من منّا لا يعي أهمية السياحة للدخل القومي؟ فالحركة السياحية في أي مكان حول العالم هي موّلد إقتصادي مهم جداً لما يخلق من دخل للدولة والأفراد، ناهيك عن فرص العمل التي يوفرها لأبناء البلد. بحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن وزارة السياحة والآثار لعام ٢٠١٦ فإن ما يزيد عن ٤٢ ألف أردني يعملون في قطاع السياحة في مختلف الوظائف؛
في حين قد أرفد هذا القطاع الاقتصاد المحلي بأربعة مليارات دولار شكلت ما يقارب ١٠٪ من ناتج الدخل المحلي. اللافت في الأمر هو أن ما يفوق ٨٥٪ مجموع العمالة المسجّلة في هذا القطاع هي في عمّان! نعم عمّان هي العاصمة والقلب النابض، إلّا أن هذه النسبة تؤشّر إلى حاجة للنهوض في القطاع السياحي من المواقع السياحية نفسها، أي تحفيز وتأهيل أبناء المناطق التي تقع فيها مواقع الجذب السياحي للعمل في المنشآت السياحية أو حتّى بإبتكار مشاريع سياحية خاصّة بهم، وهكذا تسير عجلة التنمية للأمام وتوّجه الطاقات بالشكل الصحيح.
كنوز أثرية مبسوطة من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها، تحكي قصص أمم وشعوب عاشت على هذه الأرض في حقبات زمنية مختلفة، واللأ معروف منها أكثر من المعروف وكثير من هذه المعالم لم يستحوذ على العناية والتقدير اللازمين من قبل الجهات المعنية، ومنها ما تعرّض فعلاً للسرقة والعبث، هذا من جانب الآثار؛ إلّا أن هنالك غير الآثار من مواقع جذب للسياحة العلاجية والسياحة الدينية وسياحة الإستجمام.
في الغالب كلها تعاني من نفس المعوّقات التي تبدأ من فقر البنية التحتية للخدمات في هذه المواقع، وإن وجدت خدمات فعلاً بجودة مقبولة فسوف تكون مكلفة جداً للسائح العادي الذي ليس من الضروري أن يكون ثريّاً، وهذا هو العائق الثاني المتمثل في غلاء أسعار السلع والخدمات الخاصة بالسياح.
والأهم من ذلك كلّه هو الضعف في دعم وتشجيع المشاريع السياحية مهما كبرت أو صغرت، فنحن نحتاج أكثر من أي شيء وأكثر من أي وقت مضى لدعم المشاريع السياحية بجميع أشكالها لتخفيف الكلف عليها حتّى تستطيع أن تعزز تنافسيتها مع مثيلاتها في المنطقة )الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اليوم وبوجود منصات الكترونية متخصصة في السياحة حول العالم أصبحت المقارنات أسهل وأوضح للسائح أينما كان، فأيّ منا يستطيع أن يتصفّح أي من هذه المواقع ويقارن أولاً الأسعار مقارنة مع دول وجهات أخرى، وثانياً نوع الخدمات مقابل السعر.
وهنا تظهر الفروقات جليّة، فحتّى المواطن يجد في دول الجوار متنفسا أجدى لميزانيته المتواضعة بالأغلب؛ فبسعر غرفة لليلتين في فندق من فئة الخمسة نجوم في وطننا يستطيع أن يحصل المواطن على حزمة كاملة شاملة لكل ما يلزمه لأسبوع في منتجع فاخر خارج الوطن.
وأصبح بالإمكان أيضاً أن يستعلم السائح عن كافة التفاصيل من خلال المدوّنين على هذه الصفحات من الزائرين السابقين للمواقع والمستخدمين للخدمات وأخذ النصح منهم قبل الحجز. لقد أصبح هناك قاعدة بيانات سياحية ضخمة مبنية على خبرات وتجارب السائحين أنفسهم، في ما يعد أحدث وأجدى أساليب التسويق السياحي لما توفره قاعدة البيانات هذه من معلومات وتفاصيل تغطي الإيجابيات والسلبيات على حد سواء يرويها الأفراد للأفراد.
هذا يعني أن الحملات التسويقية التقليدية لوحدها لن تنجح في استقطاب الأعداد التي نطمح إليها من السائحين، فهم أمام خيارات كثيرة، فيما نعاني نحن من فجوة بين الثراء في المواقع المستقطبة للحركة السياحية من طرف و التنافسية في الخدمات والأسعار المقدمة لهم من طرف آخر.
لنكون بيئة جاذبة بشكل قوي للسائحين علينا أن نبني بيئة مستقرة جاذبة للمستثمرين في مجال السياحة أولاً، فهذا هو الشرط الأساسي لتحفيز النشاط السياحي وتعزيز تنافسيته. لأن إرتفاع أسعار الخدمات السياحية هو نتيجة حتمية لإرتفاع التكاليف على المشغلين والمستثمرين من ضرائب ورسوم تشمل كل شيء يحتاجه السائح منذ لحظة وصوله وحتى مغادرته.
صناعة السياحة هي علم حقيقي يحتاج إلى جهود وإبداع لمواكبة متطلبات السوق وتحدياته.
نقلا عن الرأى