فى ختام مؤتمر "صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية"
مدير مكتبة الإسكندرية يوقع اتفاقيات تعاون مع عدد من المراكز والمؤسسات العربية
الإسكندرية "المسلة" …. شهدت مكتبة الإسكندرية اليوم ختام مؤتمر "صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية"، والذي عقد في الفترة من 3 إلى 5 يناير 2016 بمكتبة الإسكندرية.
شارك في المؤتمر أكثر من 250 مثقف ومفكر وخبير في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والإسلامية، حيث ناقشوا على مدار ثلاثة أيام سبل المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، من خلال عدة محاور؛ منها: بنية حركات التطرف، مقاربة العلوم الاجتماعية للتطرف، نقد خطابات التطرف، الإعلام والتعليم ومواجهة التطرف، الأمن القومي، الفضاء الرقمي والتطرف، والإرهاب الداخلي في أوروبا.
وشهدت الجلسة الختامية توقيع الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، اتفاقيات تعاون بين مكتبة الإسكندرية وعدد من المؤسسات العربية بهدف تضافر الجهود لخدمة الثقافة العربية ونشر الفكر التنويري؛ حيث وقع سراج الدين اتفاقيات مع محمد أبو حمور؛ الأمين العام بالوكالة لمنتدى الفكر العربي، وأنعام بيوض؛ مدير عام المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر، والدكتورة بدرة قعلول؛ مدير المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس، والدكتور عريب الرنتاوي؛ مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن، والأستاذ أنور عشقي؛ رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية بجدة.
وعرض الدكتور إسماعيل سراج الدين في الختام مجموعة من الأفكار التي أكدت عليها جلسات المؤتمر، أولها أن الفكر لا يحارب إلا بالفكر، وأن التاريخ يشهد أن الرأي هو الذي يتغير بالكلمة. أما الفكرة الثانية فهي التأكيد على أهمية التسلح بالعلم في مواجهة التطرف والفكر الظلامي، ولصناعة التقدم وتحقيق التنمية.
ولفت إلى أن الفكرة الثالثة هي الفهم المعاصر للدين، وضرورة الرجوع إلى كتابات رواد الفكر الإسلامي الإصلاحي واستعمال المنهج المتجدد من خلال أدوات البحث المعاصر والانفتاح على الآخر. وأضاف أن الفكرة الرابعة هي أن مواجهة التطرف غير منفصلة عن تحديث المجتمع ككل، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، مشددًا على أهمية محاربة التهميش والاهتمام بجواب الحكم الرشيد والمواطنة والعدالة الاجتماعية.
وقال إن الفكرة الخامسة هي أن مواجهة التطرف ليس قضية عابرة أو موسمية لكنها حية وممتدة، أما الفكرة السادسة فهي أهمية الاهتمام بالبحوث الاجتماعية في فهم ظاهرة التطرف التي تواجه مجتمعانا وتهدده.
وتحدث سراج الدين عن صناعة التطرف؛ مبينًا أنها تقوم على عشرة أعمدة؛ أولها المنتج الفكري المتطرف، وثانيها السياق والنص الذي يمكن لهذا الفكر أن ينمو فيه، وثالثها الجمهور وقدرة هؤلاء المتطرفين على فهم وتحليل واستهداف جمهور معين وخلق خطابات تناسبه، أما العمود الرابع فهو التسويق والقدرة على استعمال الأدوات المختلفة كالإعلام للوصول للجمهور، ثم يأتي العمود الخامس وهو التجنيد، يليه التدريب والتخصص، وخلق هيكل إداري لصناعة القرار، ثم التمويل، وإنشاء التحالفات الخارجية، وصولاً لآخر عمود وهو القدرة على التجدد والتحديث باستمرار لمواكبة الواقع المتغير والتفاعل معه.
