Al Masalla-News- Official Tourism Travel Portal News At Middle East

جانبى طويل

السياحة العربية في زمن “الربيع العربي”: خسارة بالمليارات والمستقبل رهن بتطور الأحداث

"المسلة "..يعاني قطاع السياحة العربي، منذ بداية ما يعرف بـ "الربيع العربي" من تراجعات وخسائر كبيرة لم تشمل فقط البلدان التي هزتها رياح التغيير، بل طالت تلك التي ظلت بعيدة عن تغيير الأنظمة.. وشملت الخسائر مصر وتونس اليمن وسورية، إضافة إلى دول أخرى لم تستطع أن تنأى بنفسها عن التأثر بما يجري في جوارها كلبنان، والمغرب والأردن وهي دول تشكل السياحة العربية والخارجية إليها مصدراً رئيسياً للدخل القومي، ومصدر دخل لمئات الألوف من المواطنين..

ووفقاً لتقديرات المنظمة العربية للسياحة فقد تكبد قطاع السياحة العربي خسائر فاقت 7 مليارات دولار خلال العام الجاري، كما أن هذا القطاع سجل تراجعاً وصل إلى 11 في المئة في بلدان المشرق العربي و13 في المئة في بلدان المغرب العربي، وذلك في الوقت الذي سجلت فيه السياحة العالمية نمواً بنحو (5,2) في المئة.

سياحة اليمن السعيد في أتعس أوقاتها..
ففي اليمن، الذي زاره في عام 2010 مليون و247 ألفاً و62 سائحاً، قدَّرت الشركات السياحية في اليمن الخسائر التي تكبدتها جرَّاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ ما يزيد من عشرة أشهر بنحو 750 مليون دولار، متوقعة أن تصل إلى (1,2) مليار دولارحتى نهاية العام الحالي. ومنذ بداية الأزمة اليمنية تم إغلاق 60 في المئة من المنشآت السياحية، وتسريح 45 في المئة من موظفيها وعمالها إلى جانب منح 30 في المئة منهم إجازات إجبارية. وهذه الأرقام تشير إلى "انهيار" القطاع السياحي في اليمن، وتوقف الحركة السياحية، وإلغاء الطلب على اليمن في السوق السياحية الدولية.
 

وشملت الخسائر مختلف المجالات المتعلقة بالسياحة كالطعام والشراب والإيواء والسفر والنقل، وقد غادرالبلاد ما يقارب 250 ألف سائح أجنبي وعربي ومحلي، إضافة إلى إلغاء حجوزات نحو نصف مليون سائح من مختلف البلدان الأجنبية بخسارة ما يقرب من 878 ألف دولار، وبالتالي تراجع معدل الإشغال في المجالات وتراجع أسعار الإقامة إلى نحو النصف تقريباً.

وحسب رجال الأعمال، تشمل الخسائر زيادة معدل النفقات التشغيلية واستمرارها بنسبة 55 في المئة، ويرجع سببه إلى انهيار القطاع السياحي وتوقف الحركة السياحية وإلغاء الطلب على اليمن في السوق السياحية العالمية، ومساهمة الإحساس بانعدام الأمن في مضاعفة حجم ووطأة التحذيرات الصادرة من قبل سفارات بعض البلدان الأجنبية في اليمن والقاضية بمنع رعاياها من السفر لليمن واعتباره من المناطق الخطرة، بالإضافة إلى تبعات حذف اليمن من قوائم التسويق الدولية التابعة للشركات السياحية المصدرة للسياحة، وزيادة حجم الديون على المنشآت السياحية بنسبة تتراوح ما بين 33- 44 في المئة وتسريح العاملين وإغلاق المنشآت وتلف الكثير من المعدات والتجهيزات.

وفيما بلغت عائدات السياحة اليمنية في العام الماضي (1.1) مليار دولار، أي 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها سوف تتراجع بأكثر من عشرين مرة وسوف تصل بالكاد إلى 50 مليون دولار، ويتوقع مسؤولون حكوميون، ومراقبون محليون، انخفاض عوائد السياحة لعده أعوام مقبلة بسبب "عزوف" السياح الأجانب عن زيارة اليمن "وتعاظم المخاوف" من غياب الاستقرار..

