المسلة السياحية
بقلم : أشرف الجداوي
®® كما قلنا من قبل مرارا وتكرارا ان السياحة صناعة بالغة الحساسية بحاجة دوما الي الاستقرار .. تؤثر وتتأثر بالأحداث المحيطة بها و ولا يعتقد رجل واحد رشيد علي أرض هذا الكوكب ونحن في منتصف القرن الحادي والعشرين ..ان حركة السياح تزيد او تنقص تجاه مقصد سياحي ما فوق بقعة ما من المعمورة بتغيير المسئول الحكومي الأول عن مقدراتها .. خططها و احلامها الاستراتيجية لحقبة قادمة ، ” جاء زيدا أم مضى عبيدا ” ليست تلك هي القضية يا سادة ولا يجب ان تكون بحال من الأحوال.. ، و أعجب لصخب الحديث الذي يثار من حينا لأخر مع تغير هذا المسئول ووفود اخر لتولي المسئولية في ظل ضبابية الاقتصاد العالمي وحالة اللايقين التي اجتاحت العالم بأسره ®®
ولكن الاجدر والأصوب في تقديري المتواضع ان يعمل خبراء تلك الصناعة بشتي روافدها وباعتبارهم الشريك الاستراتيجي وقادة هذه الصناعة الحيوية علي توجيه ” هذا القادم من رحم الغيب ” الي ما فيه خير القطاع ونموه و زيادة انتاجيته من حركة سياح ترفد في النهاية اقتصاد تلك البقعة بحجم مضاعف من العملة الصعبة ،وتوفر فرص عمالة كثيفة لشبابها ..
وفي الوقت نفسه تحقق المعادلة الصعبة وهي السياحة المستدامة ، والتي تعمل عليها بكل أدواتها الفنية والعلمية و التكنولوجيا والبحثية منظمة السياحة العالمية لتكريسها في كافة دول العالم السياحية الراغبة في النظر للمستقبل القريب والبعيد لتعيد تشكيل الحياة مرة أخري ،بعد ان أتت الثورة الصناعية و مخرجاتها المتنوعة علي الأخضر واليابس و باتت تهدد سكان الكوكب بالتغير المناخي الي الأسوأ .. وقانا الله وواقكم من القادم في مستقبل الأيام الضبابية ..
&&&&&&&&&&
صخب الحديث
ومناسبة الحديث اليوم عن صخب الحديث و الجدل الدائر في الشارع السياحي المصري بعد ما غادر ” العناني ” وزارة السياحة والأثار بعد ما قضي نحو الألف يوم إلا قليلا ، عقب دمج الوزارتين السياحة و الأثار في مفاجأة من العيار الثقيل وتلك قصة أخري لامجال لمناقشتها اليوم .. ونودي على المصرفي ” أحمد عيسى ” وكلف بالوزارة المدمجة في جلسة طارئة لمجلس النواب المصري .. كل التقدير له متمنيا له النجاح والفلاح في مهمته الجديدة ..
عملت واجتهدت
وخالص الشكر والتقدير للدكتور العناني على مجهوداته المخلصة للقطاعين الاثري والسياحي ،هامسا في أذنه ” أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده ” ولا تثريب عليك اليوم …. عملت واجتهدت وبذلت كل طاقتك في محاولات جادة للتحليق بالقطاع السياحي مرة أخري ولكن الظروف القهرية من ” كورونا المستجدة التي أبادت كل أزهار الأمل في منظومة السياحة العالمية ، وخلفت آثارها المريعة علي أعتي دول العالم السياحية .. وانهيار حركة الطيران الدولية بشكل مروع لم يحدث في تاريخ الطيران التجاري منذ نشأته ..
وما ان بدأ العالم يفيق من كارثة هذا ” الفيروس المستبد ” ويلتقط أنفاسه حتي انتبهنا على كارثة الحرب بين روسيا وأوكرانيا … وما تلاها من محن وبلايا ورزايا كتوابع مازالت تتوالي على الكوكب من كساد عالمي و ازمة في الطاقة وأزمات أخري طالت الغذاء والقمح ، وغول التضخم العالمي يضرب بقوة ويزلزل أعتي اقتصاديات العالم من الولايات المتحدة غربا الي الصين شرقا .. وبات التقارير العالمية رفيعة المستوي من المؤسسات الدولية المالية والتجارية و الاقتصادية تدق ناقوس الخطر يوميا بعنوان وحيد لا يتغير وهو ” حالة اللايقين والضبابية لمستقبل الأيام ” و لا يعلم المستقبل والغيب الا الله القدير …
&&&&&&&&&&
سوق عكاظ
وعود علي بدء فالشارع السياحي المنقسم علي نفسه دائما كما عهدته .. اقام الدنيا ولم يقعدها في وسائل التنفيس الاجتماعي علي شبكة الانترنت ونصبوا سوق عكاظ للضجيج العام .. بعد ان طارت حقيبة وزارة السياحة مرة أخري ” ولن تكون الأخيرة في ظني ” الي مصرفي شاب يدعي ” أحمد عيسى ” وفدا من عالم المال والبنوك ليكلف بالوزارة دون سابق انذار … البعض يحبذ الفكرة و يثمن الاختيار المفاجأة للسياحيين وكذا الآثاريين ، ويدفع بأسبابه ووجهة نظره في هذا المضمار ، ويبرهن على صدق الرؤية والحدس باستعادة تجربة ” المصرفي النابه والوزير الجاد فؤاد سلطان رحمه الله الذي أسس للنهضة السياحية التنموية التي قامت عليها صناعة السياحة المصرية الحديثة …
سلطان قائد الثورة السياحية
فالحقيقة التي لا جدال فيها ان ” سلطان ” نستطيع ان نؤكد اليوم انه كان مفكر اقتصادي من طراز رفيع و يندر ان يجود الزمان بمثله مرة أخري ، رائد فكر الخصخصة التي أسس لها في الفكر الاقتصادي المصري ورسخ لها ، ولم تسمع بها مصر من قبله علي الاطلاق ، و أخيرا قائد الثورة السياحية الأولي في بر مصر في تلك الحقبة الزمنية من تاريخنا بلدنا الحديث ..
