بقلم: جلال دويدار رئيس جمعية الكتاب السياحيين
شيء رائع ان يتعافي فكر الدولة التخطيطي وهو ما تمثل في اكتشاف القيمة الهائلة للثروة التي نملكها علي البحر المتوسط الممتد ساحليا من الاسكندرية وحتي حدود الجارة ليبيا في الشمال الغربي. ما أقوله يتمثل فيما تقوم به حاليا من جهود لإقامة محافظة العلمين في إطار مخطط التنمية الشاملة لمصر. صحيح ان هذا الساحل موجود منذ زمن بعيد جدا وان روعة وجمال هذا الموقع كانت معروفة لقطاعات قليلة من المواطنين.. الا ان نهضته التعميرية علي نطاق واسع بدأت علي يد رائد التعمير في مصر.. المهندس حسب الله الكفراوي وزير التعمير والاسكان في الثمانينيات وحتي التسعينيات.
هذه الطفرة تواصلت.. معتمدة علي قانون التعمير الذي كان قد اصدره الرئيس الاسبق انور السادات. ثم استخدم هذا القانون لتنظيم استحواز جمعيات الاسكان علي كل اراضي الساحل الشمالي الغربي. حاول الكفراوي بهذا التخطيط اصلاح ما فسد بفرض شروط للبناء فيما يتعلق باقامة الوحدات لاعضاء هذه الجمعيات. كان ضمن هذه الشروط ضرورة اقامة فندق في كل قرية سياحية للاستخدام السياحي. لا يمكن ان يحاسب الكفراوي علي عدم تنفيذ هذا الشرط وهو ما يدخل في إطار تنازلات الدولة عن هيبة ما تصدره من قرارات وتعليمات.
- • •
في ظل هذا التوجه قام الكفراوي بإقامة ثلاث منتجعات سياحية وتمليكها للمصريين وهي مراقيا وماربيلا ومارينا لتكون نموذجا للمشروعات التي سيتم تمليكها لأعضاء الجمعيات علي الساحل الشمالي. للأسف هذه المنتجعات ايضا لم تلتزم بضرورة اقامة فنادق لجذب السياحة الخارجية باستثناء الفندق الذي أقيم بالقرب من »مراقيا» وفندقين بسعة محدودة في مارينا. هذا الامر كان مثار خلاف شديد وعدم توافق بين الكفراوي وزير الاسكان والتعمير صاحب الولاية علي اراضي الساحل الشمالي ووزير السياحة الذي يعد علامة بارزة في تاريخ صناعة الأمل في ذلك الوقت.. فؤاد سلطان. وصف سلطان مشروعات البناء بالساحل الشمالي بأنها إهدار للمال العام لعدم تسخيرها لاقامة الفنادق المعدة لاستقبال سياح الخارج.
الحقيقة ان كلا من وجهتي نظر الوزيرين كانتا علي صواب حيث ان الكفراوي استهدف بشكل اساسي بعث الحياة في الساحل الشمالي بتعميره واتاحة مناطق جديدة للمصريين للتصييف بعد ان ضاقت المنتجعات الصيفية الاخري.. بينما كان فؤاد سلطان علي حق في اهمية استغلال هذه الثروة الطبيعية التي لا مثيل لها في العالم لجذب المزيد من السياح وتوفير العملات الاجنبية للاقتصاد المصري. الشيء المؤكد في هذا الشأن ان غياب التوافق والتفاهم بين الوزيرين كانت سببا في اهدار القيمة الاقتصادية للساحل الشمالي الغربي وتحويله الي فريسة لشركات مقاولات البناء التي استولت عليه بالشراء وحولته الي وحدات سكنية يكسبون من ورائها المليارات علي حساب الصالح الوطني.
- • •
استمرار مسلسل اهدار ثروات مصر المحروسة والتي من بينها الساحل الشمالي الغربي الذي يعد بكل المقاييس الدولية ريفيرا حقيقية كان يمكن ان يجذب ملايين السياح.. واصلت الدولة من خلال المحليات وفسادها وفي اطار سياسة بيع الاراضي.. التصرف في مساحات كبيرة من الساحل الشمالي لصالح شركات الاسكان العقاري. هذه السياسة تعني ضياع فرصة استثمار هذه الثروة وما يمكن أن تحققه من عوائد من وراء تنميتها سياحيا.
كم ارجو.. وعلي ضوء المشروع الطموح الذي تقوم بتنفيذه الدولة بمنطقة العلمين استعدادا لاعلانها محافظة.. ان يكون علي قمة اهتمامها وقف بناء المنتجعات السكنية فيما تبقي من أراضي ساحل البحر.. ان مسئوليتها الوطنية تحتم عليها تخصيص هذه المساحات لإقامة الفنادق والقري المجهزة لاستقبال السياح من الخارج.. لا يخفي علي احد انه لا يملك ان يصدر هذا القرار سوي الرئيس عبدالفتاح السيسي حتي يلتزم الجميع بوقف عملية المسخ والاستغلال والتربح علي حساب مصالح ومستقبل الدولة المصرية.