تونس الخضراء.. توقعات بتراجع الإيرادات إلى نحو النصف
وأما تونس، التي شهدت أولى ثورات الربيع العربي، فما زالت تعاني من تراجع الحركة السياحية جراء التأثير السلبي الذي أحدثته أعمال العنف التي اجتاحت البلاد قبل وبعد تنحي رئيس ها السابق، زين العابدين بن علي. ويؤثر تراجع السياحة بالطبع على مستقبل 350 ألف شخص يعملون في هذا المجال أي ما يعادل 10 في المئة من القوة العاملة في البلاد. وتشير آخر التقديرات إلى أن تونس تستقبل سنوياً 7 ملايين سائح تجتذبهم الشواطئ والغابات والمناطق الصحراوية، وهذا العدد من السياح يعطي تونس 6 في المئة من إجمالي ناتجها القومي.

ويتوقع خبراء الاقتصاد التونسيون تراجع أعداد السياح القادمين من أوروبا إلى نحو النصف، والليبيين بنسبة أكبر بكثير بعدما كانوا يشكلون أكثر من ثلث عدد السياح ووصل عددهم العام الماضي إلى أكثر من مليوني سائح، لكن بعض الخبراء يبدون تفاؤلا في شأن النصف الحالي من هذا العام لأن الطاقة الاستيعابية في بلدان الجوار لا تحتمل أعدادا كبيرة من السياح، إضافة إلى استتباب الأمن عموما في تونس، وكذلك تراجع قيمة العملة الوطنية مقابل اليورو والدولار ما يزيد قدرتهم الشرائية ويخفض أسعار الفنادق والمواصلات.

وكان وزير السياحة التونسي مهدي سواح توقع تراجع ايرادات السياحة في العام الحالي بنحو النصف إلى (1,3) مليار دولار، وفقدان نحو 7 آلاف وظيفة يوميا نتيجة تراجع قطاعات النقل والأعمال المتعلقة بالقطاع السياحي.

أرض الكنانة.. استمرار الاضطرابات يعمق الخسائر
تلعب السياحة دورا مهماً في الاقتصاد المصري وفي السنوات الأخيرة باتت مصر واحداً من أفضل 18 مقصداً سياحياً على المستوى العالمي، ويكفي عرض بعض الأرقام لمعرفة الدور الحيوي للسياحة في مصر، ففي العام الماضي زاراها نحو 12 مليون سائح ما حقق دخلاً للموازنة يتجاوز 12 مليار دولار إضافة إلى مكاسب كبيرة حققتها الصناعات الأخرى القائمة على السياحة مثل الفنادق وشركات السياحة وغيرها، وتشير الإحصاءات إلى أن واحدا من كل 6 مصريين يعملون في قطاع السياحة، لكن أحداث ثورة يناير وما تلاها جرت على القطاع السياحي خسائر فادحة بعد تراجع أعداد السياح، وإنفاقهم وتراجع معدلات الإشغال الفندقي إلى ما بين 10 و15 في المئة.

وتتضارب التقديرات حول حجم الخسائر التي منيت بها السياحة لكنها أقلها تشاؤماً تشير إلى تراجع الموارد إلى الربع وأكثرها تفاؤلا تقدر الخسائر بنحو نصف موارد العام 2010، ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة فإن تقارير تفيد بأن أعداد السياح تراجعت بنحو النصف على الأقل عقب حالة عدم الاستقرار التي سادت بعد الثورة وتحذيرات الدول لمواطنيها بعدم السفر إلى مصر، ولعل ما زاد الأمور تعقيداً هو طول الفترة الانتقالية والأحداث المؤسفة التي وقعت في القاهرة بعد ذلك في ماسبيرو وغيرها، إضافة إلى تراجع أعداد السياح العرب من ليبيا وسورية.

