خطيب جمعة بغداد يكشف عن ثلاث أمور ستغير واقع العراق المؤلم ويدعو لعدم الاستعجال بالعقوبة
بغداد / فراس الكرباسي /
كشف امام وخطيب جمعة بغداد الشيخ عادل الساعدي في خطبة الجمعة، عن ثلاثة امور ستحقق المستقبل السعيد للعراقيين وتغير من واقعهم المؤلم وهي الصبر على البلاء والمثابرة بالعمل والتخلص من الفساد، مباركا للحكومة المصادقة على موازنة العراق في وقتها، منتقدا التردي في إيرادات الدولة التي تتشفع بأمور لا جدوى حقيقية منها لبناء الدولة، مشددا على عدم اعتماد الثأر والاستعجال بالعقوبة مع المغرر بهم، مطالبا جميع المؤسسات الحكومية أن تعيد حساباتها بجميع أبنائها الذين تخلفوا عن ركبها، وأن تعطي فرصة لهم أو تحاول تقريبهم مرة أخرى.
وقال الشيخ عادل الساعدي من على منبر جامع الرحمن في المنصور ببغداد، "روى علي بن مهزيار الاهوازي في حديث طويل أراد التشرف بلقاء الإمام المهدي، شافهني الامام وسألني عن أهل العراق فقلت: سيدي قد البسوا جلباب الذلة، وهم بين القوم أذلاء فقال لي: يا ابن المهزيار لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذ أذلاء) يبين هذا الحديث ما يمر به أهل العراق منذ قادم الأزمان من محن وبلاءات، إلا أنه ورد على لسان الإمام الحجة أملا مشرقا بانتصار المؤمنين وأهل العراق على كل التيارت المنحرفة وأهل الظلال والظلم، وينبسط سلطانهم على كل من ناؤهم وعاداهم وقتلهم ".
واضاف الساعدي ان "مثل هذه البشارة التي وردت على لسان لا يكذب ولا يكذب تدفع بنا لتجديد همتنا ورفع معنويات وزيادة نشاطنا ما دام المستقبل لنا، وهذا المستقبل لا يأتي إلا بثلاثة امور اولها الصبر على البلاء وتحمل ما نمر به، ولا يعني الاستسلام له بل عدم اليأس وشيوع حالة الانكسار في نفوسنا أو اتخاذ سبلا منحرفة للعيش وإن البلاء ينفع بغربلة النفوس وتهذيبها لرفع قابلياتها، ومن يعيش تحت الظلم يعرف مرارته فلا يظلم ويحكم بالعدل ".
وتابع الساعدي ان "الامر الثاني هو بالمثابرة والعمل على تحقيق المستقبل السعيد، فالانتظار المطلوب هو الانتظار الإيجابي بمعنى العمل على تغيير الواقع المزري والعمل بهمة ونشاط أكثر من قبل، وربما خير شاهد ما حل بالعراق من ويلات ودمار ويأس في زمن النظام المقبور، وحين ظهر السيد الشهيد محمد الصدر تجدد نشاط الناس وهم من صنعوا واقعا أفضل مما أريد لهم أن يعيشوه فتغيرت الحياة وخف الحصار وتقوضت يد الظالم وقد عايشنا تلك المرحلة ".
وبين الساعدي "اما الامر الثالث هو أن نغير من هذا الواقع المزري، فالفساد لن يبني مستقبلا سعيدا، وظلم بعضنا لبعض لن يحقق حياة كريمة، وهذا ما أشار إليه المرجع اليعقوبي حينما تحدث عن الدولة الكريمة والحياة الكريمة أنه قال لن تتحقق بمجرد الدعاء، بل به وبالعمل على إيجادها وأن لا نكون من مواطنيها فقط فإن مجرد المواطنة لا يحقق الحياة الكريمة، بل أن تكون مسؤولا عنها وقائدا فيها أي يستشعر كلا منا مسؤوليته في تحقيقها ".
