تجليات الغزل العفيف في غناوي العلم
جذورنا تراثية في ثقافتنا الشعبية
الحرف الشعبية فى عالم متغير
المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية: عبد الله الطيب نموذجًا"
القاهرة "المسلة" ….. بدأت فعاليات الجلسة الثانية (أ) من الملتقى الدولى " الثقافة الشعبية العربية" رؤى وتحولات والتى نظمها المجلس الأعلى للثقافة بأمانة د. أمل الصبان , بالتعاون مع المركز الحضارى لعلوم الإنسان والتراث الشعبى برئاسة د.محمد غنيم – كلية الآداب جامعة المنصورة, وذلك بالمجلس الأعلى للثقافة , حيث تناول د. خطرى عرابى فى بحثه بعنوان"تجليات الغزل العفيف في غناوي العلم"محاولة لربط الثقافة البدوية المعاصرة بالثقافة البدوية.
قائلا "غِنّاوة العَلَم" هى أشهر أنواع الشعر الشعبي البدوي الخالص، ينميز بها البدوي عمَّن يدَّعي البداوة، وهي الوحيدة من الشعر البدوي التي يسِمُها البدوي بلفظة غناوة ذلك لاعتمادها على ترنيم الصوت وتكراره مراتٍ عِدَّة أكثر من اعتمادها على كلماتها، ومن هنا كانت كلمة غناوة ألصق بها وأقرب إلى حقيقتها من كلمة أغنية, وأضاف ان بنية غناوة العلم تتكون من سبع كلمات، تقع في سبعة أبواب، تدور معانيها حول الغزل العفيف، وهذا ما جعلنا نخصص الغزل العفيف مدخلا لهذه الدراسة, وتقديري أن مسحة الغزل العفيف المهيمنة على غناوي العلم إنما هي وثيقة الصلة بنظيرتها في المجتمع العربي القديم حيث جاءت رعاية للتقاليد والأعراف التي تستهجن التصريح باسم المحبوبة، أو التشبيب بها تحت أي سبب من الأسباب، فكان لهم في تلك الغناوي – التي تشي، ولا تصرح، وتنفس عن مشاعرهم، دون اصطدام بقيم المجتمع وعاداته وتقاليده – مخرجٌ من التقاليد البدوية.
واكد عرابى ان هذه الدراسة تهدف إلى التعريف بهذا النوع البدوي المتميز، وسماته الفنية، وقيمه الموضوعية، وطريقة أدائه، كما تهدف إلى حصر الموضوعات التي تتناولها غناوي العلم والوقوف على أكثر الموضوعات ثراءً، وهو موضوع "الغزل العفيف"، مع تلمس النقاط المشتركة بين الغزل العفيف في الثقافة العربية القديمة، ونظيره في غناوي العلم.
واستعرض خليل عودة بحثه بعنوان" الثقافة لشعبية بين الإقناع والإمتاع"
فقال تعد الثقافة الشعبية مصدرًا مهمًا من مصادر تكوين الشخصية وتشكيلها، لأنها الأساس الفكري والعاطفي الذي يستمد منه الشخص قيمه الأخلاقية والإنسانية وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة التي ينشأ فيها، والمجتمع الذي ينخرط فيه سلوكيا واجتماعيا وهذه الثقافة الشعبية التي تعد مصدرًا مهمًا من مصادر الحديث المتداول بين الناس تحمل كثيرًا من التوجيهات التي تصبح مع مرور الوقت جزءًا مهمًا من تكوين شخصية الفرد وتحديد سلوكه, واضاف ان الثقافة الشعبية ليست نمطًا واحدًا متكررًا بين كل الشعوب وإنما تختلف من بلد إلى آخر، ومن شعب إلى شعب بحسب خلاصة تجارب الأفراد والجماعات، فهي أشبه ما تكون بمرآة تعكس روح الأمة وعبقريتها، وبالتالي تتشكل الثقافة الشعبية في كل أمة وكل مجتمع نتيجة تجارب أفرادها وخبراتهم في الحياة التي يعيشونها, واشار الى ان هذه الخبرات يتم تقديمها في أنماط شعبية مختلفة، منها الحكاية والمثل والموال والأغنية، وغير ذلك من الأنماط التي تحمل خبرات الأفراد وتقدمها بطريقة معينة فيها قدر كبير من التشويق والإمتاع من خلال اللغة المتناسقة والمختارة بدقة، والتي تعتمد على أساليب البيان العربي الراقية من إيجاز وسجع وتشبيه، أو غير ذلك من وسائل التعبير التي تجذب انتباه المتلقي وتفرض المعنى عليه، فمثلاً المثل الشعبي الذي يقول: الأقارب كالعقارب، يعتمد وسائل تعبيرية تستحوذ على اهتمام المتلقي، مثل الإيجاز والتشبيه -التناسب اللفظي والجناس مما يجعل المتلقي يستمتع أولاً بالمثل ويحفظه، ويتأثر به ويحاول إقناع نفسه به، فالإقناع يأتي في مرحلة تالية للإمتاع، والإمتاع وسيلة سهلة من وسائل الإقناع,وان البحث يحاول إيجاد قواسم مشتركة في الثقافة الشعبية بين الإقناع والإمتاع في نماذج مختلفة بهدف تأكيد المنطلقات الأساسية التي تعتمد عليها الثقافات الشعبية في توجيه السلوك وتشكيل الشخصية.
