دمشق " المسلة " سلوى صالح … يعتبر الخزف جزءاً مهماً من الفن التشكيلي تزخر به المتاحف العالمية ولكنه فن مغبون ومهمل بالرغم من أنه فن عريق تميز عبر التاريخ بجماليات زينت بها القصور والمساجد والكنائس فى سوريا بالإضافة إلى كونه فناً تطبيقياً يفيد في الاستخدامات المنزلية كالأواني والجرار والمزهريات.
ويتكون الخزف من تمازج ثلاثة عناصر هي الطين والماء والنار.. فالمادة الرئيسية في صنع الخزف هي مادة غضارية لزجة تسمى الطمي أو الصلصال الذي يتم تحويله إلى قطع خزفية تشوى في أفران خاصة ثم تطلى بطبقة الجص لتزخرف بمادة زجاجية تسمى المينا.
ولايتجاوز عدد الخزافين المحترفين الرواد في سوريا سبعة أشخاص منهم محمد الحسامي ورأفت الساعاتي وآمال مريود فيما لايتجاوز عدد الخزافين المحترفين من الشباب خمسين شخصا من خريجي معهد الفنون التطبيقية ومركز وليد عزت للفنون في حين يتجه الخريجون الآخرون للعمل في معامل الخزف الصناعي أو في مهن أخرى لاعلاقة لها بهذا الفن الأصيل.
وعن الدراسة في معهد الفنون التطبيقية الذي تأسس عام 1987 ويخرج سنويا حوالي عشرة طلاب يقول المدير طارق السواح إن الطالب الذي يتخصص بالخزف لدى دخوله المعهد يدرس عدة مواد منها التشكيل الخزفي وصب القوالب والتصنيع والشي وكيمياء الخزف.. وينفرد المعهد بتقنية الراكو التي تعطي الخزف بريقا معدنيا فيتعلم الطالب التصنيع الخزفي بكافة تقنياته ومراحل تكوينه علما أن المعهد يقدم كافة المواد الأولية من طين وألوان وتجهيزات وأفران مجانا للطلاب.
ويتابع السواح.. كان لدينا تجربتان نادرتان في مشاريع التخرج لهذا العام وهما إدخال المعدن مع الخزف حيث عمل الطلاب تشكيلات فراغية كبيرة عرضت في عدة معارض ومنها أكبر آنية خزفية وصل ارتفاعها إلى مترين ونصف.. كما عمل الطلاب على إدخال الورق مع عجينة الخزف والغاية من هذه التقنية تصنيع أوان خزفية ذات حجوم كبيرة بوزن خفيف.
إدخال المعدن مع الخزف لعمل تشكيلات فراغية كبيرة واستخدام الورق لتصنيع أوان خزفية ذات حجوم كبيرة ووزن خفيف ،وحول الصعوبات في المعهد تحدث السواح عن ضيق المكان في قلعة دمشق حيث خصصت للخزف غرفة واحدة فقط.. كما أن التعويضات التدريسية قليلة وغير مشجعة للمدرسين والأساتذة.
أما مركز وليد عزت الذي تأسس عام 1959 ويخرج سنويا حوالي سبعة طلاب فهو يقيم دورات نظامية كل ستة شهور بمبلغ رمزي ويفترض بالطالب اتباع أربع دورات متتالية يقدم في نهايتها مشروع تخرج لكي يحصل على شهادة مصدقة من وزارة الثقافة والباب مفتوح لجميع الهواة فوق عمر 18 وبحسب عبد العزيز دحدوح مدير المركز فإن الطلاب هم من جميع الفئات العمرية ومن أصحاب المهن المختلفة كالأطباء والمهندسين.
ويدرس المركز اختصاصات مختلفة كالنحت والخزف والتصوير والخط العربي إلا أنه يعاني من ضيق المكان أيضا ما أدى إلى إغلاق بعض الشعب مثل شعبة البرونز.. كما يعاني من قلة الإمكانيات المادية ومن عدم الإكتراث الإعلامي بمواهب طلاب المعهد وعدم تغطية المعرض السنوي لهؤلاء الطلاب.
وتحدث الخزاف رأفت الساعاتي مواليد 1940 أنه تخصص بالخزف في ألمانيا بطريقة الدولاب ولكنه يفضل الطريقة اليدوية وهي الطريقة التي يعلمها لطلابه لأن العمل اليدوي يجعل الطالب يتحكم بالأشكال التي يعملها فهناك أشكال لايمكن أن يعملها الدولاب.. وقال ربما كان سبب تعلقي بالخزف هو أنه عمل يدوي وهو استمرار للتراث وهو فن مهم للاستعمال والعرض أي أن وظيفته جمالية تراثية وتطبيقية.
الخزف استمرار للتراث وهو فن مهم للاستعمال والعرض.. وظيفته جمالية تراثية وتطبيقية
وعن الألوان الخاصة بالخزف قال الساعاتي إن هذه الألوان يجب أن تتحمل الشي بدرجات حرارة بين 850 إلى 1200 درجة مئوية بحسب الألوان فلكل لون درجة معينة وهناك ألوان تختفي بدرجة حرارة مرتفعة.
ويحتاج الخزف إلى وقت أكبر بكثير من الرسم والنحت فبعد التشكيل تشوى القطعة مرة اولى كفخار ثم بعد التلوين تشوى مرة ثانية..علما أن عملية الشي تستمر يومين أو ثلاثة أيام كما أن الفرن ولكي يصل إلى الحرارة المطلوبة يحتاج إلى وقت متدرج إذ أن سرعة التشغيل تتلف العمل.. ويجب أن يحتوي كل عمل على فكرة إضافة إلى التشكيل وهذا نوع من التجديد في الخزف.
