آثار محافظة درعا .. مازال النزيف مستمرا!
درعا …. "عائمون على بحر من الكنوز والآثار"، بهذه العبارة الصغيرة وصفَ علماء الآثار السوريين بلادهم، في إشارة منهم إلى وجود آلاف المواقع الأثرية المسجلة وغير المسجلة على امتداد مساحة الوطن، ومؤكدين في كثير من اللقاءات والمحافل الرسمية أنَّ بلادهم "متحفٌ في الهواء الطلق"، مشددين على النجاح الباهر الذي حققته سوريا في حفاظها على مكانتها الأثرية والحضارية العريقة، طيلة القرون السالفة.
كان هذا قبل انطلاقة الثورة السورية، والتي فرضتْ واقعاً عسكرياً معقداً على النظام السوري والثوار، جعلهم يعيشون حالة حرب دائمة.
لصوص الحضارة
في درعا، وبينما انشغل أطراف النزاع فيما بينهم، نشط "لصوص الحضارات"، المهربون والميسرون في بيع تراث بلادهم. وأصبح البحث عن الذهب والآثار في المواقع الأثرية، مهنة العشرات من المدنيين والمقاتلين ضعاف النفوس، الذين غدوا فيما بعد "تُجّاراً للآثار" وتهريبها للدول المجاورة وبيعها بمبالغ مالية طائلة.
تتركّز أعمال الحفر والتنقيب في مناطق أثرية من مدينة درعا وريفها، وهي تُعدُّ من أهم وأقدم المعالم الأثرية تاريخياً وتعود إلى حُقبات مضت. ويُعدّ المسجد العمري في مدينة درعا ومعالم بصرى الشام الأثرية ومحطّة القطار في بلدة الطيبة شرق درعا، من أكثر المواقع الأثرية التي تضرَّرت بسبب قصف القوات النظامية الذي طالها من الخارج، وبسبب أعمال الحفر العشوائية داخلها.
وحول المواقع الأثرية التي تعرّضت للتنقيب والسرقة في المحافظة، تحدث "أحمد الزعبي"، أحد سكّان بلدة الطيبة شرق درعا الخاضعة لسيطرة فصائل الثوارة، عمَّا جرى في بلدته: "كانت محطّة القطار معلماً أثرياً بسيطاً يُشير به سكّان بلدتي إلى عِرقها وأصالة تاريخها، لكنها تعرّضت لأعمال تخريب طالت السقف القرميدي، ومعظم أبوابه، والهيكل الخشبي الذي يحمله، إضافة إلى انتشار ما يزيد عن 14 حفرة في محيط المحطّة قام النَّقابون بحفرها بحثاً عن الذهب والآثار".
كما أشار "علي محاميد" أحد سكّان درعا البلد، لمراسل الآن، إلى أن رمزية بعض المواقع الأثرية ومكانتها الرفيعة في قلوب كافة السوريين لم تشفعْ لها عند لصوص الآثار، والذين ينحصر تفكيرهم فيما قد يجنونه من أرباح لقاء بيعهم لتلك القطع الأثرية، كما أنها لم تشفع لها سابقاً عند مدفعيات النظام ومدرعاته.
ففي 13 نيسان من عام2013 دمرّت القوات النظامية بفعل الاستهداف المباشر مأذنة المسجد العمري في درعا ما أدى إلى تهدمها بشكل كامل، فيما تعرض المسجد إلى عمليات حفر وتنقيب عن الآثار في أرضه، بعد فترة وجيزة من سيطرة بعض الفصائل عليه، ليقوم الأهالي إثر ذلك الحادث بإغلاق المسجد ومنع الدخول إليه.
تدمير آثار بصرى
في سياق متّصل، أوضح السيد "سليمان العيسى"، رئيس مديرية الآثار في مجلس محافظة درعا، في حديث خاص له مع الآن، حجم الدمار الذي طال آثار مدينة بصرى الشام شرق درعا، لافتاً إلى الدور الكبير الذي مارسته القوات النظامية في تدمير بعض المواقع الأثرية خلال سيطرتها على المدينة، والتي حولت قلعة بصرى الشام الأثرية إلى ثكنة عسكرية، كما قامت بعمليات سلب ونهب للمتاحف وما حوته من فخّاريات وتماثيل تعود لعصور متنوعة، فيما تم توثيق حفريات سريّة داخل القلعة وبعض المواقع الأثرية الأخرى بحثاً عن الكنوز.
وأضاف "العيسى" أن عمليات التدمير الجزئي والكامل للمواقع الأثرية شملت معظم الآثار الرومانية والبيزنطية والإسلامية، حيث عمد النظام إلى قصف القلعة ومدرجها الروماني، ما تسبب بتدمير بعض الأسوار الخارجية للقلعة، فيما دمرت قوات النظام سرير بنت الملك بالكامل جراء استهدافه المباشر من قبل دبابة، مشيراً إلى أن القصف المتبادل بين قوات النظام وكتائب الثوار قبل سيطرة الأخيرة على المدينة ساهم إلى حد كبير في تخريب المواقع الأثرية في المدينة، حيث طال القصف أجزاء من الكنيسة الكاتدرائية، كما تعرض “مبرك الناقة” لقصف بالصواريخ والهاون ما أدى لإحداث فتحة في القبة والجدار الشرقي للمبرك، فضلاً عن عمليات الحفر التي طالت بعض المواقع الأثرية عقب تحرير المدينة.
ويرى النقيب "إياد الدوس"، رئيس المجلس العسكري في جيش اليرموك، في حديث له مع الآن أن عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار والإتجار بها تتم بشكل منظم، مشيراً إلى وجود مجموعات خاصة تقوم بأعمال الحفريات والتنقيب السري لاستخراج الذهب والقطع الأثرية، فيما ترتبط معظم هذه المجموعات بشبكات تهريب آثار إلى خارج سورية، تتولى الأخيرة مهمة عرض هذه الآثار في أسواق خاصة بتصريف المسروقات الأثرية وبيعها.
وعن تقصير الهيئات الثورية في حماية التراث التاريخي والثقافي لبلادهم، أكد "أبو رائد الحارّي"، رئيس هيئة إنجاز للتنمية، لمراسل الآن، ضرورة العمل على بناء وعي حقيقي بأهمية الآثار السورية وخطورة ما تقوم به مجموعات التنقيب في اجتثاث السوريين من تاريخهم وهويتهم دون أي رقابة أو محاسبة من الجهات المعنية، مُعرباً عن أسفه لتقاعس الفعاليات الثورية القضائية والخدمية عن اتخاذ سلسلة من التدابير والإجراءات الاحترازية لحماية التراث السوري من النهب والاندثار والضياع، على حد قوله، ومُشدداً على بعض الجهود الفردية التي تُبذل من قبل بعض الفصائل على حواجزها المنتشرة في الطرقات.
وأرجع الحارّي ظاهرة انتشار لصوص الآثار والاعتداءات المتكررة على المواقع الأثرية، إلى الفلتان الأمني الذي تتعرض له البلاد، مشيراً إلى الدور الكبير الذي تلعبه دول الجوار في تسهيل عمليات تهريب الآثار السورية عبر حدودها، وبيعها في مزادات علنية ضمن أراضيها.
يُذكر أن هيئة الإذاعة البريطانية الـ "بي بي سي"، أصدرت في تقرير لها حول قيمة الآثار المهربة الى خارج سوريا منذ مارس عام 2011 أنها ما بلغت ما يقدر بحوالي 20 مليار دولار.
أخبار الآن