وقال على بزى فى كلمته بعنوان "جذورنا تراثية في ثقافتنا الشعبية".
لو تتبعنا حركية التواصل العالمية بين البشر، نجد التطور المضطرد لهذا التواصل بدءًا بالتواصل التقليدي حتى عصر ثورة المعلوماتية العالمية في ميدان الإنترنت والفضائيات. ونحن كبحاثة ومتتبعين لهذه الحركية التواصلية الاجتماعية نركض في مساحات الزمان والمكان، نحط الرحال لنستنطق حينًا ونطير مع الزمن الضوئي أحيانًا. الإنسان يكبر وينمو والكرة الأرضية تصغر وتضيق. هناك جدلية دائمة بين التقدم والحضارة، بين الثقافة والحداثة، بين ما هو قديم وما هو حديث… من بين هذه الجدليات الثقافة الشعبية كهوية لمجتمعٍ ما, واضاف الثقافة الشعبية التي يبدعها الشعب عبر حقب زمنية متعاقبة تشكل مادة غنية ومعبرة ذات دلالات رمزية ضمن المنظومة الثقافية للمجتمع. والثقافة الشعبية عامل أساسي في توحد الجماعات وعلى مختلف دوائر الانتماء، هذا ما يجب إبرازه والتركيز عليه وفق الدراسات المبنية على الأسس العلمية، كما علينا أن نعمل على القواسم المشتركة في الثقافة الشعبية لتوطيد أواصر اللحمة على مستوى مجتمعاتنا العربية في مواجهة الثقافة الكونية القادمة مع العولمة، حيث نجد أنفسنا أمام تحدٍّ، في تأكيد هويتنا.
تدوين التاريخ الاجتماعي، بدأ يجد مكانة له في الأبحاث والدراسات. مع العلم أن ثقافتنا الشعبية تحتوي عناصر ثقافية وأصاله متجذرة، مما يجعلها أمينة على القيم الإنسانية. هذا الجانب الثقافي، فيه من المرونة ما يجعله قابلاً للتأقلم مع تطور ونمو الحضارة العربية، وذلك لإعطاء هذا الموروث بعدًا قوميًا إنسانيًا وعلميًا في الوقت نفسه, يشكل المأثور الشعبي حاليًا في أي نقطة تاريخية محددة، وحدة متجانسة متكاملة ومتماسكة، مع العلم أن هناك وجودًا لبعض الاختلافات إثر تراكمات عبر العصور المتعاقبة والموغلة في القدم. لذلك لا يمكننا إقامة الدليل لتحديد حدود هذا المأثور بدقة، إلا أنه أحيانًا نستطيع تعقبه وتحديده.