وشدد على أن مكتبة الإسكندرية ستتوسع في شراكاتها عربيًا ودوليًا، وتكثيف الاتصالات مع المراكز البحثية التنويرية في العالم العربي، لتحليل ظاهرة التطرف والإرهاب ومعرفة أسباب نموها في عالمنا العربي وسبل مواجهتها، وأضاف أن المكتبة قد قامت بالفعل بالاتفاق مع منظمة الإيسيسكو ومجلس أوروبا لعقد أنشطة وفعاليات في أوروبا حول المسلمين في أوروبا.
ومحليًا، لفت سراج الدين إلى أن المكتبة لها العديد من المبادرات موضع التنفيذ، حيث ستبدأ عدد من الدورات في الثقافة الإسلامية للشباب لنشر الفكر الوسطي المستنير، كما ستعقد دورات لشباب الباحثين والدعاة حول الثقافة المعاصرة والسلام العالمي لتحديث الخطابات الدينية لتواكب تحديات العصر. وأضاف أن المكتبة مستمر في إنشاء سفارات المعرفة في الجامعات المصرية، كما أنها ستصدر طبعات شعبية لسلسلتي "مراصد" و"أوراق" لتكون متاحة للجميع.
وفي كلمتها، أكدت الدكتورة بدرة قعلول؛ مدير المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس، على أننا لا يمكننا أن نتعافى من التطرف والإرهاب في عالمنا العربي إلا بالفكر. وأكدت على أهمية تحديد المصطلحات، هل ما نواجهه هو تطرف أم إرهاب؟
وشددت على أهمية فهم آليات عملية الاستقطاب التي تقوم بها المنظمات المتطرفة لجذب الشباب، مبينة أن الشباب العربي يعاني من حالة من الإحباط وفقدان الأمل ورغبة في التغيير؛ ومن هنا يقع فريسة لتلك التنظيمات. وأضافت أن الاستقطاب يبدأ من الفضاء الإلكتروني، حيث يوجد 45 ألف موقع إلكتروني ينشر الأفكار والخطابات المتطرفة.
ولفتت إلى أن الدراسات التي قام بها المركز توضح أن الشباب المنخرطين في داعش هم شباب مهمشين اجتماعيًا، كما أن للمرأة دور كبير في عملية الاستقطاب، ويتم إسناد العديد من المهام للمرأة في هذا التنظيمات مما ينذر بخطر إنشاء وبناء أجيال متطرفة.
وقالت إن المركز قد عقد في ديسمبر الماضي مؤتمرًا إقليميًا لمناقشة تداعيات التطرف على بلدان شمال إفريقيا وجنوب المتوسط، وقد خلص هذا اللقاء إلى أهمية إنشاء تحالف إقليمي لزيادة التعاون بين دول شمال إفريقيا وجنوب المتوسط من خلال أربعة نقاط؛ هي: دعوة التيارات السياسية لزيادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتفعيل آليات مكافحة الإرهاب من خلال مقاربة شمولية بالتركيز على الدور الإعلامي والإلكتروني، والإسراع بوضع منظومة استعلامية لتسهيل الخدمات الميدانية للقضاء على الإرهاب، ودعم الحوار الليبي لبناء السلم ورفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا.
من جانبه، قال محمد أبو حمور؛ الأمين العام بالوكالة لمنتدى الفكر العربي، أن التطرف في العالم العربي له عدة أسباب، أهمها عدم رضا المواطنين والجهات المختلفة بسبب غياب العدالة في توزيع الفرص، والتشكيك في الخطابات الدينية سواء لتعصب بعضها أو لارتباط بعض الدعاة بالحكام، والإحباط الذي أصاب المواطن العربي والذي يدفعه للتغيير والهرب سواء من الأوضاع المتردية للأمان أو من الدنيا للآخرة مثلما تروج الجمعات المتطرفة، أما السبب الرابع والأخير فهو تردي الأوضاع الاقتصادية ووصول البطالة في الوطن العربي إلى 17.5%، وهو ثلاثة أضعاف المستوى العالمية.
وشدد أبو حمور أن مواجهة الأزمة الراهنة يكون من خلال محورين؛ الأول هو أن يكون للعرب قضية وخطة، حتى لا نكون جزء من خطط الآخرين، والثاني هو ضرورة النمو والتطور، فالشيء الذي لا يتطور ينقرض.
