طرابلس … برزت في الفترة الأخيرة على الساحة الليبية نداءات من قبل خبراء ومتخصصين في مجال الآثار تطالب بإلغاء قرار اليونسكو إدراج مواقع التراث العالمي الليبية الخمسة في قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر والتي بلغت حد تقديم أحد الخبراء طعنا في قانونية هذا القرار.
وأدرجت لجنة التراث العالمي خلال اجتماعها في مدينة إسطنبول بتركيا في يوليو/تموز من العام الماضي المواقع الخمسة على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر بسبب الأخطار الحالية والمحتملة التي يسببها الصراع القائم في البلاد، بحسب اليونسكو.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، فإن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر “تهدف إلى إطلاع المجتمع الدولي على الظروف المهدِّدة باندثار الصفات التي أدت إلى إدراج موقع ما على قائمة التراث العالمي وحشد دعم المجتمع الدولي من أجل حماية هذه المواقع”.
وتضم المواقع التراثية الخمسة حضارات وحقب كثيرة من عصور ما قبل التاريخ والحضارات الفينيقية واليونانية والبيزنطية والرومانية التي توجد في مدينة شحات الأثرية، ومدينة لبدة الكبرى الأثرية، ومدينة صبراتة الأثرية، وجبال أكاكوس الصخرية ومدينة غدامس القديمة.
قرار غير قانوني
ويعتبر بعض الخبراء والمتخصصين في مجال الآثار أن قرار اليونسكو له ما بعده ولن يكون الأخير في هذا الشأن وتوقعوا أن يرتقي لتفريغ البلاد من آثارها بحجة حمايتها، كما يرى بعضهم أنه غير قانوني ويجب الطعن فيه، في حين يسود إجماع بينهم على عدم موضوعية إدراج ثلاثة من المواقع الخمسة في قائمة الخطر، واتفقوا على فشل الجهات الرسمية الليبية في إدارة الملف.
وقال أستاذ الآثار بجامعة عمر المختار أحمد عيسى إن لجنة التراث العالمي استندت في قرارها على معلومات استقتها من اجتماع غير رسمي في تونس، وأن من حضروا الاجتماع من الليبيين قدموا معلومات “غير دقيقة” ولم يتوقعوا أن تستخدم في إطار قانوني، واصفا تصرف اللجنة “بالتحايل” ويجب الطعن فيه.
وشدد عيسى في تصريحه للجزيرة نت على ضرورة أن تقدم مصلحة الآثار الليبية طعنا في قرار لجنة التراث العالمي، معتبرا أن اللجنة لم تقيم حالة المواقع التراثية بشكل دقيق.
وأبدى المدير التنفيذي لمؤسسة التراث الطرابلسي عبد المطلب أبو سالم عدم رضاه عن قرار لجنة التراث العالمي، مؤكدا أن ثلاثة من المواقع التراثية العالمية في ليبيا ليست معرضة لمخاطر الحروب أو أي تهديدات أمنية، وهي المواقع الموجودة في غدامس ولبدة وصبراتة، على عكس المواقع في مدينة شحات وجبال أكاكوس.
وفي حين يعتقد خبير الآثار حافظ الولدة أن ليبيا في حاجة إلى وضع بعض مواقع التراث العالمي في قائمة الخطر حتى تتلقى المساعدة لحمايتها إلا أنه أكد عدم موضوعية وضع المواقع في صبراتة ولبدة وغدامس ضمن قائمة الخطر “لما في ذلك إساءة للمنطقة التي توجد بها المواقع، وإحباط للقائمين عليها الذين يقومون بدورهم في الحفاظ عليها”.
وبحسب الخبراء، فإن مدينة شحات الأثرية تتعرض ﻻعتداءات كثيرة، بتقسيم الأراضي فيها لغرض البناء عليها، في حين تتعرض رسومات ما قبل التاريخ في جبال أكاكوس جنوب غربي البلاد إلى اعتداءات بخربشات بقطع معدنية أو بطلاء لطمس بعض الرسومات فيها.
وفي تصريحه للجزيرة نت بيّن الولدة، الذي كان يعمل مستشارا سابقا لمصلحة الآثار الليبية لدى اليونسكو، أن ليبيا لم تتلق حتى الآن أي مساعدة دولية لحماية المواقع التراثية في ليبيا، وأن المساعدات التي تقدم تأتي فقط على المستوى النظري وليس العملي كعقد الندوات وورش العمل.
إهمال رسمي
واتفق المتحدثون في تصريحاتهم للجزيرة نت على أن هناك إهمالا وبرودا غير مبررين في تعامل الجهات الرسمية الليبية مع هذا الملف بما فيهم المندوبية الليبية لدي اليونسكو، وتوقعوا أن الأمر قد يصل إلى حد شطب المواقع الخمسة من التراث العالمي في حال استمر عدم اهتمام السلطات الليبية.
وتعاني مصلحة الآثار الليبية تبعات حالة الانقسام السياسي الذي أثر في معظم مؤسسات الدولة الليبية بين الشرق والغرب، ويوجد بها مصلحتان، إحداهما تابعة لحكومة الوفاق الوطني غربي البلاد، والأخرى تابعة للحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب شرقي البلاد.
وتأسف أبو سالم في سياق تصريحه للجزيرة نت لعدم وجود تضافر للجهود على المستوى الرسمي والمؤسسات المعنية بصون وحفظ التراث الثقافي، مضيفا أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لم يعط الأمر اﻻهتمام والأولوية الكاملة، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل لجنة استشارية عليا لصون وحماية الممتلكات الثقافية في البلاد.
ويرى أبو سالم أن حل المشكلة محلي بالدرجة الأولى من ناحية توفير الحماية والأمن للمواقع المعرضة للخطر، وذلك من خلال السلطات المحلية كالبلديات ومنظمات المجتمع المدني وتشكيل فرق وطنية للتدخل في أوقات الأزمات والكوارث أو عند وقوع انتهاكات أو اعتداءات.
ودعا الولدة إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق ورصد التقارير عن واقع حال المواقع التراثية الخمسة بعيدا عن اليونسكو وعن الجهات الرسمية الليبية، مشددا على ضرورة توحيد مصلحة الآثار المنقسمة بين الشرق والغرب لتتمكن من القيام بدورها المطلوب والعمل على زيادة الوعي المجتمعي بالمواقع الأثرية.
وتوقع أستاذ الآثار أحمد عيسى أن يستمر العجز الرسمي الليبي تجاه هذا الملف، وأن ليبيا لن تتمكن من تقديم أي جديد في الاجتماعات القادمة للجنة التراث العالمي التي سوف تعقد في يوليو/تموز القادم في بولندا لعدم وجود أي أعمال أو تقارير قيد الإنجاز في الوقت الحالي.