بقلم :د.صلاح بن فهد الشلهوب
منذ أن بدأ الاهتمام بتشكيل معالم الاقتصاد الإسلامي على المستوى التطبيقي بدأ الحديث بصورة واسعة عن موضوعات مثل اقتصادات صناعة الملابس والأكل الحلال إضافة إلى مسألة السياحة العائلية التي تهتم بإيجاد مواقع سياحية تجذب كثيرين من الأفراد المحافظين الذين يبحثون عن بيئة مناسبة للترفيه مع عائلاتهم دون الاضطرار إلى السفر لبعض البلدان المنفتحة التي لا تراعي جانب توفير البيئة المناسبة للعائلات المحافظة، ومن هنا بدأت بعض المبادرات لرجال الأعمال ومن ثم بدأ الاهتمام بصورة أكبر عندما أعلنت دبي أنها ستكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي، كان من ضمن المبادرات الاستثمار في السياحة العائلية التي يتوقع ألا تستقطب فقط المسلمين بل جميع المحافظين من مختلف الديانات والثقافات.
السياحة العائلية أو ما قد يصفها البعض بالسياحة الحلال -مع التحفظ على هذا التعبير- قد تحقق نموا وعوائد كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة مع تنامي الاهتمام بهذا القطاع وحجم ما ينفق على قطاع السياحة في ظل الإقبال الكبير على السياحة في دول الخليج والعالم عموما، حيث أشار تقرير أصدرته حكومة دبي تم إعداده من قبل تومسون رويترز ونشر في خبر بموقع العربية نت: "انقطاع السياحة الحلال يمثل 11.6 في المائة من حجم الإنفاق السياحي على مستوى العالم، مع توقعات بارتفاع قيمته إلى 238 مليار دولار بحلول عام 2019."
هذا الخبر يأتي في فترة متزامنة أوضح فيها المدير التنفيذي لـ6 فلاجز أن افتتاح أول مدينة ألعاب ترفيهية في المملكة سيكون في عام 2020م أو 2021م، وتم تحديد ثلاثة مواقع محتملة لأول مدينة ألعاب ترفيهية، الجانب الأهم فيما أشار إليه المدير التنفيذي لهذا المشروع أنه لن يكون مجرد تكرار للمشاريع السابقة في أنحاء العالم بل سيكتسي صبغة محلية، وسيكون أيضا بقوة الفروع الأخرى والتنوع نفسه، وكان المدير التنفيذي يشير هنا إلى جانب مهم مرتبط بالبيئة المحلية في المملكة، وهذا المشروع قد يكون من أهم المشاريع الترفيهية في المملكة خلال الفترة المقبلة التي يتوقع أن تنتهي فيها مجموعة كبيرة من المشاريع الترفيهية والسياحية.
«رؤية المملكة لعام 2030» كان واضحا بها الاهتمام بجانب الترفيه والسياحة بصورة عامة، ولعل المشاريع في بداياتها ستهتم بالمواطنين وقد يكون في الخطط المقبلة اهتمام أكبر بالسياحة باعتبار أن المملكة الوجهة الأهم للمسلمين لأداء الحج والعمرة.
والسؤال هنا: هل المملكة يمكن أن تتبوأ مركز الريادة في مجال السياحة العائلية؟
لا شك أن المملكة تعتبر إحدى الوجهات الأهم في حياة المسلمين وهي أيضا تعتبر إحدى أهم الدول في المنطقة على المستويين الاقتصادي والسياسي، كما أن المملكة تعتبر إحدى أهم المناطق تاريخيا باعتبار أنها جزء مكون للعالم القديم مهد الحضارات وحركة النشاط التجاري بين المناطق المختلفة في العالم ومركز ربط بين القارات الثلاث، فجميع العوامل التاريخية والجغرافية الجاذبة للسياحة متكاملة في المملكة، إلا أن السياحة اليوم أصبحت علما ونشاطا اقتصاديا مهما، ومجموعة من المتطلبات التي لا يكفي فيها تكامل الظروف الطبيعية إذا لم يكن هناك عمل لتسهيل المتطلبات الأخرى التي تتعلق بأمور منها الإجراءات والتشريعات والخدمات وتوفير القوى البشرية القادرة على العمل بكفاءة عالية في هذا القطاع، فاليوم كثير من دول العالم تعتمد على السياحة في ناتجها القومي، والمملكة باعتبار أن لديها توجها واضحا في تنويع مصادر الدخل فمن الأهمية بمكان العمل على تعزيز قطاع السياحة العائلية الذي يمكن أن يحقق لها عوائد كبيرة ويوفر وظائف متعددة وفرصا كبيرة للكسب للمواطنين، ولا شك أن طبيعة المجتمع تحتم التركيز على السياحة العائلية خصوصا مع إشارة مجموعة من التقارير الاقتصادية إلى تنامي الاهتمام بها في العالم وما زالت الفرصة فيه كبيرة حاليا خصوصا أن الاهتمام بها ما زال محدودا مقارنة بأنشطة الاقتصاد الإسلامي ومثل المصارف ونشاط التمويل الإسلامي أو الأغذية الحلال أو حتى الاستثمار في الأزياء المحافظة.
فالخلاصة أن السياحة العائلية المحافظة اليوم يمكن أن تحقق عوائد جيدة وما زال حجم النمو فيها كبيرا وقد تستقطب مهتمين بها في مختلف دول العالم بعيدا عن خلفياتهم الدينية أو الثقافية، كما أنها يمكن أن تحقق عوائد تعزز من تنويع مصادر الدخل في المملكة، والمملكة اليوم مع العمل على تحقيق «الرؤية لعام 2030» واهتمامها بجانب الترفيه، يمكن لها أن تعمل وفق برنامج معين على أن تكون المملكة إحدى أهم وجهات السياحة العائلية في العالم.
نقلا عن الاقتصادية