بقلم يحيى البولينى
يشعر كثير من النصارى من الحرج البالغ , ويتهمون كبيرهم سرا بينهم بأنه ينافق الحكام , وأنه ليس له موقف سياسي واضح ولا يوجد لهم خط فكري ثابت يتمسكون به , شعر بذلك العامة في مجالسهم , وتهامس به الخاصة في غرفاتهم المغلقة ثم قرروا أن يخرجوا عن صمتهم وأن يبثوا ما في صدورهم من الغرابة والازدواجية في تصرفات وتصريحات بطريرك الكرازة المرقصية شنودة الثالث .
أخطأَ كل من ظن أن بابا النصارى في مصر الأنبا شنودة ومن خلفه كانوا موالين للرئيس المخلوع ونظامه , بل ويخطئ أيضا كل من يظن أن الأنبا شنودة أيضا موال للمجلس العسكري الحاكم , وربما يقع الكثيرون من علماء النصارى وعامتهم في حيرة من تخبط شنودة أو يتهمونه بالنفاق مع الحكام , وربما يفكرون في تطهير الكنيسة منه وخلعه كما خُلع مبارك الذي كان يدعمه بقوة .
ولا نريد أن نبرئ شنودة من التضليل والنفاق السياسي , ولكننا نرى الأمر أكبر وأعمق وأخطر من مجرد موقف شخصي أو قناعة فكرية معينة لأحد أكبر قساوستهم والتي ستتضح آنفا .
يشعر كثير من النصارى من الحرج البالغ , ويتهمون كبيرهم سرا بينهم بأنه ينافق الحكام , وأنه ليس له موقف سياسي واضح ولا يوجد لهم خط فكري ثابت يتمسكون به , شعر بذلك العامة في مجالسهم , وتهامس به الخاصة في غرفاتهم المغلقة ثم قرروا أن يخرجوا عن صمتهم وأن يبثوا ما في صدورهم من الغرابة والازدواجية في تصرفات وتصريحات بطريرك الكرازة المرقصية شنودة الثالث .
فذكرت عدة تقارير صحفية نشرتها صحيفة " المصريون " أن أساقفة في عدد من محافظات مصر يقومون الآن بحملة لجمع توقيعات من عموم النصارى للمطالبة بإرغام البابا شنودة على الاستقالة مخالفين بذلك كل القواعد التي ساروا عليها في تعيين أو تغيير أساقفتهم ويعد هذا التصرف سابقة أولى لم تحدث من قبل .
وفي وصف يدل على الكثير من الغضب يصفون كبيرهم – شنودة – بأنه من دائمي التأييد للمجلس العسكري كما كان من اشد أركان التأييد للمخلوع بل كان أثبت تأييده لجمال مبارك حتى قبل أن يكون رئيسا , ولهذا أسموه ب " خادم السلطان " وليس " خادم المسيح " ويتهمونه أيضا بأنه يضحي بالأقباط من أجل الإخوان المسلمين .
وطالب الموقعون على تلك المذكرة باستقالة شنودة وعدم استمراره ولو بصورة شرفية على ألا يكون هناك استمرار بعد ذلك لأي أسقف يتعدى سن الثمانين , وطالبوا أن يكون منصب الأسقفية بالانتخاب وإلغاء القرعة الهيكلية المزيفة مع إثبات حق انتخاب الأسقف لكل نصراني يتعدى الواحد والعشرين عاما بدلا من قصرها على أعضاء المجمع المقدس البالغين ألفي رجل فقط .
ويحمل الشباب هذه الفكرة ويسعون بها بينما يعارضها بالقطع القيادات الكنسية التي تساند البابا إما رغبة في وجوده وإما طمعا في خلافته , وبهذه الوثيقة لن تسقط فيها هيمنة شنودة فقط بل ستغيب فيها وجوه كثيرة طالما منت نفسها باعتلاء كرسي البابوية .
ولعل هؤلاء المطالبين الأنبا شنودة بالرحيل نظرا لتبدل مواقفه واهتزازها وموالاته لكل حاكم فيسبح بحمده , لعله خفي عليهم ما ورد في كتابهم المقدس عن تحريمه الخروج على أي حاكم يحكمهم حتى لو كان وثنيا لا يعبد الله سبحانه , وأنه يجب عليهم أن يحمدوه ويوالونه مهما بلغ به السوء طالما لم يتعرض لهم ولمصالحهم , فلا يهمهم كونه رجلا بارا أو فاجرا متدينا أو زنديقا ظالما لغيرهم أو عادلا معهم , فالمهم عندهم كما ورد في كتابهم أن يحصلوا على اكبر مكاسب منه مهما كان , ولا يتعرضون له إلا إذا آذاهم .
وبهذا الفهم لهذه الحقائق نجد التفسير القوي لمنع شنودة خروج النصارى في ثورة الخامس والعشرين من يناير وإرساله لرسائل الدعم والتثبيت المستمرة والمتوالية لمبارك أثناء الثورة , ولم يعلن انضمامه للثورة ومباركته لأبنائها ولم يأذن بخروج شعب النصارى – كما تحلو له تسميتهم – إلا بعد اطمئنانه على نجاحها .
فعندما يبحث المختصون في الكتاب المقدس حول قضية تعاملهم مع الحكام سيعرف لم تصرف شنودة بهذا الالتواء وعدم ثبات المواقف والنفعية السياسية , ففي الرسالة الأولى لأهل رومية الإصحاح 13 " الرسالة الأولي إلى أهل رومية الإصحاح 13 : 1. لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً …
فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ , أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ " , بهذا يتضح أن كل سلطان وملك وأمير وحاكم مهما كانت درجة قربه من الله أو ابتعاده هو خادم لله منفذ لأوامره وما على النصراني المتمسك بكتابه المحرف أن يمتثل ويخضع ولا يثور أبدا مهما حدث , وهذا ما أكده شنودة بنفسه في حوار له مع الإعلامي عمرو أديب والتسجيل موجود على اليوتيوب لمن يحب الاستماع إليه .
ولهذا يجب عليه أن ينافق مبارك ويؤيده حتى الرمق الأخير , ثم ينقلب عليه بعد رحيله وينافق المجلس العسكري إلى أن يشاء الله بتسليمه للسلطة , ثم يبدأ شنودة أو من سيخلفه في سلسلة جديدة للنفاق لأي رئيس يأتي بعده مهما كان صلاحه أو فساده .
هذا ليس خطأ شنودة وحده , وليس على هؤلاء القساوسة والشمامسة والرهبان والعامة إزالة شنودة وحده , بل عليهم جميعا مراجعة كل أفكارهم وعرض هذه الأفكار على عقول متفتحة وأفكار ناضجة وفطرة نقية , وعليهم بكثرة الدعاء لله والتضرع إليه أن يرزقهم الهداية إليه بما يحبه ويرضاه وأن يهدينا ويهديهم الصراط المستقيم , صراط الذين أنعم عليهم , غير المغضوب عليهم ولا الضالين .