كتب :د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة السياحية” ….. يضم دير سانت كاترين مجموعة من أهم الأيقونات وأندرها فى العالم، والأيقونة هى الصور الدينية المسيحية، فهناك أكثر من 2000 أيقونة صغيرة وكبيرة، منها مجموعة فريدة ذات قيمة فنية رائعة وغيرها أيقونات من الفن البسيط وكلها محفوظة فى كنيسة التجلى ومعرض الصور، وفى الكنائس الصغيرة والملحقة، وفى غرف ملابس الكهنة والصوامع وغيرها من الأماكن المتعددة فى الدير وتغطى هذه الأيقونات فترة زمنية طويلة من القرن السادس حتى التاسع عشر الميلادى وقد حفظت هذه الأيقونات طوال العصور الإسلامية حتى وصلت إلينا.
معرض أيقونات دير سانت كاترين
وقد قام المجلس الأعلى للآثار بالتعاون مع إدارة دير سانت كاترين عام 2001 بتجربة رائدة فى إعداد قاعة لعرض أيقونات الدير طبقًا لأساليب العرض العالمية وهى الآن متحف لأيقونات وذخائر الدير .
ويقع المعرض فى أشهر أبراج دير سانت كاترين وهو برج القديس جورج الذى يقع فى منتصف الجدار الشمالى الشرقى لدير سانت كاترين وسمى بذلك لوجود كنيسة القديس جورج بداخله ويتكون البرج من أربع مستويات:-
المستوى الأول وبه مدخل الحجاج المسيحيون حيث كانوا يدخلون منه إلى الدير، المستوى الثانى وبه ما يسمى سكيفو فيلاكيون وهو المكان المخصص لحفظ الأغراض الدينية من أيقونات – أوانى مقدسة – ثياب مقدسة والمستوى الثالث وبه الدوفارة وهو الونش الذى يتم عن طريقه سحب المؤن وأحيانًا الأشخاص إلى الدير فى العصور الوسطى والمستوى الرابع وبه كنيسة القديس جورج الذى أعيد بناؤها عام 1803م.
ومن داخل الدير ما يزال البرج يحتفظ بالتخطيط الأصلى منذ القرن السادس الميلادى شاملًا الدراوى العلوية والممر الداخلى، وقد حدث زلزال فى القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادىين أدى إلى تهدم جزءًا من هذا البرج، وفى عام 1798م تهدم جزءًا آخر من البرج نتيجة سيول شديدة، وقام كليبر الذى أرسله نابليون عام 1801م بترميم البرج وفى هذا الترميم تم كساء البرج من الخارج بكسوة خارجية غيرت من شكل البرج الذى كان فى الأصل برجًا مربعًا .
وفى عام 1971م تهدم الجزء العلوى من البرج شاملًا كنيسة القديس جورج نتيجة حريق ولم تصل النار إلى المخطوطات الموجودة بالسكيفوفيلاكيون وتم عمل ترميمات سريعة عام 1977م للجزء الجنوبى من كنيسة القديس جورج بعمل أرضية أسمنتية وأعيد بناء السكيفو فيلاكيون باستخدام الأسمنت واستعملت لوقت قصير عام 1988م كسكن مؤقت لمطران الدير ومنذ عام 1988 حتى عام2001 استخدمت كمخزن، وتم ترميم الواجهة وتحويل القاعة إلى قاعة عرض دائمة للأيقونات .
