مكة المكرمة " المسلة " … تثير عمليات التوسع السكني بالقرب من المواقع الأثرية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حفيظة علماء الآثار والتاريخ السعوديين الذين يرون في هذا التوسع ذريعة لهدم ما تبقى من الآثار في هاتين المدينتين المقدستين.
وظلت عمليات هدم الآثار التي طالت العديد من المواقع الأثرية خلال العقود الماضية محل شد وجذب بين علماء الآثار وعلماء الدين، حيث كان الأخيرون ينظرون الى هذه الآثار بعين الريبة ويفتون بعدم بقائها لتخوفهم من تبرك الناس بها، وكنتيجة لتلك الفتاوى المتشددة، هدمت الكثير من المواقع الأثرية القيمة في مكة والمدينة، بينها المنزل الذي ولد فيه الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، والذي تحول الى مكتبة عامة في السنوات الأخيرة، وكذلك منزل السيدة خديجة بنت خويلد في مكة ومسجد «بني قريظة» التاريخي، وعدد من منازل الصحابة التي احتفظت بكامل هيئتها لقرون عدة قبل ان تهدم في العصر الحديث.
صور من العصر الجاهلي :
وكانت مدن مكة المكرمة والمدينة المنورة، بجانب الطائف وجدة، تحتفظ على مدار تاريخها بآثار مهمة تحكي صورا من الحياة في العصر الجاهلي وما قبله، مرورا بالعصر الاسلامي والعثماني وسنوات الدولة السعودية الأولى، والآن، وعلى ذمة عدد من الاثاريين السعوديين، لم يتبق الا القليل منها والذي لا يتساوى في قيمته التاريخية مع قيمة الآثار التي هدمت.
وتعد عمليات التوسع العمراني وتشييد مخططات سكنية جديدة هي المداخل الرئيسية التي تقود الى عمليات هدم المواقع الأثرية، خاصة في المدينتين المقدستين مكة والمدينة، حيث تعتبر مناطق القلب في هاتين المدينتين مركزا للنشاط السكاني في العصر الجاهلي والاسلامي، والتوسع فيهما يعني التوغل على مناطق الآثار القديمة.
خطة متكاملة :
ويرى المفكر السعودي البارز الدكتور أنور عشقي أنه يجب دراسة قضية الآثار بعمق ووضع خطة متكاملة لها وليس علاجها بمعاول الهدم. وقال انه ليس هناك مبرر للادعاء بأن الآثار الباقية في المدينة المنورة وهي لا تزيد على %10 مما كان موجودا قبل توسعة الحرم النبوي الشريف، ستؤدي الى بدعيات أو الى التبرك بها.
وقال الباحث في الفلكلور بمنطقة مكة المكرمة عبدالله أبكر ان المملكة فقدت تراثا ثقافيا مهما على مدار السنوات الماضية تحت تأثير فتاوى دينية متشددة تبين خطلها بعد هدم تلك الآثار القيمة، مؤكدا ان ما بقي من الآثار يعد محدودا بالمقارنة مع ما تم هدمه، سواء من ناحية العدد أو القيمة، وأشار أبكر الى ان المملكة تعد من المناطق الجاذبة للمجموعات البشرية منذ القدم، ولذلك شهدت حضارات مختلفة، غير ان شواهد هذه الحضارات وما خلفته من تراث هو الآن في وضع العدم، وجدد تأكيده على عظم الخسائر التي لحقت بالتراث السعودي بعمليات هدم المواقع الأثرية.
طمس التاريخ :
بينما طالب الدكتور سامي عنقاوي الباحث المتعمق في آثار مكة والمدينة ومدير أبحاث الحج السابق برؤية شاملة لعلماء الأمة، مؤكدا أن آثارا قليلة جدا قد بقيت، وان استمرار الهدم يطمس «تاريخنا وحضارتنا».وتساءل ما ذنب هذه الآثار التي حفظت على مدى 1400 عام، اذا افترضنا افتراضا أن هناك أقلية صغيرة جدا تتعامل مع هذه الأماكن بطريقة غير مناسبة؟.. وقال «ان الآثار في مكة والمدينة هي مرآة تعكس سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ونستطيع أن نرى فيها تاريخنا وماضينا وتراثنا، الآن تفتتت الى شظايا، بل وأصبحت تختفي شظاياها ولم يتبق الا القليل جدا، وقد تجاوزنا في ذلك الخط الأحمر».
المصدر : القبس