بقلم / عادل صبرى
نحن أمام علاقة فساد متبادل ومنظم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تسعى كل منهما لإفساد الآخر، بشرط أن يدوم الحب والمودة فإذا خرجت إحداهما عن الخط كانت الفضائح في انتظاره ولكن في نهاية المطاف ليست هناك محاسبة وكل يهرب بحصاده. طال الفساد العديد من نواب البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى، قبل نهاية دورة برلمانية عصيبة.
قليل من الفاسدين امتدت إليهم يد العدالة في قضايا كانوا فيها راشين أو مرتشين أو مدلسين وقتلة، وكثيرون نجوا بأفعال يعاقب عليها القانون ولكن لم يتحرك أحد لمساءلتهم رغم أن الجرم ظاهر كالشمس واللص مازال »شايل شيلته« ونراها رأي العين ولكن لا يستطيع أحد منعه من الاستمتاع بها أو يقلقه في مضجعه.
وعلى النقيض من ذلك نجد نوابا لديهم مستندات فاضحة لوزراء ومحافظين ومسئولين كبار في الدولة لا تتاح لهم فرصة عرضها على البرلمان وإن تمكنوا من ذلك لا يستطعيون محاسبة أحد لأن التصويت النهائي، لا يتم وفقا للقانون وإنما للمصالح العليا للجماعة المهيمنة على قرار المجلسين.
لذا هالنا أن نسمع أمين التنظيم بالحزب الوطني أحمد عز يقول عقب سماعه من النائب مصطفى السلاب شكواه من محافظ القاهرة الذي أمر بهدم بعض عقارات أسرته عقب رفض النائب هدم بيوت للمواطنين في عزبة الهجانة بأن “ذلك فساد في السلطة وإهانة للبرلمان”.
إذا علمنا من تصريح أمين التنظيم أن المحافظ تعرض لإهانة النائب بتحويله الخلاف القانوني إلى عراك عنيف و شخصي في معركة بدأها المحافظ للانتصار للقانون الذي وضعته الحكومة وشرعه النواب فعليه أن يوضح أية فساد للسلطة يقصد .. البرلمان أم الحكومة ورجالها؟ إن حسم الأمور في هذه القضايا الشائكة، لا يستدعي تلفيق عناوين رنانة تلمح ولا تصرح فالمأجور امتلأ بدرجة جعلت الروائح الكريهة تزكم الأنوف وتختطف الأرواح في الصدور.
لقد كشفت الأحداث التي أعقبت هذه التصريحات أمرا جليا، عقب هياج النواب على محافظ القاهرة دعما لزميلهم السلاب ورفضا من المحافظ الامتثال أمام مجلس الشعب لمواجهته بما فعله في حق نائب الشعب، وهي أن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية شابها عدم الاحترام وغاب عنها الكثير من الوقار. فها هم النواب الذين تكالبوا لضرب المحافظ في مقتل لاعتدائه على زميلهم، يتربصون بزميل آخر وهو الدكتور جمال زهران لمجرد أنه سألهم مناصرتهم في موقف متطابق جرى مع محافظ آخر مارس معه نفس الأفعال في دائرته لدرجة دعته إلى الزج بشقيق النائب في السجن، ولولا هم النائب المستقل برفع قبضته في وجه الأشاوس ووجود عصبة من المصورين والصحفيين شهودا على الموقف برمته ما تفرق فتوات الحزب الوطني عنه.
كان ذلك حدثا عابرا، من النادر ألا تراه في البرلمان ولكن الملفت هذه المرة أن حالة التربص بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أصبحت واضحة. فها هي الحكومة تفسد النواب بالموافقة على تعيين العشرات منهم في وظائف عامة ورسمية أثناء حملهم عضوية البرلمان ليس بما يخالف الدستور ولا القانون فحسب بل بكل القيم والأعراف البرلمانية في أية نظم سيئة السمعة.
فنرى وزير البترول وقد وافق على تعيين النواب مجدي عرفة وفواز شاهين ويحي وهدان وأحمد أبو عقرب ومحمد الصحفي في درجات مديري عموم ووكلاء وزارة بمرتبات تبدأ من 16 ألف جنيه وما فوقها. كما عين الوزير وأقرانه عشرات آخرين في وظائف مستشارين وأعضاء مجالس إدارات الشركات. ويوافق وزير الصحة على قرارات علاج على نفقة الدولة لنواب بما يفوق قدرات وزارته ويسبب عجزا مرعبا بها يزيد علي 2.8 مليار جنيه، بما يجعل هذا الحق العام يذهب لفئة بعينها من المرضي، كثير منهم قادرون على تحمل نفقات علاجهم، بعيدا عن تحميل أعباء كبيرة على الموازنة العامة للدولة.
