دراسة جديدة للدكتور مصطفى شوقى إبراهيم مدير عام آثار الشرقية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار تناولت الجوانب التاريخية والمعالم الأثرية للبيت الذى يقع فى قرية هرية رزنة – مركز الزقازيق – محافظة الشرقية وأنشئ فى عصر محمد على فى الفترة من 1805 إلى 1841م.
ويوضح الدكتور مصطفى شوقى أن الزعيم أحمد الحسينى عرابى ولد بهذا المنزل فى أول أبريل 1841م وتوفى بالقاهرة فى 21 سبتمبر 1911م وهو قائد عسكرى وزعيم مصرى قاد الثورة العرابية ضد الخديوى توفيق وشغل منصب وزير الجهادية (الدفاع حاليًا)، وقد أرسله والده الذى كان عمدة القرية إلى التعليم الدينى حتى عام 1849م، وفى عهد سعيد باشا ( 1854م : 1863م ) إلتحق بالجيش فى ديسمبر 1854م وعمره 15عام، وارتقى فى المناصب حتى أصبح أميرالاى (رتبة عميد حاليًا) ثم وزيرًا للحربية وتم الحكم عليه بالإعدام بعد هزيمته فى معركة التل الكبير، ثم خفف الحكم بالنفى المؤبد إلى سيريلانكا (عرفت قديمًا بإسم سرنديب أو سيلان).
وفى 28 ديسمبر 1882م استقر فى مدينة كولومبو لمدة سبع سنوات ثم انتقل إلى مدينة (كاندى) وعفت عنه بريطانيا فى عام 1901م وأعيد إلى مصر ليقيم مع أولاده بعمارة البابلى بشارع الملك الناصر المتفرع من شارع خيرت بحى السيدة زينب حتى توفى فى 21 سبتمبر 1911م .
منزل عرابى
يشير د. مصطفى شوقى إلى مادة بناء المنزل وهى من الطوب اللبن والخشب ومواد اللحام واستخدم الطين كمونة وتستخدم المونة الطينية فى بناء الطوب اللبن، ومن المواد المستخدمة فى سقف المنزل الخشب وعليه الطين المخلوط بالتبن كى تتم عملية التسقيف.
ويقع منزل الزعيم أحمد عرابى وسط الكتلة السكنية بمساحة 150 متر مربع متفرع من شوارع وحارات عديدة أغلب هذه الشوارع والحارات بعرض 2 متر تقريبًا، والمنزل مبنى من الطوب اللبن حجم الطوبة الواحدة من 40 سم : 50 سم واعتمدت صناعة الطوب اللبن على مادة الطين التى تجود به طبيعة المنطقة (قرية هرينة رزنة الزراعية) ولآن الطين لا يقوى على تحمل الحرارة وشدة البرودة والأمطار ومتوفر وسهل الاستخدام والتشكيل على واجهة الجدران فيتم خلطه بمادة التبن لتقويته وتماسكه، ويوضع وسط (الملبّن) وهو عبارة عن قالب من الخشب على شكل صندوق مفتوح من الجهتين وبعد أن يجف يقوم البنّاء بصفها بالعرض بين قطع اللبن وعندما تجف تمامًا تتم عملية اللياسة أيضًا بالطين المخلوط بالتبن على الأماكن التى تتعرض للمطر والمياه وتواجه الشمس وعملية التلييس تكون باليد على واجهة المنزل وعلى الجدران الداخلية.
توصيف المنزل
ويصف د. مصطفى شوقى المنزل موضحًا أنه يتكون من طابقين الدور الأرضى، وبه ثلاث حجرات إحداهما بها فرن له فتحتان الأولى سفلية لوضع الوقود من حطب الذرة والقطن والأرز والفتحة الثانية وسط مبنى الفرن وهى أوسع بكثير من الفتحة الأخرى، وقاعدة هذه الفتحة سقف من الطوب المحروق جيدًا حتى يسهل عملية إعداد الخبز والطعام ويعلوها سقف الفرن المستوى ويأخذ الشكل المستطيل واستخدم السقف للجلوس والنوم فى ليالى الشتاء القارسة البرودة.
ويشغل الفرن نصف الحجرة أو أكثر لذلك من الطبيعى أن نجد آثار للحريق على الجدران حيث أن الدخان المتصاعد من الفرن يتفاعل مع الطين والتبن المستخدم فى عملية تلييس الجدران وهى آثار ترجع لفترة البناء واستخدام المنزل كمكان للإقامة منذ عام 1805م وحتى عام 1862م حينما أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر القرار الجمهورى رقم 2300 بتاريخ 1962م باعتبار المنزل فى عداد الآثار الإسلامية ونشر فى الوقائع المصرية العدد 171 فى يوليو عام 1962م، وصدر قرار بذلك من اللجنة الدائمة المنعقدة فى 25 / 2 / 1991م، وهذا الحجرة لها نافذة واحدة على الشارع الرئيسى.