وتنقسم أيقونات دير سانت كاترين من الناحية التاريخية والفنية إلى ستة أنواع:-
أيقونات القرن السادس والسابع الميلاديين
تعتبر أقدم الأيقونات بالدير وهى الأيقونات المسبوكة بالشمع أو المثبتة ألوانها بالحرارة، ويتم ذلك بخلط الشمع فى درجة حرارة عالية بألوان نباتية، ثم يعقب ذلك مباشرة نشرها فوق السطح الخشبى للأيقونة وكان الفنان يسجل أولًا تصميم الموضوع فوق سطح خشبى، ثم يقوم بتسخين الشمع مع الألوان النباتية ثم يبدأ بفردها وهى ساخنة على السطح المعد من قبل باستخدام فرشة الألوان أو قلم النقش أو قطعة من الحديد المحماة فى النار ثم يقوم بسحق الألوان وحكها تدريجيًا وذلك باستخدام أداة خاصة حتى يصبح لهذا المزيج خاصيته التى تجعله يتغلغل وينفذ فى أعماق مسام المادة، وهكذا عندما تبرد الألوان تصبح ثابتة تمامًا ولا يمكن محوها..
واستخدمت هذه الطريقة من القرن السادس حتى الثامن الميلادى وهى ذات أصل مصرى حيث وجدت فى الأيقونات المبكرة بالفيوم وتعود إلى القرون من الثانى حتى الرابع الميلادى ثم تغير الأسلوب بعد ذلك وساد تكنيك التمبرا وهى الرسم بألوان ممزوجة بالغراء، والتمبرا بدأت منذ القرن السادس الميلادى أيضا وسار الأسلوبان بخط متوازى، ولكن أصبح الإقبال على التمبرا بشكل أكبر منذ القرن الثامن الميلادى حتى بداية القرن الخامس عشر حيث سادت رسوم الزيت.
وكانت بعض الأيقونات المبكرة لها حافظة وذلك لسهولة نقلها ليسهل على حاملها الانتقال بها من مكان إلى آخر وهذا يعنى أن هذه الأيقونات كانت للملكية الخاصة وليس لتعليقها بالكنائس، ورغم ذلك كانت هناك أيقونات تعلق بالكنائس فى الحجرات الجانبية ثم تأخذ لتوضع بالكنيسة الرئيسية فى الاحتفالات الدينية، وهناك أيقونات كانت تعلق على جدران الأجنحة الجانبية بالكنيسة كما هو الحال فى كنيسة التجلى بدير سانت كاترين، وكانت تثقب من منتصف الجزء العلوى.
ومن أمثلة هذه الأيقونات بدير سانت كاترين أيقونة القديس يطرس وتنصيب السيدة العذراء بين القديسين والملائكة والمسيح ضابط الكل، العذراء المتضرعة، الصعود الفتية الثلاثة فى آتون .
أيقونات من القرن السابع حتى التاسع الميلادى
تعتبر هذه المجموعة من الأعمال الفنية التى تمت فى معامل محلية للأديرة الشرقية فى مصر وفلسطين وسوريا وصنعت فى فترة الفتوحات الإسلامية، وتتميز بالسمات الشعبية وهى تقليد محلى للكنيستين القبطية والسريانية، وكان لهذه الأيقونات دور هام فى الإسهام بشكل قاطع فى تشكيل وصياغة الفن المسيحى للأجيال اللاحقة وأمثلتها بدير سانت كاترين أيقونة الصلب.
أيقونات من القرن التاسع إلى الثانى عشر الميلادى
تمثل أيقونات هذه الفترة خاصيتين متميزتين تنفردان بها، الأولى وهى الفترة التى تلت فترة محاربة الأيقونات وقد داوموا فيها على الرسم التقليدى الذى كان موجودا قبل عصر محاربة الأيقونات والخاصية الثانية تمثل التحول إلى المفهوم الكلاسيكى الذى يتميز بدقة فى الشكل، ومن بين هذه الأيقونات عددًا كبيرًا أنتجته معامل بيزنطة، وأمثلتها بدير سانت كاترين أيقونات لرؤساء الملائكة المشاهد الإثنى عشر التى تمثل حياة السيد المسيح، سير بعض القديسين، وأيقونة القديس ميركيروس التى تعود إلى القرن التاسع الميلادى وهى تصور قتل القديس ميركيروس للإمبراطور جوليان المارق عن الدين.