ونفس الأيدى التي تمتد بمخالفة القانون لمجاملة النواب هي التي تحرك أوراقا في الصحف وأجهزة الإعلام لتكشف فساد النواب، بل تتهمهم بإهدار المال العام والتربح من وراء تعيينات المواطنيين أو المتاجرة بقرارات العلاج على نفقة الدولة، مما خلط بين النائب الصالح والطالح بعمد ومع سبق الاصرار والترصد.
على النقيض من ذلك نجد نوابا لا يتحركون لأمر إلا إذا كانوا حصدة لأفعالهم، فهالنا أن نشهد زيارات ميدانية للجان برلمانية يحتشد فيها النواب، لزيارة محافظة أو منشآت حكومية ووزارات تستهدف في المقام الأول إنهاء طلبات للنواب تبدأ بتعيين أقاربهم ومعارفهم وتنتهي بتخليص الأراضي وامتيازات المشروعات التي ستصب خيراتها في جيوبهم. فإذا ما وجد هؤلاء النواب آذانا صاغية من المسئول أشادوا وكتبوا فيه أشعارا
وإذا كانت ” ودنه طرشه” كالوا له الاتهامات وحاكوا له المكائد. فالدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية الذي طلب من النواب وقف الضغط على المؤسسات الحكومية والوزراء للتعيين عن طريق المحسوبية ليكون دخول القطاع الحكومي والعام عن طريق المسابقات العلنية المفتوحة أمام جميع الأكفاء، وجد نفسا وحيدا في الصف رغم أن الظاهر من الأمر وقوف أمين التنظيم بجواره وتأييده لسياساته.
والدكتور طارق كامل وزير الاتصالات الذي شاهدته الأسبوع الماضي يطلب من النواب السماح له بتعيين دفعة جديدة بشركة الاتصالات عبر الإعلان العلني في الصحف والإنترنت، استجابة لطلب أحد النواب بذلك، انهالت عليه كلمات التعنيف تطالبه بأن يعين أقاربهم أولاً ثم يعلن عن باقي الدرجات الشاغرة، إذا تبقي منها شيء والفتات للآخرين، فامتثل الوزير خوفا وطمعا. ورأيت بعيني رئيس لجنة برلمانية كبيرة يذهب في صحبة لجنة أخرى كانت في زيارة لمكتب وزير من أجل طلب لتعيين ابنته في هيئة عامة بموقع محدد، وآخر يريد أن يأتي بمدير عام لشركة عامة في دائرته الانتخابية، وهو أمر أصبح يناقش على الملأ، بعد أن كانت تتم هذه الأمور في الدهاليز بكتمان بعيدا عن العيون وأسماع الآخرين.
إذن نحن أمام علاقة فساد متبادل ومنظم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تسعى كل منهما لإفساد الأخري، بشرط أن يدوم الحب والمودة فإذا خرجت إحداهما علي الخط كانت الفضائح في انتظاره ولكن في نهاية المطاف ليست هناك محاسبة. فلم يجرجر الدكتور ابراهيم سليمان إلى القضاء لمخالفته القانون بتوليه رئاسة شركة عامة أثناء عمله النيابي ولكن في قضايا أخرى متهم فيها بالفساد واهدار المال العام. ولم يفصل الدكتور هاني سرور من مجلس الشعب لأنه تاجر مع الدولة في مستلزمات طبية بعشرات الملايين من الجنيهات، ولكن لصدور حكم جنائي ضده. ولم يفصل لاعب القمار أو يبدأ التحقيق مع النواب الذين تحصلوا على وظائف حكومية وأراض من الدولة لأن الدورة البرلمانية أوشكت على الانتهاء، فإذل خرج النائب من البرلمان غنم وسلم وإن عاد سيسجل ما أخذه في كشف اقرار الذمة المالية فيكون متطهرا من الرجس الذي لحق به، ويدخل عمله في دائرة النسيان.
وعلى النواب الذين لم يتقنوا هذه الألاعيب أن يخلوا طريقهم لمن احترف اللعبة، وليس أمام شعبنا إلا أن يموت غظيا وكمدا وأن يصحصح الوزراء والمحافظون والمسئولون ويفتحوا عيونهم وجيوبهم لمثل هذه النوعية من البرلمانيين ويحذو حذوا المحترفين الآخرين في إفساد النواب وإلا فلن يهنأوا بمقاعد ولن تمر قوانينهم ولا اتفاقاتهم ، وإن سلمت مرة فلن يشهدوا الأخرى. أولى بأمين التنظيم أن يعلن للناس لماذا فسدت السلطة ولماذا يهان نواب الشعب، فقدرة التشخيص يجب أن تعلو على جرأة التصريحات؟!.