وطالب الخزاف الساعاتي الذي تفرد بعمل يمثل الأرض العطشى المشققة بإرسال الخزافين إلى اتباع دورات حول هذا الفن في الخارج لاكتساب المهارات والاطلاع على تجارب الفنانين في البلدان الأخرى اذ لكل بلد طابعها المميز في الخزف وهذه مسؤولية وزارة الثقافة.
وشكا من عدم وجود معارض للخزافين مقارنة مع الفنانين التشكيليين مشيراً إلى أنه في المعارض السنوية يتم اقتناء لوحات الفن التشكيلي بأسعار عالية فيما يتراجع الإقبال على اقتناء الخزف لأن السوق مليء بالأعمال التجارية المقلدة والرخيصة.. كما أن اللجان الخاصة بالمعارض لاتقيم الأعمال الخزفية بمستوى تقييم الأعمال التشكيلية بالرغم من أن العمل الخزفي يحتاج إلى مجهود أكبر وكلفة مادية أكثر.
ويحلم الساعاتي بأن يكون له مشغله الخاص وفرنه الخاص وبان يكون لدى الناس ثقافة ذوقية تتقبل الاعمال اليدوية وتقدرها. أما الخزافة سميرة الغانمي التي تدرس الخزف منذ 1981 فقد اختارت فن الخزف لأنه من ارقى الفنون التي عرفتها الحضارات من عصور ماقبل التاريخ فقد نشأ بنشأة البشرية لارتباطه بالحاجة اليومية للانسان وهي تشعر انه عمل قريب منها منذ كانت طفلة تلعب بالطين ثم بمادة الصلصال التي خلقنا منها.
سوريا فقيرة بالخزافين المتخصصين لعدم وجود هذا الاختصاص في كلية الفنون الجميلة
ورأت ان سوريا فقيرة بالخزافين المتخصصين لعدم وجود هذا الاختصاص في كلية الفنون الجميلة.. وعزت انصراف خريجي معهد الفنون التطبيقية عن الاشتغال بمهنة الخزف الى كلفة الافران العالية وكلفة المواد الأولية اللازمة للخزف والتي لا تتوفر بشكل نظامي في السوق اضافة الى كلفة الكهرباء التي يسحبها الفرن فضلا عن قلة الاقبال على شراء الاعمال الخزفية مشيرة الى ان تجهيز مشغل للخزف يكلف الطالب الخريج حوالي مليون ليرة سورية.
وعتبت الغانمي على اتحاد الفنانين التشكيليين الذي همش الخزافين ولم يعطهم حقهم مطالبة بتخصيص مجمع خاص للخزافين يضم كل مايخص الخزف من مواد وطينة والوان ومعارض وورشات عمل وتسويق.. وتطمح ان تجد التمويل لاصدار مجلة خاصة بالخزف ملمحة الى عدم وجود صفحة على الاقل في مجلة الحياة التشكيلية مختصة بالخزف00وتستغرب عدم تكريم أي فنان خزاف حتى الآن.
وشددت على ضرورة الاهتمام بالطلاب المبدعين في مجال الخزف وضرورة اطلاعهم على تجارب الخزف العالمي خارج سوريا وتخصيص معارض لاعمالهم المبهرة وتسهيل قبولهم في الاتحاد دون طلبات تعجيزية مشيرة الى انها تركت العمل بالخزف منذ عشر سنوات واكتفت بالتدريس لما تشعر به من غبن لهذا الفن الجميل.
بدورها انتقدت الخزافة صريحة شاهين التي درست في مركز وليد عزت عدم اهتمام الاعلاميين والنقاد بفن الخزف وعدم تسليط الضوء على الأعمال الخزفية في المعارض الفنية.
وقالت إن الخزف ليس فنا وحسب بل هو علم قائم بذاته له نظرياته وتطبيقاته العلمية وهو صناعة عريقة ذات تقنية دقيقة وعالية اضيفت الى فائدتها النفعية مسحة جمالية واضافت.. لقد كبر معي تشكيل الخزف وشغفت به منذ ايام الطفولة عندما كنت اجسد اشكال الحيوانات والاشياء التي حولي بالطين تلك المادة التي ابدع الخالق اروع نموذج فني في الكون منها وهو الانسان.
وفي رده على انتقادات الخزافين قال مدير الفنون الجميلة أكثم عبد الحميد إن الفنان الموهوب يثبت وجوده على الساحة الفنية من خلال نشاطه الابداعي ونجد معظم الخزافين يتراخون طوال العام حتى اذا اقترب موعد المعرض السنوي فان كلا منهم يتقدم بعمل واحد للمشاركة في المعرض وغالبا لا تتوفر الشروط الفنية الابداعية في هذا العمل.
واضاف انه يتوجب على الخزاف ان يخلق الظروف المناسبة وينتج اكثر ليقيم معارض خاصة به لا ان يلقي فشله على الاخرين.. وهناك خزافون نشيطون مثل الفنانة ايميلي فرح التي اقامت عدة معارض خاصة ولديها محل لبيع الخزف في سوق المهن اليدوية بالتكية.
ومن جانبه أكد أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين أنور الرحبي أن الاتحاد يحتضن المواهب الخزفية ويقبل في عضويته كل من هو مبدع ومتميز.. وكل منتسب للاتحاد هو مشارك حقيقي في المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة.. واللجان التي تقيم الأعمال المشاركة تختار العمل الأميز.
وأوضح الرحبي أنه تتم الدعوة كل ستة اشهر مرة الى الانتساب للاتحاد حيث تبت لجنة مؤلفة من الخبرات الفنية في قبول الطلبات دون عوائق او صعوبات.