أيقونات المينولوجيا
وهى أيقونات التقويم الشهرى لخدمة الكنيسة، وتعتبر من أهم وأعظم ما فى دير سانت كاترين حيث يصور فيها القديسون وهم يمثلون كل يوم على مدار السنة، وقد نسقت اثنتا عشرة أيقونة كبيرة بدير سانت كاترين بحيث يبدو فى كل واحدة منها صور القديسين مكتملين على مدار كل شهر ويرجع مصدر هذه الصور التقويمية إلى الكتابات الموجودة فى المخطوطات بالدير التى كتبت فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر الميلاديين.
الأيقونات السينائية
توجد مجموعة من الأيقونات بالدير يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الثانى عشر والخامس عشر الميلاديين وتمثل شخصيات تاريخية كان لها اتصال مباشر بالدير وساهمت بدور فعّال فى مسيرته الروحانية من رهبان – رؤساء دير- بطاركة – شخصيات لها موضع التقديس مثل نبى الله موسى – القديسة كاترين- يوحنا الدرجى، ويحتمل أنها رسمت داخل الدير لكى تسجل مختلف المواقف الهامة فى تاريخ حياة الرهبنة وتعتبر هذه الأيقونات مصدرًا هامًا من مصادر التاريخ والفن ومن أمثلتها أيقونة القديسة فلاهرنيوتيسا من القرن الرابع عشر الميلادى.
وتصوّر الأيقونة القديسة فلاهرنيوتيسا وهى مرتدية رداءً أحمر قانى وعلى رأسها غطاءً للرأس بنفس اللون وعلى غطاء الرأس وعلى كتفى القديسة رسم الصليب ويحيط برأسها الهالة المقدسة، وترفع يدها لأعلى وعلى صدرها هالة بداخلها صورة نصفية للطفل “السيد المسيح” .
أيقونات كريتية بعد العصر البيزنطى
كان هناك اتصال مباشر بين الدير وأهالى كريت باليونان خصوصًا أشهر الرسامين من الذين ينتمون للمدرسة الكريتية الذين قاموا برسم الأيقونات التى تمثل أيقونات ما بعد العصر البيزنطى وهم ميخائيل الدمشقى –جورجى كلونتزاس – عمانوئيل لمباردو- فيكتور الكريتى – أنجيلو الكريتى وغيرهم.
ولقد حفظت أيقونات دير القديسة كاترين فى العهد الإسلامى، بل أن هناك أيقونات رسمت فى العهد الإسلامى من القرن السابع حتى التاسع عشر الميلادى، كما أن المسلمين لم يمنعوا جلب الأيقونات من خارج مصر إلى الدير، والذى جلب إليه عددًا كبيرًا من الأيقونات من مناطق كانت خاضعة للعالم الإسلامى فى ذلك الوقت، كما توفرت لأيقونات الدير الحماية فى فترة تحطيم الأيقونات التى انتشرت فى القسطنطنية والعالم المسيحى فى الفترة من 726 حتى 843م .
سانت كاترين
بنى جستنيان دير خصص للعذراء مريم وأطلق عليه دير طور سيناء وفى القرن التاسع الميلادى أطلق على الدير دير سانت كاترين بعد العثورعلى رفات القديسة كاترين على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها فيما بعد، والقديسة كاترين هى إبنة كوستاس من عائلة نبيلة بالإسكندرية، وعاشت بالإسكندرية أيام حكم الإمبراطور الرومانى مكسيمانوس 305- 311م وتحولت إلى المسيحية ومن أجل أن ينتزعها الإمبراطور من المسيحية أصدر أوامره إلى خمسين حكيمًا من حكماء عصره أن يناقشوها ويجادلوها فى سبيل دحض براهينها عن المسيحية إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل وجاءت النتائج عكسية.
