كتب: د. عبد الرحيم ريحان
القاهرة “المسلة السياحية” ….. استكمالًا لرفضنا للدراما التليفزيونية التى تحلل الاتجار فى الآثار نشير إلى أن كلمة آثار ذكرت فى القرآن الكريم فى عدة مواضع وبمدلولات مختلفة فقد جاءت دعوة صريحة لزيارة الآثار حين أمر سبحانه وتعالى بالسير فى الأرض من أجل زيارة آثار السابقين } قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ{ النمل 69 والثانية إذا كنت فى سفر لأمر ما فلا تترك هذا المكان بدون النظر لهذه الآثار } أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ{ السجدة 26 وهنا دعوة لأن نسير فى مساكن السابقين ونتأملها ونستفيد من طرق بنائها ومدى ملاءمتها للبيئة الخاصة بها ونضع فى أذهاننا أن من صنعوا هذه المبانى العظيمة أهلكوا كغيرهم لنسأل أنفسنا ما سبب هلاكهم وزوال حضارتهم رغم عظمتها؟
وأشار القرآن الكريم إلى الآثار باعتبارها من المصادر الحضارية على وجود مجتمعات بعينها أو زوالها .
}فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ{سورة الحج آية 45 مشيرًا إلى أن كل الحضارات ارتبطت بمصادر المياه فعند مشاهدة بئر غير مستعملة دليل على وجود أقوام كانت هنا وانتهت حضارتهم ولم يتبق إلا مصادر مياه معطلة وقصور فارهة تدل على ما توصل إليه أصحابها من رقى فى العمارة والفنون المرتبطة بهذه القصور .
وأن أمثلة ذلك ما ذكر فى القرآن الكريم عن أهل ثمود أصحاب الحجر فى الآية 149 من سورة الشعراء }وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِين{ أشار إلى نوع من المبانى الفارهة المنحوتة فى الصخر وقد نحت المصريون القدماء المعابد فى الصخر مثل معبد أبو سمبل ونحت العرب قبل الإسلام الجبال قصورًا ومنها حضارات بائدة مثل قوم ثمود وحضارات بقيت آثارهم مثل الأنباط منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى عام 106م وآثارهم باقية حتى الآن فى مدائن صالح بشمال السعودية وفى البتراء عاصمة الأنباط بالأردن وفى مصر لهم ميناء على خليج العقبة بمدينة دهب ولهم مركز تجارى ودينى كبير بقصرويت بشمال سيناء تؤكد مدى التفاعل بين الإنسان والبيئة وتسخيرها لخدمته بل واستخرجوا النحاس من سيناء واستفادوا من مياه الأمطار والسيول وابتكروا أعظم النظم المائية التى ساهمت فى نهضة حضارتهم.
ووردت الآثار نصًا (آثارًا) بمعناها الحالى فى الآية 82 من سورة غافر } أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ{ باعتبار الآثار مظهرًا من مظاهر الحضارات المختلفة وبالتالى فإن تدخل الإنسان فيها بالتعدى عليها أو تهريبها أو الاتجار فيها فهو تعدى على حضارة قوم سابقين ومحاولة لطمس معالمها وتشويهها فى نفس الوقت الذى دعى القرآن الكريم إلى الحفاظ عليها وزيارتها وبالتالى فإن هذا التصرف حرام شرعًا .
وبالتالى فإن الحفاظ على الآثار وكشفها وترميمها وصيانتها وفتحها للزيارة هو ما يتفق مع دعوة الإسلام لزيارتها والتأمل فيها وهو ما تقوم به المؤسسات الرسمية أمّا تدميرها والتنقيب عنها بطرق غير شرعية والاتجار بها هو ما يتنافى مع تعاليم الإسلام وبالتالى فهو حرام شرعًا وهو ما يقوم به لصوص الآثار.
ويوضح الدكتور ريحان أن القرآن الكريم أشار للآثار القائمة والآثار المندرسة فى قوله تعالى }ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ{ سورة هود آية 100 والآثار القائمة هى الآثار الذى يتم اكتشافها حاليًا والآثار المندرسة هى لأقوام وحضارات تحدث عنها القرآن الكريم وقد دمرت حضارتهم بالكامل مثل قوم ثمود وقوم شعيب أصحاب الأيكة وغيرهم وقد سكن بمكانهم قوم آخرين كما جاء فى الآية 45 من سورة إبراهيم }وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ {