جمع مهرجان (دينزلي) للموسيقى التركية شكلا من الفن الموسيقي قد لا تستسيغه كل فئات الشعب التركي لكن سكان (دينزلي) احبوا الاغاني التي عزفتها فرق غنائية اجنبية خصوصا الموسيقى الغربية المعروفة بموسيقى (بوب) و(روك اند رول) و(هيب هوب).
المهرجان لم يكن جديدا على اهل هذه المدينة او الاقليم التابعة له اذ عادة ما يعيش اهالي هذه المنطقة مهرجانات عدة على مدار العام لكن ما يميز هذا المهرجان انه كان فنيا وهو الشيء الذي يحبه الاتراك على اختلاف مشاربهم ويعشقون كل ما هو فني خصوصا الطرب والاغاني التي يبرعون فيها ويهيمون بسماعها ،لايخلو يوم من ايام السنة الا وتشهد تركيا او احدى مدنها مهرجانا ثقافيا او سياحيا حتى يكاد يشعر معه المرء ان صناعة المهرجانات هي جزء من الواقع الثقافي والاقتصادي للشعب التركي.
ما يدهش في هذا المهرجان ان كل فرقة موسيقية مشاركة ادت بمعرفتها اغنية من الاغاني التركية المشهورة التي تتردد على السنة الاتراك لكن بمعزوفات من موسيقى (الروك اند رول) و(الهيب هوب) و(البوب) ما اثار اعجاب جمهور الحاضرين الذين ارتقى بعضهم طربا المسرح الذي اقيمت عليه فعاليات المهرجان.
لم يثر ذلك استغراب منظمي المهرجان اذ توقعوا تفاعلا من الجمهور وان كان بدرجة اقل مما حدث بيد انه كان محل دهشة من الفنانين الاجانب والفرق الموسيقية المشاركة وقال بهذا الصدد الجزائري ابراهيم عبوشي عازف الة الغيتار ل(كونا) ان تجاوب الجمهور التركي مع هذا اللون من الموسيقى لم يكن متوقعا بهذه الدرجة معتبرا ذلك دلالة على انفتاح الشعب التركي على الثقافات الاخرى.
واضاف عبوشي انه “سنح له ولاعضاء الفرقة الجزائرية لموسيقى (روك اند رول) اداء وصلات غنائية مشتركة مع فرق اجنبية اخرى باللغة التركية ما اثرى تجربة المشاركة” معربا عن استعداده لتكرار مثل هذه التجربة سواء في تركيا او خارجها شرط ان تحظى بتجاوب مماثل لما لقيته من الجمهور التركي.
واكد ان المهرجان وفر الفرصة للفرق المشاركة للتعرف عن قرب على تقاليد الشعب التركي وحضارته خصوصا الجوانب الفنية منها مبديا استعداده للمشاركة في هذا المهرجان اذا ما اقيم العام المقبل.
وهذا الانطباع ايده كرا اغش بصفته احد منظمي مهرجان الموسيقى وقال “كما هو معروف لما للفن من اثر فعال في التقريب بين الثقافات ومد جسور التواصل بين الشعوب فاننا نسعى بعد هذا التفاعل الجماهيري الى تنظيم هذا المهرجان بثوب جديد في الأعوام المقبلة”.
وبرغم الحضور القوي للموسيقى في المهرجان فان جوانب من ثقافة (دينزلي) كانت حاضرة هي الاخرى وهي فرصة اغتنمتها دار البلدية للتعريف بها وبالمواقع الاثرية في الاقليم خصوصا الاثار الرومانية التي مازالت صامدة في بلدة (باموك قلعة) لاسيما المسرح الروماني في البلدة المشهورة بجمالها الطبيعي الفريد من نوعه في العالم.
هذا المسرح الذي شيد ما قبل التقويم الميلادي بعشرات السنين احتضن معرضا عن ثقافة الاقليم وجوانب من حياة سكانه وابرز ما اشتمل عليه هذا المعرض هو التعريف ب(ديك دينزلي) الذي يتناقل اهلها باعتزاز مقولة عنه “كل ديك لا يصيح الا في بيته لكن ديك دينزلي يصيح في كل مكان” هذه المقولة جعلت شهرة (دينزلي) تطبق على كل الاسماع وبات معه الديك رمز فخر للمدينة.
ما يميز هذا النوع من الديكة هو بدنها الممتلىء ومنفوخ الصدر الذي يمنحها صوتا قويا يصدح بشكل غريب بثلاث نغمات مختلفة كما يميزها الالوان الزاهية لريشها التي تعطي بريقا مع انعكاس ضوء النهار عليها خلافا للانواع الاخرى من الديكة وكذلك العرف الكبير (التاج) اللافت للنظر بلونه الاحمر القاني الذي يسميه اهلها (تاج السلطان) وهو كان في ازمان غابرة تقليعة شعر لاهل (دينزلي) كما تقول المرويات التاريخية.
وبحسب المقولات التاريخية فان (ديك دينزلي) جلب من البانيا خلال حقبة الامبراطورية العثمانية وتم في ما بعد توطينه بدينزلي لمناخها الخلاب الذي يهيئ لهذا النوع من الديكة موطنا للتكاثر ولايعرف على وجه التحديد مدى صحة هذه المقولات لكن المؤكد ان ديك دينزلي لا يتوقف عن الصياح بتعاقب الليل والنهار او المكان.
جمال (دينزلي) وسحر طقسها كان موضوعا للادبيات الثقافية في العصرين العثماني والتركي لكنه تحول الان الى موضوع لصناعة السياحة وبرامج الترفيه والترويح سواء لاهلها او للشركات المتخصصة بتنظيم الرحلات للسياح الاجانب والاتراك على حد سواء.
والمغزى في ذلك ان جغرافية المنطقة التي تتوسدها (دينزلي) توفر خيارا مغريا لازدهار السياحة فيها برغم تواضع بنيتها التحتية التي تحتاج الى تطوير حتى يكون بالامكان منافسة اقاليم ومدن تركية اخرى مشهورة باستقطابها السياح من الداخل والخارج على حد سواء.
يشار الى ان (دينزلي) تعتلي هضبة مرتفعة عن ساحل بحر ايجه ويقطنها حوالي مليون نسمة بحسب احصاءات 2006 وتتالف من 18 مقاطعة من اهمها مدينة (دينزلي).
وكانت في ما مضى موطنا لحضارات بائدة بدءا من الروم وبيزنطة ولاحقا قسما تابعا لدولة السلاجقة وخضعت على امد القرون الوسطى لسيطرة الصليبيين حينا والمسلمين حينا اخر حتى استقر الوضع للعثمانيين الذين اسسوا من الاناضول امبراطورية امتد سلطانها من شرق اوروبا وحتى شمال افريقيا