والحجرة الثانية المواجهة لحجرة الفرن والتى يفصلها عنها المدخل فى الوسط هى حجرة المجلس (يطلق عليها المندرة) وهى مربعة وبها مكسلتين ( المكسلة هى مصطبة باللغة الدارجة تستخدم للجلوس ) ودولاب حائط وهذه الحجرة استخدمت قديمًا لاستقبال الضيوف وجلسات السمر.
ويؤدى المدخل المنكسر بين الحجرتين إلى الحجرة الثالثة فى نهايته وهى ملاصقة لحجرة المجلس وهى أقل الحجرات فى المساحة وقد استخدمت حجرة تخزين للحبوب ( الذرة والأرز ) واستخدمت لوضع صندوق الملابس والدقيق والخبز وباقى مستلزمات الأسرة الريفية لذلك هى حجرة بلا فتحات أو نوافذ خارجية، ولا يوجد بها غير فتحة الباب فقط الفاتح على الممر الأوسط المنكسر الذى يؤدى للحوش الخلفى وبه سلم خشبى ودورة مياه، والسلم يؤدى إلى الطابق الثانى وهو عبارة عن حجرة المقعد وهى حجرة واحدة أمامها باقى سطح المنزل.
وضع المنزل حاليًا
ويؤكد د. مصطفى شوقى أن وضع المنزل حاليًا من الناحية المعمارية سئ وبه تآكل بطبقة التلييس حيث أنها صنعت من الطين والتبن المخمر وتآكل بالجدران نتيجة مياه الأمطار والعوامل الجوية والمياه الجوفية، حيث أن منسوب المنزل ينخفض عن منسوب الحارة 70 سم، والسلم الخشبى المدرج بالطوب اللبن متآكل وبحالة سيئة جدًا، وأيضًا الفرن المبنى من الطين، الأبواب والشبابيك متآكلة وبحالة سيئة جدًا وأيضًا السقف من العروق والألواح وهى بحالة سيئة جدًا حيث يوجد بها فطريات وحشرات وبها تآكل ورشح المياه.
وأشار د. مصطفى لأسباب هذه الحالة التى وصل إليها المنزل لأنه مبنى من الطوب اللبن منذ أكثر من 212 عام، والمبانى من الطوب اللبن لها عدة سلبيات وهى ضعف المادة الطينية فى مقاومة تأثير المياه سواءً الناتجة عن الأمطار والسيول أو الصاعدة من باطن الأرض عن طريق الخاصية الشعرية حيث يعتبر اختراق الماء للمبانى الطينية أحد أبرز الأسباب التى تؤدى إلى إتلاف هذه المبانى وربما انهيارها، والضعف النسبى لمادة الطين فى تحمل الأوزان مما يجعلها غير ملائمة لحمل الأسقف الثقيلة وقابلية مادة الطين للتعرية بشكل كبير نتيجة المؤثرات البيئية المختلفة كالأمطار والرياح المحملة بالرمال أو التآكل نتيجة الاستخدام من قبل الساكنين أو المستعملين مما يسهم فى ضعف متانة هذه المادة مما يستدعى الإصلاح السريع.
إجراءات المنطقة للمعالجة
أوضح د. مصطفى شوقى أن منطقة آثار الشرقية قامت بعدة إجراءات سريعة للحماية وتم عمل مقايسة ابتدائية تقديرية لأعمال الترميم لدرء الخطورة ووضع خطة للترميم لاعتماد الميزانية من وزارة الآثار كما خاطبت سكرتير عام محافظة الشرقية لإعطاء تعليمات فورية إلى مجلس المدينة والوحدة المحلية ببنى عامر لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تسرب المياه للمنزل.
ونهيب برجال الأعمال والمستثمرين بمحافظة الشرقية بالمساهمة فى إنقاذ أثر هام لرمز من رموز مصر الوطنية لإتمام أعمال الترميم والتطوير للبيت فى ظروف مادية يعلمها الجميع لوزارة الآثار التى تحرص على ترميم وصيانة كل آثار مصر فهى أمانة فى رقبتها ولكن الميزانية تقف عائقًا وحائط صد فى تحقيق كل ما ننشده وهى ترميم كل آثار مصر وفتحها للزيارة وحسن استثمارها لذلك نأمل أن يتكاتف رجال مصر الشرفاء فى كل محافظة للمحافظة على تراثنا وحضارتنا، وفى بلدان كثيرة هناك ما يعرف بالاستثمار فى مجال الثقافة للمحافظة على التراث يقوم بها رجال أعمال وشركات ونأمل أن نرى هذه الصورة المشرفة فى مصر أقدم وأعظم حضارات العالم.
كما نطالب بتحويل منزل أحمد عرابى بعد ترميمه وتطويره لمتحف خاص بالزعيم أحمد عرابى يضم كل مقتنياته ويزود بمكتبة تضم الكتب الوطنية لزعماء مصر مما يساهم فى تعزيز الهوية والإنتماء الوطنى.