هذه الثقافة الشعبية هي ثمرة كل ثقافة إنسانية، فهي هجين من ثقافات شتى وربما متباعدة، والضمير الشعبي لا يميز بين العناصر المختلفة الداخلة في الثقافة جاهلية، هندية، فارسية، سريانية، فرعونية…, فالظاهرة الشعبية مركب معقد، وهذه الثقافة ليست عربية أو جاهلية أو هندية أو فارسية أو سريانية أو فرعونية أو غربية… بل هي كل ذلك في وقت واحد، فهناك عادات وفدت بعد دخول الإسلام أيام العثمانيين، الفاطميين، ومن الغرب من خلال الاتصال بأوروبا. فالثقافة الشعبية التي أصبحت تمثل المعيش اليومي، على الرغم من تعدد الأصول والمصادر، هي على أرضنا وبيد أبنائنا من خلال صميم حياتهم المعيشة. فقد عاشت بينهم وعبرت عن ذواتهم وترجمت آمالهم وآلامهم، فهنا يجب ربط البعد التاريخي والجغرافي، أي البعد الزماني والمكاني بأبحاث واقعية علمية بعيدة عن أي منحى متعصب.
واضاف على انه نظرًا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجهنا، فإننا أمام مفترق مفصلي يمكن أن يؤدي إلى انسلاخ تدريجي عن الهوية الثقافية الوطنية والقومية التي تتميز بها مجتمعاتنا. وفقدان هذه الهوية يؤدي إلى الانخراط في هوية وافدة تنقلنا إلى التوازن في الانتماء وفي معرفة الذات، مما سيؤدي إلى خلل معرفي على مستوى الهوية نفسها. فاعتماد الموضوعية أساسي لدراسة مختلف أشكال الثقافة، بأبعادها المحلية والوافدة. هذا الشكل من الدراسة يكون لمصلحة التراث، وذلك بتسليط الضوء عليه، من خلال دراسات معمقة تحدد الأهداف، تجمع المعطيات، تدونها، تبوبها ثم تحللها على أسس علمية، وتخضعها للنقد، لإبراز بعدها الإيجابي وجمالها وروح الجماعة وهويتها الوطنية، وربما نجد ما هو سلبي لنعمل على استبداله بما هو أفضل.
ومن ثقافتنا المحلية المتجذرة بالقدم سنركز في بحثنا على شخصيات كانت مؤثرة وموحدة لشعوبنا، وكانت تنتقل إلى مختلف المجتمعات التي تضفي إليها من نتاجها المحلي، أو حسب الظروف المعيشة.
فالعديد من أبيات المتنبي أصبحت مع الزمن أمثالاً وحكمًا يستخدمها عامة الناس، ومنهم من يعرف القائل، والأغلب يرددها دون معرفته بالمبدع الأساسي. فالعارف والجاهل على حدٍّ سواء يردد ويستحضر المتنبي في حكمة وأمثاله، وكأنه يعيش بيننا في قصصه وعبره.
وكذلك ما نجده في قصائد عنترة الشاعر الذي عاش في العصر الجاهلي، وإنتاجه يبرز: الشاعر، البطل، الفارس، الشجاعة، الإخلاص، العاطفة، النبل، الشهامة، التفاني، الرق والعبودية… دلالات رمزية وقيم ونماذج ينشدها الناس لإبراز قيم اجتماعية يطمح إليها المجتمع، وقد انتشرت بشكل أساسي أثناء الحقب التاريخية حيث الاحتلال، والقمع، والتسلط، والاستعمار. فكانت الجماعة تركز عليها لأنها تطمح إلى تغيير معين منشود.
ونجد شخصيات وسيرًا موجودة لشخصيات أنتجها الوجدان الشعبي العربي وانتشرت بالطبع وكانت تدغدغ الذات المتعطشة لهذه القيم لتأكيدها أو إلى ما تصبو إليه. في حلقات متداخلة ومنهج شعبي جاذب، إذ هناك بطل يعاونه أفراد ويمكن الاستعانة بقوى خارقة تشد الأزر، والهدف تحقيق النجاح، وهم ينقسمون إلى شخصيات لها طابع سلبي (عرقوب، أبو رغال، قراقوش….)، وشخصيات لها طابع إيجابي (ذات الهمة، الزير سالم، أبو زيد الهلالي.(.
ونماذج لعناصر من ثقافتنا الشعبية لها البعد القومي (القصة العربية، ألف ليلة وليلة، البخلاء، كتاب الحيوان للجاحظ، كليلة ودمنة، والأدب الكبير والأدب الصغير، لابن المقفع، الحكواتي وحكايته الشعبية، الأمثال الشعبية، الحرف الشعبية، الأسواق الشعبية والريفية، ثقافة الغذاء (القهوة، الشاي، المأكولات الشعبية العربية،…)، فنون الأداء، والقول، والقول المغنى، والموسيقى.