فقد آمن هؤلاء الحكماء بالمسيحية وحذا كثيرون حذوهم وكان من بينهم أقرب المقربين للإمبراطور من رجال البلاط، فلجأ مكسيمانوس لتعذيبها وأمر أن تصنع عجلات يبرز منها مسامير ورؤوس سكاكين مدببة ليضعونها فيها، ولم يؤثر هذا على إيمانها مما دفع أحد الجنود لقطع رأسها.
وبعد مضى قرون على استشهادها، رأى أحد رهبان سيناء رؤيا بأن الملائكة حملوا بقايا جسدها ووضعوها فوق قمة جبل قرب الدير فصعد الرهبان للجبل فوجدوا بقايا الجثة فدفنوها فى أعلى ذلك الجبل..
وقد صعد علماء الحملة الفرنسية إلى جبل سانت كاترين وصحبهم أحد رهبان الدير ورأوا هناك صخرة من الجرانيت هى موضع تقديس من جانب المسيحيين، ولقد شرح لهم الرهبان قصة هذا التقديس، حيث وجد بعض المسيحيين على هذه الصخرة جثة لفتاة فأخبروا أحد الرهبان بالأمر وذهب الجميع للتعرف على الجثمان وأقروا بأنه جثمان لشهيدة، وأنه لا بد أن يكون جثمان القديسة كاترين التى نقلت حسب المعتقد الراسخ فى الدير من الإسكندرية إلى هذه الصخرة بواسطة الملائكة الذين أنزلوا الجثمان عند سفح جبل حوريب (جبل موسى).
ثم نقل الرهبان ما تبقى من الجثمان إلى كنيسة التجلى بالدير ومن ذلك العهد سميت الكنيسة والدير باسم سانت كاترين وأطلق على الجبل جبل سانت كاترين ووضعت رفات القديسة كاترين فى صندوق ذهبى بمذبح الكنيسة، ويروى علماء الحملة الفرنسية أن الجثمان كان فى صندوق له نافذة من الرخام، وفى يوم عيد القديسة تعرض الرأس واليد اليمنى أمام النافذة وتنال تقديس الناس، ولقد رأى علماء الحملة الفرنسية أحد مراسم هذا الإحتفال فلقد زينت الكنيسة كما فى أيام الأعياد الكبرى وأضيئت كافة الشموع والمصابيح .
وذاعت شهرة القديسة كاترين فى جميع أنحاء أوروبا خصوصًا بعد أن حمل سمعان المترجم – الذى يتحدث خمس لغات – رفات القديسة إلى منطقة الرون وترينس بفرنسا، وكتب فى القرن العاشر الميلادى كتابه (استشهاد القديسة كاترينا المنتصرة شهيدة المسيح المعظمة)، وأصبح دير سيناء منذ ذلك الحين معروفًا للجميع كدير القديسة كاترينا، وإزاء ذلك تدفقت المعونات على دير سيناء من كل حدب وصوب.
وانتشر تكريم القديسة ورسم صورها فى الشرق والغرب والذين أظهروا فى رسوماتهم أداة تعذيب القديسة وهى عجلة التعذيب وما يزال بالدير حتى اليوم الكثير من صور القديسة يحيط بها مشاهد تمثل بعض أطوار حياتها واستشهادها ولقد أعد صندوق من المرمر عام 1231م لحفظ رفات القديسة يوجد حاليًا بمذبح كنيسة التجلى، أمّا كف القديسة فقد وضع فى صندوق من الفضة الخالصة أهداه قياصرة روسيا إلى الدير عام 1688م.
وهكذا وبعد العصر البيزنطى وحتى القرن العشرين أصبح لدير سيناء مقار سينائية متعددة تأسست فى جميع أنحاء العالم وأعطوها اسم القديسة كاترين منها المقر السينائى الهام فى مدينة هراقليون بكريت الذى تخرج منه عددًا كبيرًا من شخصيات الكنيسة الهامة .