القاهرة -المسلة : المحرر الاثرى
تتجلى فى رحاب الحرمين الشريفين أسمى المعانى الإنسانية ونورانية تنبثق من أقدس أماكن الأرض تضفى روحانية على أرض الحرمين الشريفين تنادى كل البشر الذين تهفوا نفوسهم لزيارتها ملبين النداء لبيك اللهم لبيك
بناء الكعبة المشرفة
ونرتحل فى رحاب الحرمين الشريفين مع خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسيناء بوزارة الآثار موضحًا أن الكعبة المشرفة بنيت خمس مرات الأولى من بناء الملائكة والثانية من بناء نبى الله إبراهيم عليه السلام والثالثة من بناء قريش والسبب في ذلك أن الكعـبة تهدمت وكانت فوق القامة وأرادوا تعليتها وكان بابها لاصـقا بالأرض فى عهـد نبى الله إبراهيم وعهـد جرهم وفى عهد قريش جعل لهـا سقـفا ولم يكن لهـا سقف وزاد ارتفاعها وكان عمر النبى صلى الله عليه وسلم حينذاك خمسا وعـشرين عاماً وقيل خمسا وثـلاثين فحضر البناء وكـان ينقـل الحـجـارة مـعـهم كـمـا ثبت في الصحيح وتنافـست قريش فى من يضع الحـجر الأسود موضعه من الركن ثم رضوا بأن يضعه النبى صلى الله عليه وسلم والمرة الرابعة من بناء عبـد الله بن الزبير والسـبب في ذلك على ما ذكر السـهيلى أن امرأة أرادت أن تجمـر الكعبة فطارت شـرارة من المجمـرة فى أستارها فـاحتـرقت فـهدمـها حتـى أفضى إلى قواعـد إبراهيم وحين بناها ألصق بابهـا بالأرض وعـمل لهـا باباً خلفى وأدخل الحـجر فـيها والبناء الخامس كان فى زمن الخليفة الأموى عبـد الملك بن مروان (65- 86هـ/ 685- 705م) على يد الحجاج بن يوسف الثقفى وهو البناء الموجود الآن ولقد هدم الحجاج الزيادة من عهد عبـد الله بن الزبير وأعاد الركنين وسد البـاب الذى فتحه ابن الزبير وقيل أن الكعبة بنيت مرتين آخـرتين غير الخمس إحداهما بناء العمالقة بعد نبى الله إبراهيم والثانية من بناء جرهم بعد العمالقة.
كسوة الكعبة
وعن كسوة الكعبة يوضح د. ريحان أن أهل السـيـر اختلفوا فى أول من كسى الكعـبـة بالديباج فـقال ابن إسحاق هو الحـجاج بن يوسف الثقفى وقال ابن بكار هو عبد الله بن الزبير وقال الماوردى أن أول من كساها بالديباج هو خالد بن جـعفر بن كلاب وحكى الأزرقى أن معاوية (41- 60هـ/660- 680م) كسى الكعبة بالديباج مرتين وكـانت تكسى يوم عـاشـوراء ثـم كساها الخليفة المأمـون (198- 218هـ/813- 833م) ثلاث مرات فكان يكـسوها الديباج الأحمر يوم التروية والقباطى (نسيج مصرى شهير) يوم إهلال رجب والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان ويضيف الأزرقى أن كسوة الكعبة كانت تحمل من الخزانة السلطانية بالديار المصـرية صـحـبة ركب الحجيج وتحـمل إلى سائر البـلاد للبركـة وكان صاحب اليمن يبـعث إليها بكـسوة فتلبس تحت الكسوة المصـرية وهما سوداوان من الحرير الأسود بكتابة بيضاء فيها آيات جاءت فى القرآن الكريم في ذكر الكعبة والعادة جارية أن تغسل الكعبة المعظمة بماء زمزم فى السابع والعشرين من ذى القعدة وتشـمـر ستـورها وتلبس يوم الأضـحى وتغـسـل بماء الورد عنـد عـود الركب مـن منى وبئر زمزم هى سقيا إسماعـيل وهمزة روح القدس جبـريل وشفـاء كل سقم لا تنزف ولا تذم وقال السهيلى كانت زمزم سقيا إسماعيل بن إبراهيم عليهـما السلام فجّـرها له روح القدس بعقـبه وفى ذلك إشـارة إلى أنهـا لعـقـب نبى الله إسماعيل ورائه وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأمته وقال الحربى سميت زمزم بزمزمة الماء وهى صوته وذكر البرقى عن ابن عـباس أنها سمـيت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا تسـيح الماء يمينا وشمالا ولو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شىء.
