة التي تحمل دلالات رمزية واضحة التي تعبر عن عمق التعاطي مع اللون وتكوين اللوحة حيث استطاع جحجاح ردم الفجوة والهوة بين الفنون التشكيلية وعالم الرقميات وأدخل الفن الرقمي بكل صنوف وانواع الفنون.
ويرى جحجاح ان حداثة مفهوم اللوحة بعيد كل البعد عن المفهوم العبثي ومفهوم العمل الرقمي الفوضوي للون والضوء والظل فمفهومه الخاص يأخذ تكوينه التجريدي من ثقافة بصرية خاصة صقلها بقيم جمالية معقدة برهنت عن عمق التعاطي مع أدوات الفن الرقمي وخصوصية اللوحة التشكيلية.
ويعتبر هذا الفنان ان ادخال التكنولوجيا في اللوحة هو وسيلة لتطوير العمل الفني والارتقاء به وتقديمه بطريقة معاصرة لكن لا يمكن للفن الرقمي ان يلغي جهود الفنان لان العقل الانساني هو الذي يحرك التكنولوجيا وليس العكس.
المصدر : سانا