الصالون العالمي للتراث الثقافي
باريس “المسلة” ….. اختار «الصالون العالمي للتراث الثقافي» في دورته الجديدة المقامة في المبنى المجاور لمتحف اللوفر في باريس، موضوع السياحة الثقافية وكلّ ما يتصل بها من نشاطات. ولا بدّ من التذكير بأنّ هذا الصالون يقام منذ 23 عاماً وهو الأقدم والأهم في أوروبا إذ تشارك فيه مئات المؤسسات والشركات الفرنسية وغير الفرنسية التي تعنى بالتراث المادي وسبل الحفاظ عليه.
أما اختيار موضوع السياحة الثقافية في فرنسا لدورة هذا العام فيرجع الى الدور المهم الذي يؤدّيه هذا القطاع في الاقتصاد الفرنسي. من هنا فإن من أهداف الصالون التركيز على كل ما من شأنه تشجيع السياحة الثقافية والحفاظ على الريادة الفرنسية في هذا المجال. ويؤكد الصالون لزواره ان فرنسا، ومنذ مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، ما زالت الأولى عالمياً، كوجهة سياحية.
وبلغ عدد الذين زاروا فرنسا العام الماضي 83 مليون سائح، أما هذا العام فشهد قطاع السياحة انتعاشاً ملحوظاً إذ إن عدد السياح الأجانب الذين زاروا باريس سجل ارتفاعاً نسبته 19 في المئة. ومن الممكن أن تستقبل فرنسا هذا العام بين 88 مليوناً و89 مليون سائح ما يعكس تجاوز السياح مشكلة الإرهاب واستعادة فرنسا ما خسرته بسبب اعتداءات عام 2015 في باريس واعتداء مدينة نيس العام الماضي.
تشكل السياحة الثقافية جزءاً أساسياً من نشاطات الزوار، ويرجع ذلك الى أسباب عدة منها أولاً الثراء المعماري في فرنسا التي تحفل بالصروح المعمارية الدينية والمدنية المنتشرة في كل أنحاء البلاد وتغطي مراحل تاريخية مختلفة.
من جانب آخر، يعرّف الصالون بالمؤسسات الفرنسية الحكومية والخاصة التي تضطلع بدور كبير في الحفاظ على التراث المعماري وترميمه، ومنها «المؤسسة من أجل الصروح التاريخية» التي أنشئت عام 2008، وهي تساهم في تمويل مشاريع تجديد المباني والحدائق كما تمنح طلاب المهن الفنية مساعدات مالية، ومنها ما يتعلق بالترميم والصيانة والأبحاث في مجال التراث.
تتنوع المشاركات في الصالون وتعكس استمرارية المهن الحرفية الفنية، كالزجاج والفسيفساء والخشب والمعادن والخزف… كما أنها تعكس هاجساً آخر يتمثل في ضرورة الحفاظ عليها إذ من دونها لا يمكن تأمين صيانة الأبنية وتجديدها.
من الجديد في دورة هذا العام أيضاً حضور التقنيات الرقمية التي باتت تستخدم في توثيق العمارة. وللمرة الأولى تشارك شركة «إيكونيم» الفرنسية التي أنشئت عام 2013 والتي تستخدم أحدث التقنيات الرقمية في توثيق التراث المعماري المهدّد بسبب الحروب أو الإهمال. وكانت هذه الشركة قد اشتهرت بتوثيقها التراث السوري ومدنه التاريخية ومنها تدمر، ومن المعروف عنها أنها قامت بمسح جوي لآثار سورية. وفي هذا الإطار، تعقد ندوة حول إعادة إعمار حلب يشارك فيها متخصصون في هذا المجال.
وأكّد بعض المشرفين على هذا الصالون لـ «الحياة» أن من أهداف هذه التظاهرة الثقافية الإضاءة الشاملة على التراث المادي وغير المادي. فعبارة «تراث ثقافي» لا تعني فقط الصروح التاريخية والعمارة الملكية والكاتدرائيات، بل أيضاً كل ما يعكس خصائص العمارة المحلية ومنها البيوت، وما يرتبط كذلك بالذاكرة الجماعية. وهنا تبرز أهمية الجمعيات التي تعمل على الحفاظ على البيوت القديمة وكل ما يتعلق بالطبيعة والبيئة و «الجمالية الفرنسية».
اختتاماً، يختصر «الصالون العالمي للتراث الثقافي» رؤية ثقافية متكاملة تربط بين الثقافة والاقتصاد والنموّ في شكل عامّ. وهذا ما تتميّز به فرنسا على الصعيد العالمي، ويدخل في صلب ما يُعرف بِـ «الاستثناء الفرنسي» الذي يضع فرنسا، وواجهتها الأساسيّة باريس، في مركز الصدارة بالنسبة إلى السياحة الثقافية المتعدّدة المناهل والمتجدّدة دوماً.
يدفعنا هذا الصالون أيضاً، نحن الآتين من أماكن تمزّقها الحروب والنزاعات، إلى المقارنة بين دول تعنى اليوم بكلّ حجر من حجارتها وتوظفه في الثقافة والسياحة، ودول أخرى تهدَّم آثارها وعمارتها ومدنها التاريخيّة التي تشكل جزءاً من التراث الإنساني العام.