بيوت النبى والمسجد الحرام
ويتابع د. ريحان أن المؤرخ السـهيلى قال أن بيوت النبي كانت تسعـة بعضـها من جريد بالطين وسقفها من الجريد وبعضها من حجارة مسقفة بالجريد أيضا وقـال الحـسن بن أبى الحـسـن كنت أدخل بيـوت النبى صلى الله عليه وسلم وأنا غلام فأنال السقف بيـدى وكان لكل بيت حجرة وفي تاريخ البخارى أن بابه صلى الله عليه وسلم كان يقرع بالأظافير أى لا حلق له ولما توفى أزواجه صلى الله عليه وسلم خلطت البيـوت والحجربالمسجد الحرام وذلك فى خلافة عبد الملك بن مروان وعن المسجد الحرام ذكر الأزرقى والماوردى كـان المسـجد الحـرام وهو المحـيط بالكعبة المشرفة هو فناء لها وفضاء للطائفين ولم يكن له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر جدار يحيـط به فضيق الناس على الكعبـة وألصـقوا دورهم بهـا وكـانت الدورمحدقة بالكعبة وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية فلما استخلـف عمربن الخطاب رضى الله عنه وكثر الناس قال(لا بد لبـيت الله من فناء وإنكـم دخلتم عليـه ولم يدخل عليكم) فـوسع المسجد واشـترى تلك الدور وهدمـها وزاد فى المسجد واتخذ للمسجد جداراً قـصيرا دون القامة وكانت القناديل توضع عليه وكان الخليفة عمر بن الخطاب أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ولما استخلف عثمان بن عفان رضى الله عنه ابتاع منازل لتوسيع المسجد وبنى أروقة المسجد وفى عهد عبد الله بن الزبير رضى الله عنه زاد في المسجد زيادة كـبيرة واشترى دوراً وجعل فيه عـمداً من الرخام ثم عمره عبـد الملك بن مروان ولم يزد فيه ولكن رفع جداره وعمـره عمـارة حسنة ثم وسع فيه ابنه الوليـد (86- 96/ 705- 715م) وحـمل إليـه أعمـدة الحـجـارة والرخام ثـم زاد فيـه الخليفة أبى جعفر عبد الله المنصور(136- 158هـ/754-775م) وجـعل فيه أعـمدة الرخام وزاد فيـه الخليفة المهدى مرتيـن (158- 169هـ/775-785م).
مسجد الميقات
وعن مسجد الميقات يشير د. ريحان أنه يعرف بعدة أسماء فهو مسجد الإحرام أوالميقات لأن أهل المدينة والذين يمرون عليه من غير أهلها يحرمون منه للحج وهو من المواقيت التى حددها النبى عليه الصلاة والسلام كما يعرف بمسجد أبار على وسُمّى بهذا الاسم لأن الخليفة الراشد علي بن أبى طالب كرم الله وجهه قام بحفر آبار عندما أقام فى ذى الحليفة فى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ويقع هذا المسجد على الجانب الغربى من وادى العقيق وهو واد مبارك كما أطلق عليه النبى هذا اللقب وقد أصبح موقعاً للإحرام لمن يريد الحج أو العمرة ويبعد عن المسجد النبوى الشريف 14كم وبنى المسجد في عهد عمر بن عبد العزيز عندما كان والياً على إمارة المدينة عام 87 /93 هـ وجدد فى العصر العباسى ثم جدد فى العصر العثمانى فى عهد السلطان محمد الرابع عام 1058- 1099هـ وكان مسجداً صغيراً جداً مبنياً من الطوب اللبن والحجارة ولم يكن الحجاج والمعتمرون فى المواسم يجدون راحتهم فيه فأمر الملك فيصل بتجديده وتوسعته ومع زيادة عدد الحجاج والمعتمرين أمر الملك فهد بن عبد العزيز بمضاعفة حجمه وتزويده بالمرافق اللازمة فأصبح المسجد محطة متكاملة للمسافرين فقد بُنى على شكل مربع مساحته ستة آلاف متر مربع ويتكون من مجموعتين من الأروقة ويتسع المسجد لخمسة آلاف مصلى وله مئذنة متميزة على شكل سلم حلزوني ارتفاعها 62 م وتتصل بالمسجد مبانى الإحرام والوضوء كما بنى من جهته الشرقية سوق لتأمين حاجات الحجاج وأنشئت في الجهة الغربية منه مواقف سيارات وحديقة فسيحة ذات أشجار ونخيل أعطت الموقع عموما لمسة جمالية رائعة>
مسجد قباء
ويشير د. ريحان إلى أن مسجد قباء هو أول مسجد بنى فى الإسلام روى الطبرانى بسنده إلى سهل بن حنيف أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة ” وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور قباء يوم السبت ويركب له وصارت تلك عادة أهل المدينة حيث يذهبون إلى مسجد قباء يوم السبت للصلاة فيه حتى يومنا هذا وقد أثنى الله على أهل قباء بقوله ” لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ” التوبة 108 وذكر ابن أبى خيثمة أن رسول الله حين أسسه كان هو أول من وضع حجراً فى قبلته ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبى بكر ثم أخذ الناس في البنيان .