وفي كلمتها، تحدثت أنعام بيوض؛ مدير عام المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر، عن أهمية الترجمة في تغيير المشهد الثقافي وإحداث تنويعات في الخريطة الثقافية وتغيير حالة الركود التي أصابت الوضع الثقافي واللساني واللغوي. ولفتت إلى أن المركز يقوم بمشروع الترجمة العلمية الذي يهدف إلى تغيير نمطية التفكير وفتح الآفاق لفكر علمي ومستنير ونقدي، بالإضافة إلى مشروع الثقافة العلمية الذي يهدف إلى نشر الثقافة العلمية في العالم العربي.
وشددت على أن اللغة هي في الأساس أحد أهم مقومات الشخصية، وأن الشباب العربي أصيب بإحباط ثقافي بانتقاله إلى لغة أخرى في مرحلة معينة من مراحل التعليم مما عكس عليه شعور بالدونية. وأكدت أن اللغة هي وسيلة للتعرف على الذات ومصالحتها.
وفيما يرتبط بتفشي ظاهرة التطرف في مجتمعاتنا، أكدت على أهمية مراجعة الخطاب الديني، وأن ندرس الخطاب الذي تأصل فينا وأنشأنا وتربينا عليه، وأن نسائل تراثنا التاريخي والديني بأسئلة حقيقية، حتى نخرج بخطط إجرائية للتخلص من التطرف.
من جانبه، قال الباحث الفلسطيني أيمن الرقيب إن الدولة الصهيونية هي أكبر محرك للإرهاب، وهي التي تقف وراء العمليات الإرهابية في المنطقة، والتنظيمات المتطرفة التي تقوم بها، حيث إنها أكبر المستفيدين من الوضع القائم في العالم العربي.
واستنكر قيام العالم بأكمله بالحديث عن العمليات الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة في كافة أنحاء العالم، لكنها لا تتطرق إلى الإرهاب والعنف والتطرف الذي تمارسه إسرائيل مع الفلسطينيين.
وشدد على أهمية تحرك العرب للضغط على الدول الراعية لإسرائيل، ودعم الجهود لإنشاء دولة عربية واحدة واتحاد عربي قادر على تحريك الموارد والقدرات لتحقيق الوحدة والتنمية التي نطمح إليها في عالمنا العربي.
وفي كلمته، قال الشيخ حسن الأمين إن القضاء على التطرف في العالم العربي يحتاج مجموعة من الإجراءات؛ ومنها تعديل المناهج الدراسية لنشر الفكر الوسطي والمعتدل، والإيمان بأهمية التنوع في أوطاننا واستغلاله لصالحنا، وجرف المتاريس النفسية بين المواطنين، وإعادة النظر في مناهج المعاهد الدينية الأكاديمية وتوحيدها لتدريس الحريات الفكرية والدينية وحقوق الإنسان، وأخيرًا ضمان أن تقوم الأحزاب السياسية على أساس البرامج التي تقدمها وليس على أساس ديني.
كما عقد في اليوم الختامي للمؤتمر جلسة "مبادرات الشركاء في مواجهة التطرف" والتـي ترأسها الدكتور خالد زيادة المفكر اللبناني وسفير لبنان في القاهرة، بمشاركة عدد من ممثلي المؤسسات البحثية والثقافية العربية، وقد استهل الدكتور زيادة الجلسة بإيضاح ما توصل إليه المؤتمر من مناقشات حول التطرف ومساراته.