وقال محمد الجزيراوى فى كلمته بعنوان"الحرف الشعبية فى عالم متغير" لا يمكن تناول مسألة الموروثات الشعبية اليوم، بشقيها المادي وغير المادي، خارج واقعها الدقيق بصعوباته المتعددة وتأثيراته المختلفة وتحدياته المتنوعة التي قد تؤدي ببعض العناصر إلى التلاشي والذوبان. إذن فالمسألة بالنسبة للباحث يجب أن تتجاوز اهتمامات من مثل جمع وحفظ وتثمين التراث، وهي أمور مهمة دون شك، إلى محاولة التركيز على رصد المتغيرات التي تمس الثقافة الشعبية وتحليلها وتقييمها وإبداء الرأي وطرح الرؤى حولها أمام المجتمع المدني وأصحاب القرار. في هذا الإطار العام يأتي مؤتمر "الثقافة الشعبية العربية: رؤى وتحولات" لطرح هذه الإشكالية وغيرها من الإشكاليات التي تمس الثقافة العربية المعاصرة عامة, واضاف ان هذه المداخلة تسعى إلى تناول هذا الموضوع من خلال وضعية الحرف الشعبية التونسية في عالم سريع التغير، وذلك من خلال نماذج تطبيقية لبعض الحرف التي قاومت التحديات التي فرضتها العولمة بالاستفادة مما وفرته هذه الأخيرة من انتشار مذهل لوسائل وتقنيات عمل عصرية دون أن يمس ذلك من جوهر الممارسة الحرفية، ولعل أهم مظهر من مظاهر صمودها ما أسميته بأسلوب "إعادة ترتيب وظائف منتجاتهم".
الثقافة الشعبية العربية ودور الشباب المعاصر
واخيرا جاءت كلمة مى هاشم بعنوان "المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية: عبد الله الطيب نموذجًا"
فقالت ان التراث هو المخزون الثقافي الذي تتوارثه الأجيال ويضمن حسن تواصلها ووحدة كيانها، ويشتمل التراث على مجموعة من القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تتشكل في ضمير الشعوب عبر العصور فتتطبع بها وتغدو جزءًا منها، لذا سعى الأدباء للحفاظ على هذا المأثور عبر استلهامه في أعمالهم الأدبية، إذ يمثل التراث لدى الشعوب خاصةً الأدباء مصدرًا للإلهام الثّر الذي يرفدهم بكثيرٍ من المعلومات ويزودهم بالشحنات الإيجابية التي تثري إنتاجهم الأدبي والإبداعي، فإن كل معطى تراثي يرتبط بوجدان السامع تلقائيًا ويترك في نفسه ألوانًا من الدلالات, واضافت هاشم ان التراث الذي قام باستلهامه عبد الله الطيب في كتابه (الأحاجي السودانية) عبر إعادة إنتاج مجموعة من القصص الشعبية السودانية وتوثيقها حفظًا من أن تضيع من أيدينا بسبب التحديات المعاصرة من عولمة وتداخل ثقافات، فنجد أن الكتاب جسّد قيمًا وأفكارًا وشخصياتٍ برزت كرموزٍ موحيةٍ تستدعي كلّ منها معاني ودلالات بعينها وبات بعضها مضربًا للأمثال المتداولة بين الناس وجزءًا من ثقافتها, يقدم هذا البحث نموذجًا لاستلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية متمثلاً في كتاب الأحاجي السودانية للكاتب عبد الله الطيب، إذ تنبع ضرورات حماية الهوية وصيانة خصوصيتها الذاتية من التطور الحضاري الإنساني والتفاعل الحضاري الثقافي بين الأمم والشعوب، وكان لا بد من سبلٍ يمكن تطبيقها في ضوء الفرص المتاحة، وإن استلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية أحد أنجع السبل للحفاظ على التراث الشعبي من الاندثار في ظل جميع التحديات، كما يستعرض البحث مسحًا وتحليلاً لارتباط الشباب بالموروث الثقافي ومقارنته من الجانب المفاهيمي والفكري والفني للجيل المعاصر من الشباب وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر الثقافة الشعبية في الحركة الثقافية لهذا الجيل.