المساجد السبعة
وينوه د. ريحان إلى المساجد السبعة التى تقع بالمدينة المنورة وهي مجموعة مساجد صغيرة عددها الحقيقى ستة وليس سبعة ولكنها اشتهرت بهذا الاسم نظراً لإضافة البعض لمسجد القبلتين ضمن هذه المساجد وتقع هذه المساجد الصغيرة في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبى للدفاع عن المدينة المنورة عندما زحفت إليها قريش والقبائل المتحالفة معها سنة خمس للهجرة ويروى أنها كانت مواقع مرابطة ومراقبة في تلك الغزوة وقد سمى كل مسجد باسم من رابط فيه عدا مسجد الفتح الذى بنى فى موقع قبة ضربت لرسول الله وهو أكبر المساجد السبعة مبنى فوق رابية فى السفح الغربى لجبل سلع ويروى أنه سمى بهذا الاسم لأنه كان خلال غزوة الأحزاب مصلى لرسول الله وقد بناه عمر بن عبد العزيز في فترة إمارته على المدينة وأعيد بناؤه في عهد السلطان العثمانى عبد المجيد الأول علاوة على مسجد سلمان الفارسى وسجد أبى بكر الصديق ومسجد عمر بن الخطاب ومسجد على بن أبى طالب ومسجد فاطمة الزهراء .
جبل أحد ومقبرة الشهداء
ويوضح د. ريحان أن جبل أحد هو جبل من الجرانيت الأحمر وأجزاء منه بالأسود والأخضر يقع على مقربة منه عدة جبال صغيرة منها جبل ثور وجبل عينين له مكانة كبيرة فى نفوس المسلمين فقد وردت فى فضله أحاديث عديدة منها قوله صلى الله عليه وسلم (إن أحداً جبل يحبنا ونحبه) أما مقبرة الشهداء المجاورة للجبل فهى تحوى بين ثراها سبعين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين باعوا دماءهم لأجل الرسالة ومنهم مقبرة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم الرسول عليه السلام ومقبرة حنظلة بن أبي عامر الذى غسّلته الملائكة وقد اختار الرسول موقع هذه المقبرة لدفنهم فيها بين جبل الرماة وجبل أحد و قد تم تغييرها عندما نقلت رفات شهداء أحد في عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان إلى موضع آخروهو الذي تعرف به اليوم خوفا عليها من أن يجرفها السيل وحين أمر الرسول بدفن الشهداء في المقبرة كان يأمر بإحضار سبعة سبعة يصلى عليهم بسبعة تكبيرات ثم دفنوا دون غسلهم وبدمائهم وعلى هيئتهم التى استشهدوا عليها حتى انتهى بحمزة وقال عنه “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب” وقد مات حمزة عام 624 م وعمره 58 عاماً تقريباً ودفن فى بطن جبل أحد وبجواره قبر ابن أخته عبد الله بن جحش وكذلك حنظلة بن أبى عامر وهذه المقبرة التي ضمت 70 من الصحابة كان لها معزة فى قلب رسول الله وكما ورد عنه أنه كان يتعهدهم بالزيارة بين حين وآخر وهو ما سارت عليه أمته من بعده حيث يزورها كل حجاج بيت الله فى موسم الحج والمعتمرين طوال العام .