وفي كلمته، قام الدكتور محمد بلكبير من المملكة المغربية باستعراض جهود الرابطة المحمدية للعلماء في مكافحة التطرف، خاصة وأن المغرب يواجه العديد من حالات اتجاه الشباب إلى التنظيمات المتطرفة على نحو دفع الرابطة لاتخاذ مبادرة التعامل مع هذه الظاهرة. وأكد بلكبير أن الرابطة اتخذت مدخلين أحدهما سيكولوجي وآخر سوسيولوجي للتعامل مع حالات الشباب المتطرفين، وأطلقت العديد من المبادرات والتـي تهدف إلى دفع الأفراد إلى نبذ التطرف عن طريق التفكير والحس السليم بحيث تعمل هذه الاستراتيجية استباقيَّا، هذا بالإضافة إلى الفاعليات والمؤتمرات التـي تعقدها الرابطة بالتعاون مع أطراف أخرى.
من ناحية أخرى، أوضح الدكتور محمد عبد الفضيل عبد الرحيم ممثل الأزهر الشريف أن جهود المؤسسة العريقة إنما تقوم على إبراز نماذج ومسارات التطرف من خلال منهج يقوم على النقد الذاتي والمشاركة بين المؤسسات والمبادرات وإدماج الشباب وجهودهم في عمل المؤسسة. وقد أطلق الأزهر الشريف مرصدًا ويضم أكثر من 150 باحثًا على اطلاع على لغات مختلفة ويعمل المرصد على تتبع إنتاج الحركات المتطرفة وترجمته إلى اللغة العربية والرد عليه لنقضه وتفنيده. ومن ناحية أخرى، قام مرصد الأزهر بإطلاق ملتقى وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها منصة للحوار في فيينا وقد شاركت فيها مؤسسات أخرى مثل مجلس كنائس الشرق الأوسط. وأضاف عبد الرحيم أن المرصد أيضًا يرعى مبادرة قوافل السلام الدولية لنشر السلام والمعارف إلى جانب احتضان الأزهر لبيت العائلة المصري الذي يضم الكنيسة القبطية في مصر.
وتناول الدكتور عريب الرنتاوي الباحث الأردني رئيس مركز القدس للدراسات السياسية مبادرات المركز في رصد ظاهرة التطرف، وأوضح أن مركز القدس أطلق استراتيجية وطنية للتعامل مع الظاهرة وقدمها إلى الحكومة، الأردنية إلا أنه كان يستهدف مؤسسات المجتمع المدني الأردنية بالأساس حيث تعتبر الاستراتيجية مفتاح تحول ديمقراطي حقيقي. غير أن الصعوبة الكبيرة التـي واجهت المشروع تمثلت في تعريف التطرف والحد الذي يصبح معه الشخص متطرفًا؛ حيث أن البعض يفضل أن يتم تعريف التطرف على أنه دعم الإرهاب فقط. وأضاف أن المشروع قد تعرف على أزمات عديدة يعاني منها قطاع التربية والتعليم حيث يفرز التعليم بشقيه الرسمي وغير الرسمي أفكارًا متطرفة. وأكد الرنتاوي أن الدولة العربية الحديثة يجب أن تعترف بمسئوليتها على مدار عقود عن إنتاج التطرف لدى الشباب حيث فشلت في تلبية احتياجاتهم وأصبحت البطالة والإحباط دافعًا لانضمامهم إلى الإرهاب. وأخيرًا شدد على ضرورة إنتاج إسلام ديمقراطي مدني يواجه التطرف.
وركزت الباحثة سارة المحمدي على جهود مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في التعامل مع أزمة التطرف، فأوضحت أن اهتمامات المركز تتنوع بين الدراسات السياسية والاقتصادية وأنه قام بإطلاق مشروع بحثـي لتناول ظاهرة التطرف والإرهاب، كما أن المركز ينظم مؤتمرًا سنويًّا لبحث الظاهرة ويعقد بالتعاون مع العديد من المراكز الثقافية والبحثية في جامعات أمريكية وغربية ومكتبة الإسكندرية. وأضافت المحمدي أن أعمال المركز تحاول جاهدة أن تزيل اللبس حول بعض المصطلحات الفكرية التي تستخدمها هذه التنظيمات مثل الجهاد، وأخيرًا أطلق المركز مؤخرًا مشروعًا بحثيًّا لدراسة هذه الجماعات من خلال دراسة أصولها الفكرية والمقارنة بين التنظيمات وبعضها.