ولم تعرف مصر قبل وصوله منظومة عمل جادة ومبتكرة في القطاع السياحي تتماهي مع استراتيجيات دول اخري قطعت أشواط هائلة في العمل السياحي المنظم كما هو الحال في فرنسا ، اسبانيا ، الولايات المتحدة ، المملكة المتحدة ، المانيا ، المكسيك ودول أخري عديدة .. وقد فعلها الوزير سلطان وغادر كرسيه مطمئنا راضيا عن قيامه بواجبه الوطني في تلك اللحظة من عمر الوطن .
وقبله لم تكن هناك صناعة سياحة بالمعني المتعارف عليه علميا وعمليا .. كانت هناك وزارة بالفعل و يتبعها هيئات ” تنشيط السياحة ، القطاع العام السياحي مالكة فنادق الحكومة ” و لكن كانت متواضعة الأداء و القيمة النفعية لاقتصاد الدولة المصرية حينئذ، والمراقب لتاريخها منذ ان أسست في منتصف الستينات من القرن الفائت علي يد ” الوزير أمين شاكر ” رحمه الله يعرف هذا تمام المعرفة ، وكان دورها الأساسي والرسمي يتلخص في متابعة شئون السياحة والسائحين فقط …
ومنذ هذا التاريخ تارة تدمج ” السياحة والاثار ” وأخري ” السياحة والطيران ” و وزراء كثر بلا رؤية عميقة تستشرف مستقبل تلك الصناعة الشابة في حينه ، ولكن بقيت وزارة السياحة كالمنبت ” لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقي ” الي ان جاء في منتصف الثمانينيات ” الوزير فؤاد سلطان ” بفكره الجريء و أرائه الصادمة في” ان واحد” ويحول السياحة الي صناعة تدر عائدا يمثل مالا يقل عن 12 % من الدخل القومي للبلاد بمعنى الكلمة .
&&&&&&&&&&
زهير جرانه
وكان من الطبيعي ان يجني ثمار تلك الثورة في صناعة السياحة بطول مصر وعرضها ، وابتكار أدوات تنشيطية حديثة تتماشي مع أبجديات التسويق والترويج لمنتجاتنا السياحية في الأسواق الدولية المصدرة لحركة السياح .. لجذب الحركة الي المقصد المصري .. الوزراء كلا من الدكتور ” البلتاجي ” هذا المثقف الموسوعي والخبير الإعلامي المفوه ” ومن بعده رجل الاعمال الفندقي ” احمد المغربي ،،
و بعده الشاب الجريء ” زهير جرانه ” خبير السياحة الدولية وابن قطاع الشركات .. والذي نجح في نقل صناعة السياحة في مصر الي افاق جديدة ارحب وأرقام مذهلة من حيث عدد السياح و الايراد القومي في عام 2010 ” ولغة الأرقام لا تكذب ولا تتجمل ” عزيزي القارئ … وحتي اللحظة لم ولن يتحقق مثلها .. مع كامل الاحترام لكل الوزراء الذين توالوا على حقيبة السياحة المصرية و أخرهم ” الدكتور خالد العناني ” …!
بحر التجارب
واليوم أري في تقديري المتواضع وخبرتي في ملف صناعة السياحة انه من العار هذا التبسيط المخل وغير المقنع من بعض الأصوات في الشارع السياحي باستدعاء تجربة ” سلطان ” مع هذا القادم من رحم الغيب مع كامل احترامنا له في تخصصه كمصرفي ناجح ليتولى قيادة صناعة أوشكت علي الغرق في ” بحر التجارب ” ، فالزمن غير الزمن والمعطيات غير المعطيات والقياس معدوم .. والتخصص المهني بات فرض عين لا فرض كفاية .. في كافة مجالات العمل والاعمال والتجارة والاقتصاد والحياة .. ولكم يأهل السياحة في تجربة ” الوزير سيء الحظ ” زهير جرانه ” خير شاهد علي أهمية التخصص ..!
ويبقي السؤال الحائر لماذا في صناعة السياحة تسعي مصر دوما على إعادة اختراع العجلة ..؟
ولماذا لا نبدأ من حيث انتهي الاخرون ..؟
وهل نحن جادون بالفعل في الدفع بصناعة السياحة الي الامام أم هي انتكاسة أخري للخلف… ؟!