وبخصوص الموازنة، فقد اشار الساعدي أننا "نبارك للحكومة المصادقة على موازنة العراق في وقتها غير أننا يسوئنا هذا التردي في إيرادات الدولة التي تتشفع بأمور لا جدوى حقيقية منها لبناء الدولة كإعطاء الإجازة أو عدم التعيين لخفض النفقات، اننا نحتاج الى بناء استراتيجية صحيحة في زيادة مدخولات الدولة وتنشيط القطاع الصناعي والزراعي والمجالات الأخرى مازلنا نفتقر لمثل هذا التخطيط الذي يجنبنا الاعتماد على النفط بشكل كلي، وفي ظل هذا التقشف واستيعاب الطاقات الجديدة سيزيد من معدلات البطالة لذا على الحكومة ان تنهض القطاع الخاص بشكل أفضل لاستيعاب هذه الطاقات الشبابية بدلا من أن نتركها فرصة للانحرافات السلوكية أو الإرهاب ".
ودعا الساعدي الحكومة أن "تبذل قصارى جهدها لإعمار المناطق المحررة وارجاع أهلها الى مناطقهم وعودة الحياة إليهم وينبغي على الحكومة ودبلوماسيتها الخارجية اعادة النظر في استراتيجياتها السياسية ومن يمثلها في العالم لما يحصل من أفعال تثير حفيظة الشعب العراقي، وإن دل على شيء فإنه يدل على غياب الرؤية الموحدة وغياب احترام الدولة والشعب لدى بعض المسؤولين ".
وتطرق الساعدي لموضوع مهم وهو عدم الاستعجال بالعقوبية واعطاء فرصة للتوبة واصلاح الحال، إن "العقاب عادة يأتي من الانفعال مع الأحداث بصورة غضبية، ومع هذه الحالات يفقد فيها الإنسان الصواب، كما أنه لا يعطي فرصة للمخطئ بمراجعة حساباته، وسيرة النبي الأكرم محمد مليئة بعدم التفاعل السلبي مع المخطئين أي لا يلجأ إلى الاجتثاث ووسائل القطع والبتر إلا بعد اليأس من الصلاح، وعادة ما يعطون فرصة للتأهيل، وهذا ما تدعو إليه المرجعية إليه وتوجه قيادات المجتمع بصورة عامة ومن يتبعها حركيا بصورة خاصة. التأهيل اعادة الحياة واعادة النشاط واعطاء الفرصة للمخطئين ".
وشدد الساعدي على عدم اعتماد الثأر والاستعجال بالعقوبة منهجا في بناء الدولة حيث قال ان "من وصايا الإمام الحسن السبط (لا تعاجل الذنب بالعقوبة وأجعل بينهما للاعتذار طريقا) فمازالت سيرتنا كأمة مبتعدة عن منهجية أهل البيت إذ أصبحت سيرة الأغلب هي التسقيط والعقاب دون أن نفكر بإعطاء فرصة للتدارك، ولو نظرنا إلى القرآن الكريم عادة ما يتجنب ذكر الأسماء في الحوادث، ويركز على السلوكيات لا على افرادها ليعطي الفرصة للتهذيب وهذه سيرة الامام علي (عليه السلام) مع من أعدائه ".
وبين الساعدي "ما أحوجنا اليوم لمثل هذا السلوك من المنهل العذب أن نتخذه طريقا لرأب الصدع، علينا اعادة النظر في سلوك الاحتراب ومنهج العقاب ونبذ العنف أسريا ومجتمعيا وسياسيا وثقافيا، واعطاء فرصة للتأهيل لعودة الآخرين، فاليوم نحتاج إلى وثيقة تفتح عهدا جديدا وتعطي الفرصة في لم شمل أطياف العراق على أن تكون جامعة للجميع وأن لا تكون على حساب الحقوق لابد أن نزرع الأمل من جديد وأن نتخذ الثقة والاطمئنان ركيزة بين الجميع، ولنطفئ لغة السلاح والاقتتال والإلغاء ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، أو يستضعف بعضنا بعضا ويفرق شمل الناس " .
وطالب الساعدي على جميع مؤسساتنا أن تعيد حساباتها بجميع أبنائها الذين تخلفوا عن ركبها، وأن تعطي فرصة لهم أو تحاول تقريبهم مرة أخرى، ومن أخطأ فليس الخطأ أعظم من الإصرار عليه، فمن أحب أن يكون مع أهل البيت عليهم السلام فليتبع أخلاقهم وسلوكهم ومنه التمهل بالعقاب واعطاء الفرصة من خلق الله وخلق رسوله وأهل بيته فعلينا أن نتدبر مثل هذه الأحاديث وأن نقف عند مثل هذه الإرشادات لتصحيح سلوكياتنا ".