السياحة في سورية.. فنادق فارغة ومخاوف من هجرة الخبرات السياحية
وفي سورية لا يبدو حال السياحة مختلفاً عن بقية الدول التي ذكرناها حيث يعاني هذا المجال من مصاعب جمة رغم أنه قطاع حيوي، ويرفد الدخل القومي بـ12 في المئة ويشغل 11 في المئة من اليد العاملة. وفي العام الماضي زود القطاع السياحي الخزانة بأكثر من (5,6) مليارات دولار، أي أكثر من 20% من عائدات سوريا من العملات الصعبة. وانعكست الأزمة المتواصلة منذ منتصف مارس آذار الماضي سلبا على قطاعات مختلفة مثل النقل والصناعات التقليدية والمطاعم وغيرها، وارتفاع نسب البطالة في هذه القطاعات، وتجميد الاستثمارات في عدد من المنشآت السياحية. وأشارت تقارير إلى أن إلغاء المجموعات السياحية الأوروبية حجوزاتها أدى إلى تراجع نسبة إشغال الفنادق ذات التصنيف 5 نجوم إلى أقل من عشرة في المئة، والفنادق الأقل تصنيفاً إلى أقل من النصف، وفرغت البيوت التراثية تقريباً من النزلاء.
 

ولم تفلح الجهود الحكومية والخاصة في تحسين الوضع رغم خفض أسعار الفنادق إلى النصف، وإجراء حسومات كبيرة في أسعار تذاكر الطيران على الخطوط السورية، ومن المتوقع أن تعمق العقوبات العربية الأخيرة والنصائح بمغادرة وعدم زيارته في تعميق خسائر القطاع السياحي التي قدرتها تقارير بنحو 60 في المئة في الأشهر العشرة الماضية.

لبنان والأردن… خسائر كبيرة تتعمق مع العقوبات العربية ضد سورية
تأثر القطاع السياحي في لبنان بقدر كبير بسبب الأحداث في سورية، ومن المؤكد أن تتعمق الخسائر مع دخول العقوبات العربية حيز التنفيذ، ويصل إلى لبنان سنوياً عبر المعابر السورية أكثر من 300 ألف سائح عربي. إضافة إلى سياح اجانب يفضلون القيام برحلات مشتركة بين سورية ولبنان، وتقدر بعض التقارير تراجع الحركة السياحية في لبنان في الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي بنحو 20 في المئة، نتيجة تراجع الحركة السياحية عن طريق البر والتي أصبحت شبه مشلولة خصوصا أن السياح القادمين من دول الخليج العربي والأردن وتركيا يجب أن يمروا عبر سورية. كما تراجع عدد السوريين الذين يقصدون بيروت في زيارات اليوم الواحد أو نهاية الأسبوع لأغراض السياحة والتسوق بقدر كبير ما انعكس سلبا على عمل الفنادق والمقاهي والمحال التجارية وغيرها.

وفي الأردن أفادت وزارة السياحة والآثار الأردنية أن عائدات السياحة انخفضت بنحو 16 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من عام 2011 مقارنة بعام 2010، وانخفضت أكثر من الربع لشهر تموز/يوليو 2011 وحده, مقارنة بتموز/يوليو 2010 . ويعزو الخبراء السبب إلى التأثير المباشر لأوضاع دول الجوار ويشيرون إلى أن الرحلات السياحية غالباً ما تتضمن زيارة مصر والأردن وسورية ضمن حزمة واحدة، ورغم استتباب الأوضاع، نسبياً، في مصر فإن التزام الأردن بالعقوبات العربية سيؤدي إلى مزيد من التراجع في أعداد السياح.

الآفاق المستقبلية…
تشير المعطيات السابقة إلى خسائر كبيرة في القطاع السياحي في البلدان العربية التي شهدت ثورات والمجاورة لها، لكن الأمل بتحسن الأوضاع في هذا القطاع الذي تعتمد عليه العديد من اقتصادات المنطقة في مجال التشغيل وتزويدها بالاستثمارات والعملات الأجنبية مازال قائما وهو رهن بانتهاء أعمال الأزمات وتقصير المراحل الانتقالية في مصر وتونس، وقد يلعب الانتقال إلى نظم أكثر ديموقراطية دورا مهما في تطوير السياحة والاستثمارات الأجنبية في القطاع السياحي إلى مستويات أكثر بكثير من مرحلة ما قبل الربيع العربي.

بقلم سامر الياس ـ "روسيا اليوم"

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله